كتاب رسالة الحسن بن محمد بن الحنفية ابن الإمام علي رضي الله عنهم



رسالة الحسن بن محمد بن الحنفية
ابن الإمام علي رضي الله عنهم
المتوفى سنة 99هـ


ترجمة المؤلف

- اسمه وكنيته:

هو الإمام أبو محمد الحسن بن محمد بن علي رضي الله عنهم القرشي المدني التابعي، وأبوه محمد يُعرف بابن الحنفية، وهي أم محمد فهو الحسن بن محمد بن الحنفية.

- أمه:

هي جمال بنت قيس بن مَخْرمة بن المطلب بن عبد مناف.

- عمّن روى الرواة عنه:

روى عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وأبيه محمد بن الحنفية وأبي سعيد الخدري وابي هريرة وسلمة بن الأكوع وعائشة أم المؤمنين وغيرهم.

روى عنه أبان بن صالح أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان وعاصم بن عمر بن قتادة وعمرو بن دينار وقيس بن مسلم ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومنذر الثوري وموسى بن عبيدة وءاخرون.

- ماذا قيل فيه:

قال ابن سعد: كان من ظرفاء بني هاشم وأهل العقل منهم وكان يُقدَّم على أخيه أبي هاشم في الفضل والهيئة.

وقال النووي: اتفقوا على توثيقه.

وقال الذهبي: كان من علماء أهل البيت، وناهيك أن عمرو بن دينار يقول: ما رأيتُ أحدًا أعلم مما اختلف فيه الناس من الحسن بن محمد، ما كان زُهريُّكم إلا غلامًا من غلمانه.

- وفاته:

توفي سنة تسع وتسعين أو مائة في خلافة عمر بن عبد العزيز وليس له عقب، وقيل في وفاته غير ذلك.


الرسالة



فكان أوّل ما سأل عنه أن قال: أخبرونا عن قولكم فيما نسألكم عنه! نبّؤونا هل الأنبياء صلوات الله عليهم مستطيعون لعمل فعلين متضادين في حالين مختلفين؟

أخبرونا عن رسل الله من بني ءادم هل جعل الله لهم السبيل والاستطاعة إلى ترك البلاغ، ولو شاؤوا لغيّروا ما أمروا به من تبليغ الوحي والعمل بالسنن؟ أو ألزموا ذلك إلزامًا فلا يستطيعون تركه ولا الزيادة فيه ولا النقصان منه؟ فإن قالوا: "نعم، قد جعل الله لهم سبيلاً واستطاعة لترك البلاغ ولو شاؤوا لغيّروا ما نُزّل إليهم من كتابه وحكمته" فقد دخلوا في أعظم مما كرهوا حين زعموا أن الرسل لو شاؤوا لم يعبدوا الله بالتوحيد ولم يعملوا له بطاعة إذ زعموا أنهم قد كانوا يقدرون على كتمان الوحي والسنن، فيقال لهم: "فأنتم الآن لا تدرون هل بلّغت الرسل كلّ ما جاءهم من الوحي والسنن أم لا؟" فإن قالوا: "نعم، تقدر الرسل على كتمان الوحي والسنن إذا أرادت هكذا" احتُجَّ عليهم. وإن قالوا: "لم تكن الرسل تقدر على كتمان الوحي ولا إبدال الفرائض ولا ترك البلاغ لأن الله ألزمهم البلاغ إلزامًا فلا يقدرون على تركه ولا كتمانه" فقد أجابوا وفي ذلك نقض لقولهم.

أخبرونا عن إبليس من أخطر المعصية على باله أو من أوقع التكبُّر في نفسه؟ فإن قالوا: "نفسه أمرته بالمعصية وهواه حمله على التكبر" فقل: "من جعل نفسه أمَّارة بالمعصية وهواه حاملاً له على التكبر؟" فإن قالوا: "الله"، كان ذلك نقضًا لقولهم، ويقال لهم: "فمن أعطاه علم الخديعة والمكر" ءالله جعل ذلك في نفسه أو شئ جعله هو لنفسه؟ فإن قالوا: "الله جعل ذلك له" كان ذلك نقضًا لقولهم"، وإن قالوا: "إنّ ذلك لم يكن من الله عطاءً ولا قسمًا" فقد أدخل عليهم أعظم مما هربوا منه حين زعموا أن غير الله يجعل في خلقه ما لم يُرِد الله أن يكون فيهم، فما أعظم هذا القول.

وسَلْهم: "من أين علم إبليس أن ءادم تكون له ذرية وأنّ الموت يقضي عليهم وأنه يكون لله فيهم عباد مخلصون وأنه يحتنكهم [1] إلا قليلاً؟". فإن قالوا: "إن الله أعلمه ذلك" فقد نقض ذلك قولهم، وإن قالوا: "إن إبليس علمه من قبل نفسه" فقد زعموا أنّ إبليس يعلم الغيب، فسبحان الله العظيم!

أخبرونا عن ءادم وزوجته حين أسكنهما الله الجنة أكانت محبة الله ومشيئته في خلودهما فيها وإقامتهما أم في خروجهما منها؟ فإن زعموا أن محبة الله ومشيئته كانت في خلودهما فقد كذبوا لأنّ أهل الجنة لا يموتون ولا يتوالدون ولا يمرضون ولا يجوعون وقد قضى الله الموت على خلقه جميعًا وقضى على ءادم أن يكون له ذرية يكون منهم الأنبياء والرسل والصديقون والمؤمنون والشهداء والكافرون، ثم قال: {فيها تَحْيَونَ وفيها تموتونَ ومنها تُخرَجون} [سورة الأعراف/25]، ثم قال: {منها خلقناكم وفيها نُعيدكُم ومنها نُخرجكم تارةً أخرى} [سورة طه/55]، وكيف يكون ما قالوا وقد قضى الله القيامة والحساب والموازين والجنة والنار؟ سبحان الله، ما أعظم هذا من قولهم! وإن قالوا: "إن محبة الله ومشيئته كانت في خروج ءادم وزوجته من الجنة وهبوطهما إلى الأرض" فقد زعموا أنه لم يكن لخروجهما من الجنة إلا الخطيئة التي عملاها والأكل من الشجرة التي نُهيا عنها، فقد أقروا لله بقدرته ونفاذ علمه وفي ذلك نقض قولهم.

أخبرونا ءالخير أراده الله بهم فوضعها فيهم أم الشر أراد بهم؟ فإن قالوا: "الخير أراده بهم" فيقال لهم: "وكيف ذلك وقد جعلها وقد علم أنهم لا ينتفعون بها وأنها لا تكون إلا في مضرتهم". وإن زعموا أنه جعلها فيهم ليضرهم انتقض عليهم قولهم.

"هل يستطيعون أن يجهلوا ما جعلهم الله به عارفين أم لا يستطيعون؟" فإن قالوا: "لا" فقد انتقض قولهم عليهم. وإن قالوا: "نعم" فقُل: "هل يستطيعون أن يجهلوا معرفة الله فلا يعرفون أنه خالق كل شئ ومصور كل شئ؟" فإن قالوا: "هذه الفطرة، وليس يُثاب أحد عليها فالخلق كلهم يعرفون أنه الله"، فقل: "هل يستطيعون أن يجهلوا الليل والنهار والسماء والأرض والدنيا والآخرة والناس والخلق كلهم أن الله جعلهم كما شاء وكيف شاء؟". فإن قالوا: "نعم" فقد كذبوا والناس كلهم شهود على كذبهم، وإن قالوا: "لا" فقد تابعوك.

أخبرونا عن الناس مَن أنطقهم والكلام مَن خلقه؟ فإن قالوا: "الله" فانتقض قولهم وذلك لأنّ الكلام يكون فيه الصدق والكذب والتوحيد والإشراك وأعظم الكذب الشرك بالله والافتراء عليه، وإن أنكروا أن يكون الله خلق المنطق والكلام فذلك الكفر بالله والشرك والتكذيب بما جاء من عنده، فقل: "أخبرونا عن قول الله في كتابه إذ قال: {وقالوا لِجُلُودهم لمَ شَهِدتم علينا قالوا أنطَقَنا اللهُ الذي أنطقَ كلَّ شئ وهوَ خلقكم أولَ مرةٍ وإليهِ تُرجَعون} [سورة فصلت/21].

المسألة عن الحركات: من خلقها؟ فإن قالوا: "الله خلقها" كان ذلك نقضًا لقولهم، وذلك أنّ كل عمل من خير أو شرّ طاعةٍ أو معصية إنما يكون بالحركات. فإن قالوا: "إن الله لم يخلقها" فقد أشركوا بالله وذلك ابتلاء عمل لأنه لا يتمّ خلق الإنسان إلا بالحركة.

أخبرونا عن الأعمال التي عمل بها بنو ءادم أشئ هي أم ليست شيئًا؟ فإن قالوا: "بل هي شئ" فقل: "من خلق ذلك الشئ؟" فإن قالوا: "الله خلقه" انتقض عليهم قولهم، وإن قالوا: "ليس مخلوقًا" كان ذلك شركًا بالله وتكذيبًا لكتابه لأنّ الله سبحانه خالق كل شئ. فقل لهم: "ألم تعلموا أن أعمال بني ءادم شئ؟" فإن قالوا: "نعم" فقل: "والله خلقها"، وإن قالوا: "ليست بشئ" فقل لهم: "فقد زعمتم أن الله يصيب على غير شئ ويعذب على غير شئ ويغضب [2] من غير شئ ويرضى من غير شئ ويُدخل الجنة بغير شئ ويدخل النار بغير شئ".

أخبرونا عن الآجال مَن وقَّتها، أموقَّتة هي أم غير موقّتة؟ فإن قالوا: "الله وقّتها" فقد أجابوك، فقل: "هي يستطيع أحد أن يزيد فيها أو ينقص منها"، إن شاء عجّلها عن وقتها وإن شاء أخّرها؟" فإن قالوا: "لا" فقد انتقض عليهم قولهم، وإن قالوا: "نعم" فقل لهم: "فقد زعمتم أنّ الناس يستطيعون أن يقدّموا ما أخّر الله وأن يؤخروا ما قدّم الله، وهذا هو التكذيب لما جاء من عند الله وذلك قوله: {ولن يُؤَخِّرَ اللهُ نفسًا إذا جاءَ أجلُها واللهُ خبير بما تعملون} [سورة المنافقون/11].

أخبرونا عن الأرزاق مَن قدّرها، ومقدّرة هي أن غير مقدّرة ومقسومة هي أم غير مقسومة؟ فإن قالوا: "نعم، هي مقدرة ومقسومة" فقد انتقض قولهم، وإن قالوا: "لا" فقل لهم: "فهل يستطيع أحد أن يأخذ إلا رزقه أو يأخذ إلا ما قسم الله له؟" فإن قالوا: "لا" فقد انتقض قولهم، وإن قالوا: "نعم" فقل: "فكيف ذلك؟" فإن قالوا: "إن الله خلق الأموال والأطعمة والأشربة فذلك رزقه، وبيّن لهم مأخذها فإن أخذوها من باب الحلال كانت حلالاً وإن أخذوها من باب الحرام كانت حرامًا"، فقل لهم: "أفهم يأخذون لأنفسهم ما شاءوا، فأيّهم شاء أن يكون غنيًّا مكثرًا كان وأيّهم شاء أن يكون فقيرًا معدومًا كان؟". فإن قالوا: "نعم" فقد كذبوا لأن الناس كلهم حريص أن يكون غنيًا وكاره أن يكون فقيرًا، وقد قال الله سبحانه خلافًا لقولهم: {نحنُ قسَّمنا بينهم معيشتهم في الحياةِ الدنيا ورفعنا بعضهم فوقَ بعضٍ درجاتٍ لِيتخذَ بعضهم بعضًا سُخْرِيًا ورحمتُ ربكَ خيرٌ مما يجمعون} [سورة الزخرف/32]. وقال: {واللهُ فضَّلَ بعضكم على بعضٍ في الرزقِ فما الذينَ فُضِّلوا برادِّي رزقهم على ما ملكَتْ أيمانُهُم فهُمْ فيهِ سواءٌ أفبِنعمةِ اللهِ يجحدون} [سورة النحل/71] في ءاي كثيرة من كتاب الله سبحانه.

أخبرونا عن العقول أمخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ فإن قالوا مخلوقة فقل: "أمقسومة بين العباد أم غير مقسومة؟" فإن قالوا: "بل هي مقسومة"، فقل: "فأخبرونا من أين عرف بعض الناس الهدى فأخذ به وجهله بعضهم فتركه، وكلهم حريص على الهدى كاره للضلالة راغب في العلم مبغض للجهالة، وقد زعمتم أن الله قد جعل سبيلهم واحدًا وعقولهم واستطاعتهم واحدةً وهي حجة الله عليهم؟". فإن قالوا: "بتوفيق من الله" فقد أجابوا، وإن قالوا: "أخذ هداه منهم من أحبّ وتركه منهم من اتبع هواه وأطاع إبليس إلى دعائه"، قيل لهم: "فما صيّر بعضهم تابعًا لهواه والعقول فيهم كاملة مستوية؟". فإن قالوا: "بتوفيق من الله، وفّق من شاء منهم" فقد أجابوا، وإن قالوا: "فضّل الله بعضهم على بعض" فقد صدقوا، وإن قالوا غير ذلك فقد كذبوا. ألا إنه لو كان الناس في العقول سواء ما كان في النار جاهل وعاقل وأحمق وحليم ولسمي الجاهل عاقلاً والعاقل جاهلاً، ولكن الأمر في هذا أبين من ذلك ولكنهم قوم يجهلون. وإن قالوا: "ذلك من قبل الادب والتعليم"، فقل: "لو كانت عقولهم مستوية ما احتاج بعضهم إلى بعض في أدب ولا تعليم".


أخبرونا عن الإرادة، إذا أراد الله شيئًا يكون أو لا يكون؟ فإنه قد قال: {فعَّالٌ لما يريد} [سورة هود/107]، فإن قالوا: "نعم" قيل لهم: "وهل أراد الله أن يدخل خلقه كلهم في الهدى؟" فإن قالوا: "نعم، قد أراد أن يدخلوا كلهم في الهدى على غير جبر منه ولا إكراه"، فيقال لهم: "فهل دخلوا في الهدى كما أراد على غير وجه الجبر منه لهم والإكراه؟".

أرأيتم من طبع الله على قلبه وختم على سمعه وبصره أهو ممن دُعي إلى الإيمان فيثاب على أخذه ويعاقب على تركه؟ فإن قالوا: "نعم" فقل: "وكيف يقبلون الإيمان وقد خُتم على قلوبهم والله يقول: {سواءٌ عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم} [سورة البقرة/6]. فهل ضرهم الطبع والختم أم نفعهم أم لم يضرهم ولم ينفعهم؟" فإن قالوا: "إنما ختم على قلوبهم بكفرهم"، فقل: "هل ضرهم الطبع حين فُعل بهم وحال بينهم وبين التوبة والدخول في الإيمان؟"، فإن قالوا: "لم يضرهم ولو شاؤوا ءامنوا" فالله قد كذبهم واجترأوا على الرد على الله قوله، فقل: "فتراهم حين طُبع على قلوبهم حين لم يقبلوا الإيمان". فإن قالوا: "فإنهم لا يقدرون على الإيمان حتى يفتح الله قلوبهم" فقد أقروا لله بقدرته وانتقض عليهم قولهم، إذ زعموا أن الختم قد ضرهم وأنهم يعذبون على ما كان من تركهم الإيمان وأخذهم بالكفر بعد الختم وعملهم بما لا يستطيعون تركه.

أخبرونا عن الزيادة، فإن الله يقول: {ومنَ الناسِ مَن يقولُ ءامنَّا باللهِ وباليومِ الآخرِ وما هُم بمؤمنينَ* يُخادعونَ اللهَ والذينَ ءامنوا وما يخدعونَ إلا أنفسهم وما يشعرون* في قلوبهم مرضٌ فزادهم اللهُ مرضًا ولهُم عذابٌ أليمٌ بِما كانوا يكذِبون} [سورة البقرة/8-9-10]، وقوله لقوم: {ومنهُم منْ عاهدَ اللهَ لئن ءاتانا من فضلهِ لنَصَّدَّقَنَّ ولنكوننَّ منَ الصالحينَ* فلمّا ءاتاهُم من فضلهِ بَخِلوا بهِ وتولَّوا وهم معرِضُون* فأعقَبهُم نِفاقًا في قلوبهم إلى يومِ يلقونه} [سورة التوبة/75-76-77]. ألستم تعلمون أن الله زادهم مرضًا ومدّ ءاخرين في طغيانهم يعمهون وأعقب قومًا نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه؟ فإن قالوا: "نعم، ولكنه صنع ذلك بهم عقوبة بذنوبهم"، فيقال لهم: "فنعم، أفليسوا معذورين بما عملوا من معصيته حين فعل ذلك بهم؟". فإن قالوا: "لا" فقل: "فقد دخلتم فيما عبتم إذ زعمتم أنّ الله يعذب قومًا على ما لا يستطيعون تركه، لأنه فعل ذلك بهم".

أخبرونا عما صنع الله بالعباد، هل يعذبهم عليه؟ فإن قالوا: "لا" فقل: "فأخبرونا عمّن زاده الله كفرًا ومدّه في طغيانه وأعقبه النفاق في قلبه، هل يعذبه عليه؟". فإن قالوا "نعم" فقد دخلوا فيما كانوا يعيبون، وإن قالوا "لا" فقل: "فقد زعمتم أن الله لا يعذب من كان على الكفر ولا يضرّ من كان عليه وأنتم تزعمون أن الله إنما صنع ذلك عقوبةً لهم". وسَلهم: "هل استطاع هؤلاء الترك لما صنع الله بهم والخروج منه؟" فإن قالوا: "لا" فقد أجابوا، وإن قالوا "نعم" فقد كذبوا بكتاب الله وخالفوا قول الله إذ يقول: {فأعقَبهم نِفاقًا في قلوبهم إلى يومِ يلقونه} [سورة التوبة/77]، فإن كانوا يقدرون على أن يصرفوا من النفاق قلوبهم قبل أن يلقونه فقول الله بزعمهم باطل في قوله: {ختمَ اللهُ على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيم} [سورة البقرة/7].

... المسألة عن قول الله سبحانه: {وإذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إحدى الطائفتينِ أنَّها لكم} [سورة الأنفال/7]، أليس إنما يريد الله العبر والغنيمة أو المشركين وغلبتهم والنصر؟

فإن قالوا "نعم" فقل: "هل كانوا يقدرون على أن لا يقاتلوا ولا يخرجوا إلى القتال؟" فإن قالوا "نعم" فقد زعموا أنهم كانوا يقدرون على أن يخلف الله وعده الذي وعد رسوله، وهذا قول عظيم يُدخلهم في أعظم مما كرهوا. وإن زعموا أنهم لم يكونوا يقدرون على أن لا يخرجوا إلى القتال لا المؤمنون ولا الكافرون أقروا بما كرهوا. فإن الله قد أراد ن يقاتل المؤمنون الكافرين وأن يقاتل الكافرون المؤمنين وأن الفريقين لم يكونوا يستطيعون التخلف ولا الترك للقتال حتى ينجز الله وعده ويُعز المؤمنين ويُذل الكافرين ويوهن كيدهم، وكذلك أراد بالفريقين جميعًا.

وقد كان فيما صنع الله بالفريقين يوم بدر بيّنة لنبيه وبرهان، وذلك أن الله سبحانه لم يكل المؤمنين إلى ما زعم الجهال المكذبون أن الله جعل في العباد استطاعةً ثم وكلهم [3] إليها. فلم يرض حتى أيدهم بنصره وأمدهم بملائكته، ثم ءاجرهم على صبرهم على البأس وهو صبّرهم وأجرهم على الثبات وهو ثبتهم وأجرهم على ائتلافهم وهو ألّف بينهم وءاجرهم على صرامتهم وهو ربط على قلوبهم وءاجرهم على ظفرهم وهو ألقى الرعب في قلوب عدوهم، وهذا كله خلاف لقولهم وردّ عليهم.

فجعل غلبة المؤمنين للكافرين نصرًا وعزًا وتأييدًا وجعل غلبة الكافرين دولة [4] بلاء وإملاء فأنزل في قتال المؤمنين الكافرين بأُحد حينئذ وفي المشركين من المؤمنين: {فأثابكم غمًّا بغمٍ} [سورة ءال عمران/153]، أما الغم الأول فالهزيمة والقتل، وأما الغم الآخر فإشراف خيول الكفار على الجبل حتى أشرفوا عليهم فظنوا أنها الهلكة. قال الله تعالى: {لِكيلا تَحزَنوا على ما فاتَكُم} من الغنيمة [ولا ما أصابكم] [سورة ءال عمران/153] يعني من قتل من قُتِل من إخوانكم. قال: {واللهُ خبيرٌ بما تعملون} [سورة ءال عمران/153].

فإن قالوا: "إنّ الله إنما فعل ذلك بذنوبهم ومعصيتهم"، قيل: "فإنه إنما عصى منهم نفرٌ يسير وهم الرماة نحو من خمسين رجلاً، فقد عمّ ذلك البلاء جميع المسلمين حتى وصل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فشُجّ [5] في وجهه وكُسرت رباعيته [6]، وقد كان المسلمون يوم أحد سبعمائة –أو يزيدون- فأخبر الله أنه صنع ذلك بهم فأثابهم غمًّا بغم. أفليس قد أراد الله أن يصيبهم ذلك بأيدي الكافرين ولأن ينهزموا وأن يُقتل من قتل منهم؟".

ثم أخبر أيضًا بما صنع بهم بعد الذي كان منه إليهم من الغمّ فقال: {ثُمَّ أنزلَ عليكم من بعدِ الغمِّ أمَنَةً نُعاسًا يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهَمَّتهُم أنفسهم يظنونَ باللهِ غيرَ الحقِّ ظنَّ الجاهليةِ يقولونَ هل لنا من الأمرِ من شئ} [سورة ءال عمران/154]. قال الله لنبيه: {قُلْ إنَّ الأمرَ كلهُ للهِ يُخفونَ في أنفُسِهم ما لا يُبدونَ لكَ} [سورة ءال عمران/154]، فأخبر عما أخفوا في أنفسهم فقال: {يقولونَ لو كانَ لنا منَ الأمرِ شئٌ ما قُتِلنا هاهُنا} [سورة ءال عمران/154]، يقولون: لو كنّا في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال الله تكذيبًا لهم: {قُلْ لو كنتم في بيوتكم لبرَزَ الذينَ كُتبَ عليهم القتلُ إلى مضاجعهم} [سورة ءال عمران/154] فأخبر أنه قد كتب القتل على قوم قبل أن يُقتلوا وجعل لهم مضاجع إليها يصيرون، ثم نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم وأن يظنوا بالله كظنهم فقال: {يا أيها الذينَ ءامنوا لا تكونوا كالذينَ كفروا وقالوا لإخوانِهم إذا ضربوا في الأرضِ أو كانوا غُزًّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قُتِلوا ليجعل اللهُ ذلكَ حسرةً في قلوبهم واللهُ يُحيي ويُميتُ واللهُ بما تعملونَ بصيرٌ} [سورة ءال عمران/156]. قال في غلبة الكافرين للمؤمنين وهزيمة المؤمنين قال الله: {وتلكَ الأيامُ نُداوِلُها بينَ الناسِ وليعلمَ اللهُ الذينَ ءامنوا ويتخذَ منكم شُهداء واللهُ لا يُحبُّ الظالمين} [سورة ءال عمران/140]، وقال: {وما أصابكُم يومَ التقى الجمعانِ فبإذنِ اللهِ وليعلمَ المؤمنين* وليعلمَ الذينَ نافقوا} [سورة ءال عمران/166-167] في ءاي كثيرة يُخبر أن الأمر منه وهو يدبّر أمر خلقه ويصرفهم كيف يشاء.

وأخبر أن الذي أصاب المؤمنين يوم أحد إنما كان بإذن الله من قتل الكافرين إياهم وهزيمتهم لهم حتى قُتل منهم سبعون رجلاً، وأنتم تزعمون أنه لم يأذن في المعاصي وأنها لا تكون إلا بإذنه، ولكن الإذن قد يكون على معنيين: أما أحدهما فيكون أمرًا منه يأمر به والآخر يكون إذنًا على وجه الإرادة أنه أراد أن يكون لأنه: {فعَّالٌ لما يريد} [سورة هود/107].

ثم قد عيّر الذين قالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزًّى: "لو كانوا عندنا ما ماتوا ولا قُتلوا" فكذبهم الله وأخبر بما قد سبق منه لهم وما قد كتبه عليهم، وعيَّر الذين قالوا: "لو كان لنا ن الأمر شئ ما قُتلنا ها هنا"، فكذبهم الله بما قالوا من ذلك. فلو تدبرتم كتاب الله وءامنتم بما فيه ما عارضتم أمور الله تعالى ولا عبتم قضاءه تردّون عليه برأيكم وتعنّفون حكمه وتظلمون عدله تقولون: "فعل بخلقه شيئًا ثم عذبهم عليه بما صنع بهم فقد ظلمهم". فسبحان الله ما أعظم قولكم وأضعف رأيكم.

أخبرونا عن الإذن وإنكاركم أن يكون الله أذن في المعاصي. فقل: "الإذن من الله على وجهين: فإذن أذن فيه أمر يأمر به وإذن [أذن] فيه إرادةً منه أن يكون لما يشاء من أمره، وما كان من معصية فلا يكون إلا بإذنه وكذلك المنة وذلك إرادة منه"، فإن قالوا "نعم" فقد أقروا بنفاذ أمره وإرادته، وإن جحدوا وأنكروا فإن الله قد كذبهم في كتابه فقال للمؤمنين: {وما أصابكم يومَ التقى الجمعانِ فبإذنِ اللهِ} [سورة ءال عمران/166] يعني بذلك: ما أصابكم من القتل والهزيمة، وإنما كان ذلك تأييدًا للكافرين فقد أذن الله للكافرين أن ينالوهم بما أصابوهم من القتل والجراح والهزيمة. فإن زعموا أن إذن الله أمره فقد زعموا أنه أمر بالمعاصي وأمر المشركين أن يقتلوا المؤمنين، وكل مأمور إذا فعل ما أُمر به فهو مطيع وله عليه أجر والكتاب يكذبهم. وإن زعموا أن إذنه على وجهين، أحدهما على وجه الأمر والآخر على وجه الإرادة فقد أقروا بالحق، وفي ذلك نقض لقولهم ورد عليهم، فقد زعموا أن الله يريد أن يكون ما لا يأمر به ولا يرضاه.

أخبرونا عن التزيين بالإرادة دون الأمر، فإن أنكروا أن الله يزيّن لعباده دون أن يكون أمرًا منه فقد ردّ الله عليهم قولهم فقال في الأنعام: {ولا تسبُّوا الذينَ يدعونَ من دونِ اللهِ فيسُبُّوا اللهَ عدْوًّا بغيرِ علمٍ كذلكَ زيَّنَّا لكلِّ أمةٍ عملهم} وقال في حم السجدة [7]: {وقيَّضنا لهم قُرَنَاءَ فَزَيَّنوا لهم ما بينَ أيديهم}، وقال في النمل: {إنَّ الذينَ لا يُؤمنونَ بالآخرةِ زيَّنَّا لهم أعمالهم فهُمْ يعمَهون}، هذا كله تزيينٌ أراده أو ليس أراده؟

أخبرونا عن الجعل بالإرادة دون الأمر، فإن أنكروا فأخبرهم أن الله يقول: {ومَن أظلمُ ممَّنْ ذُكِّرَ بآياتِ ربهِ فأعرضَ عنها ونسيَ ما قدَّمَتْ يداهُ إنَّا جعلنا على قلوبهم أكِنَّةً أن يفقهوهُ وفي ءاذانهم وَقْرًا وإن تدعوهُم إلى الهُدى فلن يهتدوا إذًا أبدًا} [سورة الكهف/57]، وقال سبحانه: {عسى اللهُ أن يجعلَ بينَكُم وبينَ الذينَ عادَيتُمْ منهم مودةً واللهُ قديرٌ واللهُ غفورٌ رحيمٌ} [سورة الممتحنة/7] في ءايات كثيرة من الكتاب. فيقال لهم: "ما ذلك الذي جعل الله وهو كائن كما جعل؟"، فإن قالوا: "إنما ذلك الدعاء"، فقل: "إنّ الدعاء قبل ذلك، فقد دعا العبادَ جميعًا وهذا شئ قد خصّ به من شاء من خلقه ولم يعمّهم لأنه إنما يهتدي من جعل الله في قلبه الهدى ولم يعمّهم بالهدى". فإن قالوا: "قد نعلم أن الله قد جعل الناس كلهم مهتدين ولا نقول إن الله قد جعلهم كفارًا" فقل: إنّ الله يردّ عليكم قولكم في كتابه فإنه قد قال: {قُلْ هلْ أُنَبِّئُكُم بشَرٍّ من ذلكَ مَثُوبةً عندَ اللهِ مَن لعنهُ اللهُ وغضبَ اللهُ وغضبَ عليهِ وجعلَ منهُمُ القردةَ والخنازيرَ وعبَدَ الطاغوتَ أولئكَ شرٌّ مكانًا وأضلُّ عن سواءِ السبيل} [سورة المائدة/60]". ألا ترى أن الله قد جعل منهم القردة والخنازير؟ فإن زعموا أن الله إنما سماهم بذلك ونسبهم إليه فقل: "كذلك لم يجعلهم قردة وخنازير، وإنما سماهم بذلك ونسبهم إليه". وإن أقروا أن الله جعلهم عبدة الطاغوت فذلك نقضٌ لقولهم. وإن قالوا: "إنّ الله لم يجعلهم عبدة الطاغوت" كان ذلك تكذيبًا منهم، فقل: "فإنّ الله قد قال أيضًا: {وكذلكَ جعلنا في كلِّ قريةٍ أكابِرَ مُجرِميها ليمكروا فيها وما يمكرونَ إلا بأنفسهم وما يشعرونَ} [سورة الأنعام/123]. ألا ترون الله يخبر أنه قد جعل في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها؟". فإن قالوا: "إنه لم يجعلهم ليمكروا فيها" كان ذلك تكذيبًا منهم، وإن أقروا كان ذلك نقضًا لقولهم. وقد قال الله لقوم فرعون: {وجعلناهم أئمةً يَدْعونَ إلى النارِ ويومَ القيامةِ لا يُنصَرون} [سورة القصص/41]. فإن قالوا: "نعم" كان ذلك نقضًا لقولهم، وإن قالوا "لا" فقد كذبوا، والله يقول: {واللهُ جعلَ لكم ويومَ إقامَتِكُمْ ومن أصوافها وأوبارِها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين* واللهُ جعلَ لكم مما خلقَ ظلالاً وجعلَ لكم منَ الجبالِ أكْنانًا وجعلَ لكم سرابيلَ تقيكُمُ الحَرَّ وسرابيلَ تقيكم بأسَكم} [سورة النحل/81]. ألا ترى أن الناس هم غزلوا ونسجوا وعملوا الدروع واتخذوا المساكن والبيوت ثم نسب ذلك منّة إليه وأخبر أنه خلقه؟ فمنّ به عليهم وذلك أنه أراده، فكان ما أراد ولم يأمر به.

أخبرونا عن الإغراء بالإرادة دون الأمر، فإنّ الله يقول: {ومِنَ الذينَ قالوا إنَّا نصارى أخَذنا ميثاقهم فنسُوا حظًّا مما ذُكِّروا بهِ فأغْرينا بينهم العداوةَ والبغضاءَ إلى يومِ القيامةِ} [سورة المائدة/14]. فسلهم: "هل كان هؤلاء يستطيعون أن يخرجوا ممّا صنع الله بهم وأن يتركوا العداوة بينهم؟" فإن قالوا: "نعم" فقد كذبوا كتاب الله، وإن قالوا "لا" كان ذلك نقضًا لقولهم.

أخبرونا عن قول الله: {وهُوَ الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطنِ مكةَ من بعدِ أن أظفرَكم عليهم} [سورة الفتح/24] وذلك يوم الحُديبية، فسلهم: "هل كان واحد من الفريقين يستطيع أن يبسط يده إلى أخيه والله عز وجل يخبر أنه قد كفّ بعضهم عن بعض بإرادة لا بأمر؟ فإن قالوا: "نعم، قد كانوا يستطيعون أن يقاتل بعضهم بعضًا" كذبوا كتاب الله عز وجل، وإن قالوا "لا" فهذا نقض لقولهم.

... المسألة عمّا وعد الله جلّ ثناؤه رسوله والمؤمنين من الغنائم الكثيرة التي قال يأخذونها، هل كانت تلك الغنائم التي وعدهم إياها تكون إلا من الكافرين؟ فإن قالوا: "لا" فقل: "فهل كان أولئك الكافرون يستطيعون أن يؤمنوا حتى لا تحلّ غنائمهم ولا دماؤهم ولا أموالهم؟" فإن قالوا "نعم" فقد كذبوا قول الله عز وجل، وإن قالوا "لا" فذلك نقض لقولهم.

... المسألة عن قول الله عز وجل: {يا أيها الذينَ ءامنوا اذكروا نعمتَ اللهِ عليكم إذْ هَمَّ قومٌ أن يبسُطُوا إليكم أيديهم فكَفَّ أيديهم عنكم} [سورة المائدة/11]، وذلك أن ناسًا من اليهود كانوا أرادوا قتل رسول الله صلوات الله عليه ونفرٍ معه من أصحابه، فأخبر الله عز وجل رسوله وكفّ أيديهم عنه وعن أصحابه. فسلهم: "هل كانوا يستطيعون أن يبسطوا أيديهم عليهم وقد كفّها الله عنهم أن لا؟"، فإن قالوا: "نعم" فقد كذبوا قول الله جل ثناؤه، وإن قالوا: "لا" فذلك نقضٌ لقولهم.

... المسألة عن قول الله عز وجل لعيسى ابن مريم وهو يذكر نعمة الله عليه فقال: {وإذْ كفَفْتُ بني إسرائيلَ عنكَ إذْ جِئْتَهُم بالبيِّناتِ فقالَ الذينَ كفروا منهم إنْ هذا إلا سحرٌ مُبين} [سورة المائدة/110]. فهل كان لبني إسرائيل أن يبسطوا أيديهم على عيسى عليه السلام؟ فإن قالوا "نعم" فقد كذبوا قول الله، وإن قالوا "لا" فذلك نقض لقولهم.

... المسألة عن قول الله سبحانه: {سنُلقي في قلوبِ الذينَ كفروا الرُّعبَ بما أشركوا باللهِ ما لم يُنَزِّلْ بهِ سُلطانًا} [سورة ءال عمران/151]، وقال في سورة الحشر: {وظَنُّوا أنهم مانِعتُهُم حُصونُهُم منَ اللهِ فأتاهُمُ اللهُ من حيثُ لم يحتسبوا وقَذفَ في قلوبهم الرُّعبَ}، وقال: {وأنزلَ الذينَ ظاهروهم من أهلِ الكتابِ من صَياصيهم وقذفَ في قلوبهم الرعبَ فريقًا تقتلونَ وتأسرونَ فريقًا} [سورة الأحزاب/26]. فأخبرونا عن الرعب الذي قذف الله في قلوب الكافرين، هل كانوا يستطيعون أن يمتنعوا منه وأن يصرفوه عن قلوبهم؟ فإن قالوا "لا" كان ذلك نقضًا لقولهم، وإن قالوا "نعم" فقد كذبوا بكتاب الله وزعموا أنّ العباد يمتنعون من الله.


وإن قالوا: "إنما صنع الله ذلك بهم بكفرهم" فقل: "ألستم تعلمون أن الرعب شئ لطيف لا يراه الناس ولا يردّونه ولا يمتنعون منه حين يدخل قلوبهم فيوهن الله بذلك كيدهم؟" وينقض قولهم. فإن قالوا "نعم" فقل: "وكذلك أيضًا التوفيق شئ لطيف لا تراه العباد يُلقيه الله سبحانه في قلوب المؤمنين، وأمور الله كلها كذلك، من أراد به خيرًا وفّقه وسدده وأرشده وكان ذلك عونًا من الله لهم، ومن أراد به سوءًا ثبّطه وعوّقه وخذله وتركه وهواه ووكله إلى نفسه فوكله إلى الضعف والهون: {واللهُ غالبٌ على أمرهِ} [سورة يوسف/21].

أخبرونا عن الذرء بالإرادة، فإن الله يقول: {ولقدْ ذرأنا لجهنمَ كثيرًا منَ الجنِّ والإنسِ لهم قلوبٌ لا يفقهونَ بها ولهم أعينٌ لا يُبصِرون بها ولهم ءاذانٌ لا يسمعون بها أولئكَ كالأنعامِ بل هم أضلُّ أولئكَ همُ الغافلون} [سورة الأعراف/179]. فسلهم: "هل يستطيع هؤلاء أن ينقلبوا عما ذرأهم الله له؟" فإن قالوا: "نعم" فقد كذبوا وزعموا أنهم يستطيعون أن يبدّلوا خلقهم وإرادة الله فيهم، وإن قالوا "لا" كان نقضًا لقولهم.

... المسألة عم قول الله عز وجل: {ولو شاءَ ربُّكَ لجعلَ الناسَ أمةً واحدةً ولا يزالونَ مُختلفينَ* إلا من رحمَ ربكَ ولذلكَ خلقهم} [سورة هود/118-119]. فيقال لهم: "أخبرونا عن هؤلاء الذين قال الله: {ولا يزالون مُختلفين* إلا من رحمَ ربكَ ولذلك خلقهم}، هل يستطيعون أن يكونوا على غير ما وصفهم به وأن يتركوا ما خلقهم له؟" فإن قالوا "لا يستطيعون" فقد أجابوا وصدقوا، وإن قالوا "نعم، هم يستطيعون أن يكونوا على غير ما خلقهم" فقد كذبوا وخالفوا، وإن زعموا أن الله جلّ ثناؤه إنما خلق أهل الإيمان للرحمة فنحن نقبل منكم ونصدّقكم إن زعمتم أن الله جل ثناؤه خلق خلقًا من خلقه خصّهم بالرحمة ولا يستطيعون أن يكونوا على غير ما خلقهم لأنه قد استثنى لهم.

أخبرونا عن قول الله: {إنَّ الإنيانَ خُلقَ هلوعًا* إذا مسَّهُ الشرُّ جزوعًا* وإذا مسَّهُ الخيرُ منوعًا} [سورة المعراج/19-20-21]، ثم استثنى أيضًا فقال: {إلا المُصلينَ* الذينَ هم على صلاتهم دائِمون} [سورة المعراج/22-23]، فيقال لهم: "ألا ترون أن الله عز وجل قد صنفهم صنفين، فمنهم من خلقه هلوعًا جوزعًا منوعًا، ومنهم من لم يخلقه كذلك. فأخبرونا هل يستطيع هذا الذي خلقه هلوعًا جزوعًا منوعًا أن يكون على غير ما خلقه الله عليه؟ فإن قالوا "نعم" فقد زعموا أن الناس يقدرون على أن يبدلوا خلق الله الذي خلقهم عليه، وإن قالوا "لا" كان ذلك نقضًا لقولهم.

... المسألة عن قول الله سبحانه حين يقول للمؤمنين: {ولا تكونوا كالذينَ قالوا سمِعنا وهُم لا يسمعون* إنَّ شرَّ الدوابِّ عندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الذينَ لا يعقِلون} [سورة الأنفال/21-22]. هل كان هؤلاء الذين ذكر يستطيعون أن يقبلوا الهدى وأن يسمعوا المنفعة في دينهم؟ فإن قالوا "نعم" فقد كذبوا وجحدوا، وإن قالوا "لا" كان ذلك نقضًا لقولهم.

... المسألة عما ضرب الله عز وجل للمنافقين من المثل في قوله: {مَثَلُهُم كمثلِ الذي استوقَدَ نارًا فلمّا أضاءتْ ما حولهُ ذهبَ اللهُ بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يُبصِرون* صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ فهم لا يرجعون} [سورة البقرة/17-18]. فتقول ألا ترون أن الله هو الذي ذهب بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون؟ فأخبرونا هل كان هؤلاء يستطيعون سماع الهدى وقد وصفهم الله سبحانه بالصمم؟ وهل كان لهم أن يقبلوا الهدى وقد وصفهم بالعمى؟ وهل كانوا ينتفعون بنور الهدى وقد ذهب الله به؟ فإن قالوا "نعم" فقد كذبوا بكتاب الله وجحدوا بآياته، وإن قالوا "لا" كان ذلك نقضًا لقولهم.

... أخبرونا عن قول الله: {ولا يَحْسَبنَّ الذينَ كفروا أنَّما نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنما نُملي لهم ليزدادوا إثمًا ولهم عذابٌ مُهين} [سورة ءال عمران/178]. فقال: أخبرونا عن هؤلاء، ءالله أراد بهم في إملائه لهم ليزدادوا إثمًا كما قال؟ فإن قالوا "نعم" نقض ذلك قولهم، وإن قالوا "لا" كذبوا.

أخبرونا عن قول الله عز وجل في الإغفال: {ولا تُطِعْ مَن أغفلنا قلبهُ عن ذِكرنا واتَّبعَ هواهُ وكانَ أمرهُ فُرُطًا} [سورة الكهف/28]. فقال: أخبرونا عن هذا الذي أغفل الله قلبه عن ذكره، هل أراد الله أن يُطيعه؟ فإن قالوا "نعم" فقد كذبوا وجحدوا، وإن قالوا "لا" فقد نقض ذلك قولهم.

أخبرونا عن قول الله سبحانه: {ألَمْ ترَ أنَّا أرسنا الشياطينَ على الكافرينَ تَؤُزُّهُم أزًّا} [سورة مريم/83]، فيقال لهم: "هل أراد الله سبحانه أن يؤمن هؤلاء الذين أرسل الله عليهم الشياطين؟" فإن قالوا "نعم" فقد كذبوا وجحدوا، وإن قالوا: "لا" فقد نقض ذلك قولهم.

أخبرونا عن قول الله سبحانه: {وأوحَينا إلى أمِّ موسى أنْ أرضِعيهِ فإذا خِفْتِ عليهِ فألقيهِ في اليمِّ ولا تخافي ولا تَحزَني إنَّا رادُّوهُ إليكِ وجاعِلوهُ منَ المرسلين} [سورة القصص/7]، هل كان فرعون يستطيع أن يقتل موسى حتى لا يرده الله إلى امه ولا يجعله من المرسلين؟ فإن قالوا: "نعم" فقد كذّبوا وجحدوا، وإن قالوا: "لا" فقد نقض ذلك قولهم.

المسألة عن قول الله سبحانه: {وكذلكَ حقَّتْ كلمتُ ربِّكَ على الذينَ كفروا أنهُم أصحاب النارِ} [سورة غافر/6]، وقوله: {وتمَّتْ كلمةُ ربِّكَ لأملأنَّ جهنَّمَ منَ الجِنَّةِ والناسِ أجمعين} [سورة هود/119] وقوله: {ولو شِئنا لأتينا كلَّ نفسٍ هُداها ولكنْ حقَّ القولُ مني لأملأنَّ جهنَّمَ منَ الجِنَّةِ والناسِ أجمعين} [سورة السجدة/13]. فيقال: أخبرونا عن بني ءادم كلهم، هل كانوا يستطيعون أن يطيعوا الله جميعًا فلا يعصوه ويعبدوه كلهم حتى لا يعبدوا غيره فيوجب لهم الجنة ويحرّم عليهم النار فلا يدخلها أحد منهم؟ فإن قالوا: "نعم" فقد كذبوا كتاب الله وزعموا أنهم يقدرون على أن يبطلوا قول الله تبارك وتعالى عن ذلك، وإن قالوا "لا، لم يكونوا يستطيعون أن يطيعوه ولا يعبدوه" كان ذلك نقضًا لقولهم وإبطالاً لحجتهم.

المسألة عن قول الله سبحانه: {انظُرْ كيفَ فضَّلنا بعضهم على بعضٍ وللآخرةُ أكبرُ درجاتٍ وأكبرُ تفضيلاً} [سورة الإسراء/21]. فيقال لهم: "ألستم تقرّون أن الله سبحانه قد فضّل بعض خلقه على بعض في الدنيا والآخرة وخصّ بذلك بعض خلقه دون بعض؟". فإن قالوا نعم" انتقض قولهم، وإن الطاعة والإيمان مما فضّل الله به عباده وخصّهم به من رحمته، وإن قالوا "لا" فقد جحدوا بآيات الله وكذبوا كتابه.

أخبرونا عن قول الله تبارك وتعالى لإبليس: {إنَّ عبادي ليسَ لكَ عليهم سُلطانٌ إلا مَنِ اتَّبَعَكَ منَ الغاوين} [سورة الحجر/42]، وعن قوله: {فإذا قرأتَ القرءانَ فاسَعِذْ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم* إنَّهُ ليسَ لهُ سلطانٌ على الذينَ ءامنوا وعلى ربِّهِم يتوكلونَ* إنَّما سُلطانُهُ على الذينَ يَتَوَلَّونهُ والذينَ هُم بهِ مُشرِكون} [سورة النحل/98-99-100]، وقال إبليس: {لأغْوِينَّهُم أجمعين* إلا عِبادكَ منهُم المُخلصين} [سورة ص/82-83]. فقال: أخبرونا عن هذا السلطان، ما هو؟ فإن قالوا "هو التخييل" فقل: "فما أكثر ما لقي منه المؤمنون وأطلفالهم" وإن قالوا "هو الدعاء" فقل: "فهذا ما يدعو به المؤمن والكافر والخلق كلهم حتى عرض للأنبياء فدعاهم والتمس فتنتهم فدعاهم كلهم إلى المعصية". وإن قالوا: "هو التضليل ولن يصل بذلك إلى عباد الله المؤمنين، لأن الله عصمهم وهو الوكيل عليهم" فقد أجابوا ونقض ذلك قولهم.

أخبرونا هل يخصّ الله برحمته من يشاء من خلقه أم ليست له خاصة وإنما هو أمر عام فمن شاء أخذ ومن شاء ترك؟ فإن قالوا ذلك فقد كذبوا والله سبحانه يخبر بخلاف قولهم إذ يقول لنبيه عليه السلام: {ألمْ نشرحْ لكَ صدركَ* ووضعنا عنكَ وِزرَكَ} [سورة الشرح/1-2]، وقال أيضًا لمن أراد أن يخصّه بالهدى من خلقه: {فمن يُرِدِ اللهُ أن يهديهُ يشرحْ صدرهُ للإسلامِ ومَن يُردْ أن يُضِلَّهُ يجعلْ صدرهُ ضيِّقًا حرَجًا كأنَّما يَصَّعَّدُ إلى السماءِ كذلكَ يجعلُ اللهُ الرِّجسَ على الذينَ لا يؤمنون} [سورة الأنعام/125]. وقال أيضًا: {أفَمن شرحَ اللهُ صدرهُ للإسلامِ فهوَ على نورٍ من ربهِ فويلٌ للقاسيةِ قلوبُهُم من ذكرِ الله أولئكَ في ضلالٍ مبين} [سورة الزمر/22]. فيقال: أخبرونا عن الشرح ما هو، أهو الهدى أم هو الدعاء؟ فإن قالوا "هو الدعاء" زعموا أن كل كافر مشروح الصدر بالإسلام وأن الخلق كلهم جميعًا قد شرحت صدورهم لأنهم قد دعوا كلهم، وإن قالوا "هو الهدى يمنّ به على من يشاء" فقد أجابوا.

... المسألة عن قول الله في التأييد وذلك قوله لعيسى ابن مريم: {وءاتينا عيسى ابنَ مريمَ البيِّناتِ وأيدناهُ بروحِ القُدس} [سورة البقرة/87] وقوله للمؤمنين: {فأيَّدنا الذينَ ءامنوا على عدوهم فأصبحوا ظهرين} [سورة الصف/14] في ءاي كثيرة فخصَّ الله به من يشاء من خلقه من الأنبياء والمؤمنين. ألا ترون أنّ الله عز وجل لم يَكِلهم إلى ما زعمتم أنه جعله فيهم من الاستطاعة وهي الحجة، زعمتم، على جميع خلقه حتى جاءهم سوى ذلك من أمره فأيدهم به فظهروا بتأييده ورعب عدوّهم فغلبوا برعبه ونصرهم فقهروا بنصره. ثم قال فيما منَّ به على المؤمنين ويعلمهم ما صنع بهم مما لم يصنعه بغيرهم فقال: {هوَ الذي أنزلَ السَّكينةَ في قلوبِ المؤمنينَ ليزدادوا إيمانًا معَ إيمانهم} [سورة الفتح/4]، وقال أيضًا: {فأنزلَ اللهُ سكينتهُ على رسولهِ وعلى المؤمنينَ وألزمهم كلمةَ التقوى وكانوا أحقَّ بها وأهلَها} [سورة الفتح/26] فلم يرضَ لهم ما زعمتم لما جعل من الاستطاعة حتى جاءهم من أمره وعونه سوى ذلك، وقوله لرسوله: {ولولا أن ثبَّتناكَ لقد كِدتَّ تَرْكَنُ إليهم شيئًا قليلاً* إذًا لأذقناكَ ضِعْفَ الحياوِ وضِعفَ المماتِ ثمَّ لا تجِدُ لكَ علينا نصيرًا} [سورة الإسراء/74-75]، وقوله لأصحاب الكهف: {إنَّهُم فِتيةٌ ءامنوا بربهم وردناهُم هُدًى* وربطنا على قلوبهم إذْ قاموا فقالوا ربُّنا ربُّ السمواتِ والأرضِ لن ندعواْ من دونهِ إلهًا لقدْ قُلنا إذًا شططًا} [سورة الكهف/13-14] فلم يرض لهؤلاء ما جعل فيهم من الاستطاعة التي زعمتم أنها حجة على خلقه وأنه يحتجّ عليهم بها بما أخذوا أمره وركبوا معصيته حتى أتاهم من أمره ما بلغوا به ما شاء من رحمته وهداه. وكذلك هو يفعل ما يشاء سبحانه وبحمده. يضل من يشاء {لا يُسئَلُ عما يفعل} والخلق {يُسئلون} [سورة الأنبياء/23].

وإن قالوا "أخبرونا عن الأعمال أمخلوقة هي أن غير مخلوقة؟ فأنتم تزعمون أن الله خلقها" فإن قالوا "كيف نسبها الله إلى خلقه وجعلهم الذي عملوا؟" وتكلموا فقالوا: "ألا ترون أن الله عز وجل قد قال: {واللهُ حعلَ لكم من بيوتكم سَكَنًا وجعلَ لكم من جلودِ الأنعامِ بيوتًا} [سورة النحل/80]، وقال: {وجعلَ لكم سرابيلَ تقيكُمُ الحرَّ وسرابيلَ تقيكم بأسكم} [سورة النحل/81] وأنتم تعلمون أن الناس هم الذين غزلوا ونسجوا السرابيل وعملوا الدروع وبنوا البيوت واتخذوا المظال وقد منّ علينا به وأخبرنا أنه جعله وذلك أنه ألهمنا بمنّته أن غزلنا وهو علّمنا ذلك ونسجنا وعلّما ما عملنا وأخبرنا أنه قد جعله فكذلك خلق ما عملنا من طاعة أو معصية ونحن عملناهما جميعًا، وكذلك قال أيضًا: {ألمْ ترَ كيفَ ضربَ اللهُ مثلاً كلمةً طيبةً كشرجةٍ طيبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماءِ* تُؤتي أكُلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربها ويضربُ اللهُ الأمثالَ للناسِ لعلهم يتذكَّرون} [سورة إبراهيم/24-25]. ألا ترون أن الله سبحانه خلق الثمرة في الشجرة وأخرجها منها ثم نسب الخروج منها إليها وقال: {تُؤتي أُكُلها كلَّ حين بإذن ربها}، وكذلك أعمال العباد خلقها ثم نسبها إليهم وأخبر أنهم عملوها".

فإن قالوا: "أخبرونا عن العباد أمجبورون [8] على الأعمال من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية أم لا؟" فقل: "منهم من هو مجبور على ذلك ومنهم من هو غير مجبور. فأما الذين جبروا على الطاعة فمنهم أهل مكة افتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم قسرًا فأسلموا كرهًا ولو لم يسلموا قتلهم واستحلّ دماءهم وأموالهم فهذا وجه القسر والجبر. وأما الوجه الآخر فإن الله تبارك وتعالى قد قذف في قلوبهم الهدى وحبّب إليهم الإيمان وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان ثم قال: {أولئكَ همُ الراشدون} [سورة الحجرات/7]، وقد قال في كتابه: {ولهُ أسلمَ مَن في السمواتِ والأرضِ طَوعًا وكَرهًا} [سورة ءال عمران/83].

فإن قالوا: "فأخبرونا عن المشركين الذين لم يسلموا أجبروا على الشرك؟" فيقال لهم: "إنّ المشركين لم يريدوا الإسلام فيُجبروا على الشرك، ذلك أنهم لو أرادوا الإيمان فأكرهوا على الشرك، كما أراد المشركون الشرك ورضوا به وأراد الله أن يهديهم فجبرهم على الهدى وهم كارهون". فإن قالوا: "فإن لم يكونوا مجبورين ولا مكرهين فهل يستطيعون ترك الشرك وقبول الهدى؟" فقل: "لا، إلا أن يشاء الله" فإن قالوا: "فكيف لا يكونون مجبورين ولا يستطيعون أن يتركوا شركهم؟" فقل: "كذلك الله يفعل ما يشاء يهدي من يشاء ويُضل من يشاء، فلا مضلّ لمن هدى ولا هادي لمن يضل".

[تمت مسائل الحسن بن محمد كلها]


ملحق



أخبرونا عن الاستطاعة التي تزعمون أن الله جل ثناؤه جعلها في عباده حجةً عليهم وأنها مركبةٌ فيهم ليعملوا أو يتركوا هل جعلها في الملائكة المقربين أن لا؟ فإن قالوا: "نعم، قد جعلها فيهم وامتنّ بها عليهم"، فقولوا لهم: "فأنتم إذًا لا تدرون عن الملائكة هل بلّغت أن لا، وهل أدّت ما أُمِرت بأدائه أم قصّرت في شئ مما أمرت به، إذ تزعمون أنها قادرة على ما تهوى تاركةٌ لما تشاء".

وما يدريكم إن كان الملائكة مستطيعين ولما يشاؤون من الأعمال متخيّرين وعلى العمل والترك قادرين؟ لعلهم قد تركوا بعض ما به أمروا أو قصّروا في أداء بعض الوحي وفرّطوا في نصر النبي والمؤمنين وفي غير ذلك مما أمرهم به رب العالمين.

يُسأل من أثبتَ في الخلق الاستطاعة فيقال لهم: "هل يثيب الله خلقه على ما عملوا من الطاعة مما لم يجعل لهم السبيلَ إلى تركه، وهل يعاقبهم على ما عملوا به من معصيته؟".





الهوامش:



[1] قال تعالى حاكيًا عن إبليس: {لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيته} [سورة الإسراء/62] قال الفراء: لأستولين عليهم. انتهى من مختار الصحاح ص/67.
[2] غضبه ورضاهُ صفتان أزليتان أبديتان ليس كغضب ورضا المخلوقين ليس تأثّرًا وانفعالاً ليس إحساسًا أو شعورًا بل غضبه إرادة الانتقام ورضاهُ إرادةُ الإنعام.
[3] وكلتُ الأمرَ إليه وكلاً ووكولاً فوّضته إليه [المصباح، ص/257].
[4] تداول القوم الشئ تداولاً وهو حصوله في يد هذا تارةً وفي يد هذا أخرى، والاسم الدولة بفتح الدال وضمها [المصباح، ص/77].
[5] من أثر قذف الحجارة على رسول الله من قبل المشركين شجّ وجهه.
[6] والرباعيات أربعة أسنان تلي الثنايا وقد كسر واحد منها. والثنايا أربعة أسنان في مقدم الفم ثنتان من فوق وثنتان من تحت.
[7] المراد سورو فصلت.
[8] مراده هنا الإكراه على الفعل.
TohaKepriben

Previous Post Next Post