كتاب الأربعون في التصوف


الأرْبَعُون
في التَصَوُّف

للشَيخ محمّد بن الحسَين السُّلَمي

المتَوفى سَنة 412 هـ

تحقيق

أ.د كمال الحوت


بسم الله الرحمن الرحيم


كتب الأربعينات في الحديث وغيره


كتب الأربعين يراد بها المؤلفات التي يصنفها العلماء في موضوع ما يجمعون فيها أربعين حديثًا.

قال الحافظ النووي في مقدمة كتابه "الأربعون النووية": "فقد رَوَينا عن عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم من طرق كثيراتٍ برواياتٍ متنوعات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا[1] من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرةِ الفقهاء والعلماء"، وفي رواية: "بعثه الله فقيهًا عالمًا"، وفي رواية أبي الدرداء: "وكنتُ له يوم القيامة شافعًا وشهيدًا" وفي رواية ابن مسعود: "قيل له ادخل من أيّ أبواب الجنة شئتَ" وفي رواية ابن عمر: "كُتبَ في زمرة العلماء وحُشر في زمرة الشهداء" واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه.

وقد صنف العلماء رضي الله عنهم في هذا الباب ما لا يُحصى من المصنفات، فأوّل من علمتُه صنف فيه عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسي العالمُ الرباني[2]، ثم الحسن بن سفيان النسوي، وأبو بكر الآجري، وأبو بكر محمد بن إبراهيم الأصفهاني، والدارقطني، والحاكم، وأبو نُعيم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعد الماليني وأبو عثمان الصابوني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبو بكر البيهقي، وخلائق لا يُحصون من المتقدمين والمتأخرين.

وقد استخرتُ الله تعالى في جمع أربعين حديثًا اقتداءً بهؤلاء الأئمة الأعلام وحُفاظ الإسلام، وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بل على قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: "ليبلغَ الشاهدُ منكم الغائب" وقوله صلى الله عليه وسلم: "نضَّرَ [3] الله امرأً [4] سمِعَ مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها".

ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين وبعضهم في الفروع وبعضهم في الجهاد وبعضهم في الزهد وبعضهم في الآداب وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة رضي الله عن قاصديها" اهـ.

وقال حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" [5]: "وقد صنف العلماء في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات واختلفت مقاصدهم في تأليفها وجمعها وترتيبها فمنهم من اعتمد على ذكر أحاديث التوحيد وإثبات الصفات ومنهم من قصد ذكر أحاديث الأحكام ومنهم من اقتصر على ما يتعلق بالعبادات ومنهم من اختار حديث المواعظ والرقائق ومنهم من قصد إخراج ما صح سنده وسلم من الطعن ومنهم من قصد ما علا إسناده ومنهم من أحب تخريج ما طال متنه وظهر لسامعه حين يسمعه حسنه إلى غير ذلك وسمى كل واحد منهم كتابه بكتاب الأربعين" اهـ.





[1] "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا" معنى الحفظ هنا: أن ينقلها إلى المسلمين وإن لم يحفظها ولم يعرف معناها. هذا حقيقة معناه وبه يحصل انتفاع المسلمين لا بحفظ ما ينقله إليهم.

[2] نسبة إلى الرب زيد فيه الألف والنون على غير قياس كما تقول العرب لحياني لمن لحيته طويلة ومعنى العالم الرباني العالم العامل المعلم.

[3] أي حسّن الله وجهه.

[4] "نضر الله امرأ" روي بتشديد الضاد وتخفيفها والتشديد أكثر ومعناه: حسنه وجمّله.

[5] كشف الظنون [1/52].


بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد وسلم


أخبرني شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر رحمه الله عن أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد [1] قراءة قال أنبأنا أبو الفتحِ محمد بن عبد الرحيمِ بن النشوِ إجازةً أنا أبو محمد عبد الوهاب بن ظافرِ بن رواج أنا الحافظُ أبو ظاهر أحمد بن محمد بن أحمدَ السلفيِّ [2] أنا أبو الطيب طاهر بن المسدد الجنزيُّ [3] أنا أبو الحسن علي بن عبد الرحمن النيسابوريُّ أنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلميُّ [4] رحمه الله قال:

1- باب الدليلِ على أن الصوفيةَ هم رفقاءُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

أخبرنا محمدُ بن محمدِ بن سعيد الأنماطيُّ ثنا الحسن بن علي بن يحيى بن سلام ثنا محمد بن علي الترمذيُّ ثنا سعيد بن حاتم البلخيُّ ثنا سهل بن أسلم عن خلاد بن محمد عن أبي حمزة السكريِّ [5] عن يزيد النحويِّ عن عكرمة عن ابنِ عباس رضي الله عنهما قال: وقفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا على أصحابِ الصُّفّةِ [6] فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال: "أبشروا يا أصحاب الصّفّةِ من بقي من أمتي على النعتِ الذي أنتم عليه راضيًا بما فيهِ فإنه من رفقائي يومَ القيامةِ [7]".

[1] قال الحافظ ابن حجر في كتابه "إنباء الغمر" [3/408] عند ذكر وفيات سنة 800هـ ما نصه: "قرأت وسمعت عليه سنن ابن ماجه ومسند الشافعي وتاريخ أصبهان وغير ذلك من الكتب الكبار والأجزاء الصغار فأكثرتُ عنه، وكان صبورًا على التسميع ثابت الذهن ذاكرًا ينسخ بخطه وقد جاوز التسعين، صحيح السمع




- باب في صفةِ الفقراءِ

أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمدَ بن مَتُّويه [8] البلخيُّ أخبرنا مهديُّ بن جَسْنَسْفَنَّة [9] أخبرنا محمد بن إسماعيل الأحمسيُّ [10] أخبرنا عثمان بن عبد الرحمن الحرانيُّ ثنا الوازع بن نافع عن أبي سلمةَ عن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوضي ما بين عدن إلى عُمان [11] شرابهُ أبيضُ من اللبنِ وأحلى مِن العسلِ، مَن شربَ منه شربةً لا يظمأُ بعدها أبدًا، وأولُ من يردهُ صعاليكُ [12] المهاجرينَ"، قلنا: ومن هم يا رسول الله، قال: "الدنسُ [13] الثيابُ الشُّعثُ [14] الرؤوسِ الذين لا تفتحُ لهم أبواب السُّدَدِ [15] ولا يزوجونَ المنعماتِ الذينَ يُعْطُونَ ما عليهم ولا يُعطَونَ ما لهم، وليأتينَ أقوام فيقولونَ أنا فلان ابن فلان ولأقولن إنكم بدلتم بعدي" [16].

[8] قال الحافظ النووي في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات" [2/258] عند ترجمة أبي عبيد بن حربويه ما نصه: "وحربويه بحاء مهملة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم باء موحدّة ثم واو مفتوحتين ثم ياء ساكنة ثم هاء، ويقال بضم الباء مع إسكان الواو وفتح الياء، ويجري هذان الوجهان في كل نظائره كسيبويه وراهويه ونفطويه وعمرويه، فالأول مذهب النحويين وأهل الأدب والثاني مذهب المحدثين" اهـ.



[9] خ: حسنسفنة.

[10] قال الحافظ ابن حجر: "قال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، وقال أحمد: ليس بثقة، قال ابن عدي: عامة ما يرويه الوازع غير محفوظ، وقال ابن داود: ليس بثقة، وذكره الدولابي والعُقيلي والساجي وابن الجارود وابن السكن وجماعة في الضعفاء، وقال أبو حاتم: لا يعتمد على روايته لأنه متروك الحديث، وقال أيضًا: ضعيف الحديث جدًا ليس بشىء، وقال لابنه: اضرب على أحاديثه فإنها منكرة ولم يقرأها، وقال إبراهيم الحربي: غيره أوثق منه، وقال البغوي: ضعيف جدًا وقال الحاكم وغيره: روى أحاديث موضوعة" اهـ [لسان الميزان، 6/259-260]. وللحديث طرق أخرى عن ثوبان غير هذه فلذا صحح الحديث بعض الحفاظ كما سيأتي.

[11] قال المناوي: "عمان بضم العين وتخفيف الميم قرية باليمن لا بفتحها وشد الميم فإنها قرية بالشام وليست مراده، كذا ذكره جمع لكن وقفت على نسخة المصنف بخطه فرأيت ضبطه فيها بفتح العين وشد الميم وفتحها" [فيض القدير، 3/399]


- باب استعمال الخُلق ولو مع الكفار

أخبرنا زاهرُ بن أحمد الفقيهُ ثنا علي بن محمدِ بن الفرجِ الأهوازيِّ ثنا سليمان بن الربيعِ الخزاز [17] ثنا كادحُ بن رحمة [18] عن أبي أميةَ بن يعلى (قال الشيخ عن هذا ضعيف) عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوحى الله سبحانه وتعالى إلى إبراهيم عليه السلام إنكَ خليلي [19] حسّن خلُقكَ ولو مع الكفارِ تدخل مداخل الأبرارِ فإن كلمتي سبقت لمن حَسُنَ خُلُقهُ [أن] [20] أظلَّهُ تحتَ عرشي وأسكنهُ حظيرةَ قُدسي [21] وأدْنيهِ [22] مِن جواري [23]".

[17] قال الذهبي في "الميزان" [2/207]: "تركه أبو الحسن الدارقطني وقال: غيّر أسماء مشايخ، وروى البرقاني عن الدارقطني: ضعيف" اهـ، ونقله الحافظ ابن حجر في "اللسان" [3/108]، وانظر "تاريخ بغداد [9/54].



[18] قاله الذهبي في "الميزان" [3/399]: "قال الازدي وغيره: كذاب" اهـ، ونقله الحافظ ابن حجر في "اللسان" [4/567-568] وزاد عليه: "وقال –أي ابن عدي في "الكامل" [6/83]-: عامة أحاديثه غير محفوظة ولا يتابع في أسانيده ولا في متونه، وقال الحاكم وأبو نعيم: روى عن مسعر والثوري أحاديث موضوعة" اهـ، وقال الحافظ أيضًا في كتابه "تمهيد الفرش" [ص/79]: "وكادح واهٍ" اهـ.

[19] قال المفسر أبو حيان الأندلسي عند تفسير قوله تعالى: {واتخذَ اللهُ إبراهيمَ خليلاً} [سورة النساء/125] ما نصه: "هذا مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله" اهـ [البحر المحيط، 3/356].

[20] هذه الزيادة من تاريخ ابن عساكر والمعجم الأوسط والكامل وغيرها.

[21] أي جنّتي، [النهاية، 1/404].

[22] ليس هذا بدنّو مكان ولا قرب مسافة لأن الله عز وجل منزّه عن المكان والجهة والحركة ومنزّه عن الوصف بالمسافة فالله سبحانه موجود بلا مكان ولا يسكن العرش ولا السماء، وإنما هذا الدنوّ كناية عن قرب رحمتهِ على عبدهِ وإنعامهِ عليه.

[23] أخرجه من طريق أبي عبد الرحمن السلمي: ابن عساكر في تاريخه [6/225]. وعن أبي أمية: الطبراني في "المعجم الأوسط" [6/396-397]، وابن عدي في "الكامل" [6/440] وابن عساكر في تاريخه [6/224 و225]، والحافظ السيوطي في "تمهيد الفرش" [ص/78-79]. وعن أبي هريرة: ابن عساكر في تاريخه [6/224]، ورواه الديلمي في "الفردوس" [1/139-140]، والمنذري في "الترغيب" [3/406-407]، والبوصيري في "إتحاف الخيرة" [8/184] ونقل عن المنذري تضعيف إسناده. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [8/20]: "رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه مُؤمل بن عبد الرحمن الثقفي وهو ضعيف" اهـ، وضعفه المنذري في "الترغيب" حين قال: "وروي عن أبي هريرة" وهذا اصطلاحه في كتابه هذا فقد قال في مقدمته: "وإذا كان في الإسناد من قيل فيه كذاب أو وضّاع أو متهم أو مجمع على تركه أو ضعفه أو ذاهب الحديث أو هالك أو ساقط أو ليس بشىء أو ضعيف جدًا أو ضعيف فقط أو لم أر فيه توثيقًا بحيث لا يتطرق إليه احتمال التحسين صدّرته بلفظة "روي" وإهمال الكلام عليه في ءاخره" اهـ، رمز الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" له بالضعف [انظر "فيض القدير"، 3/71]، وقال الحافظ السيوطي أيضًا في "تمهيد الفرش" [ص/79] بعد أن ذكره من طريق مُؤمّل عن أبي أمية به ما نصه: "هذا حديث غريب، أخرجه ابن عدي في "الكامل" عن موسى بن الحسن الكوفي عن عمرو وقال: "تفرد به مؤمل عن أبي أمية" واسمه إسماعيل وهو ضعيف، وأخرجه الأصبهاني في "الترغيب" من طريق سليمان بن الربيع الخزاز عن كادح بن رحمة عن أبي أمية، وكادح واهٍ" اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" [2/144 كتاب الأذان: باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة] ما نصه: "وحديث تحسين الخلُق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف" اهـ.


- باب فيمن تخلى من جميع مالهِ ثقةً باللهِ عزَّ وجل:

أخبرنا أبو الحسن محمد [بن محمد بن الحسنِ] بن الحارث الكارزيُّ [24] أنا علي بن عبد العزيزِ ثنا أبو نُعيم الفضلُ بن دُكين ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيهِ قال: سمعتُ عمرَ يقول: أمرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن نتصدقَ فوافق ذلكَ مالاً كانَ عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقتهُ [يومًا] [25]، فجئتُ بنصفِ مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماذا أبقيتَ لأهلكَ؟" قلتُ: مثلهُ، وأتى أبو بكر بكل ما عندهُ فقال: "يا أبا بكر ماذا أبقيتَ لأهلك؟" قال: اللهَ ورسولَه، قلتُ: لا أسابقكَ إلى شىء أبدًا [26].

[24] هذه بالنسبة إلى كارز وهي قرية بنواحي نيسابور على نصف فرسخ منها [الأنساب، 5/13].



[25] هذه الزيادة من سنن أبي داود والترمذي والبزار.

[26] أخرجه من طريق أبي نعيم: أبو داود في سننه: كتاب الزكاة: بعد باب الرجل يخرج من ماله [1678]، والترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما وقال: "هذا حديث حسن صحيح" اهـ [3675]، والدارمي في سننه [1/391-392]، والحاكم في "المستدرك" [1/414] وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في "السنن الكبرى" [4/180-181]، والبزَّار في مسنده "البحر الزَّخار" [1/394]، وابن عساكر في تاريخه [30/64]، والحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" [3/10-11] عن طريق الدارمي به.


- باب في جوازِ الكراماتِ للأولياءِ

أخبرنا محمدُ بن محمدِ بن يعقوب الحافظُ ثنا أحمدُ بن عبد الوارثِ بن جريرٍ العسَّالُ بمصرَ حدثنا الحارث بن مِسكين أنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوبَ عن ابنِ عَـجْلانَ عن نافع عن ابن عمرَ أن عمرَ [27] رضي الله عنه بعث جيشًا [28] وأمَّرَ عليهم رجلاً يُدعى سَارِية [29]، فبينما عمرُ يخطبُ[30] يومًا فجعل يصيح: يا سارية الجبلَ يا سارية الجبلَ، فقدم رسولٌ من الجيشِ فقال: يا أمير المؤمنينَ لقينا عدونا فهزمونا فإذا صائح يصيح: يا ساريةُ الجبلَ فأسندنا ظهورَنا إلى الجبلِ فهزمهم اللهُ تعالى، فقلنا لعمر: كنتَ تصيح بذلكَ [31].

قال ابنُ عجلانَ: وحدثني إياس بن معاوية بن قرة [بذلك] [32].

أنا عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهينَ ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعثِ ثنا أيوبُ بن محمد الوزانُ ثنا خطابُ بن سلمة الموصليُّ ثنا عمر بن أبي الأزهرِ عن مالك بن أنس عن نافع عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه خطب يومًا بالمدينة فقال: يا سارية الجبل من استرعى الذئب فقد ظلمه، فقيل يذكر السارية والساريةُ بالعراق، فقال الناس لعلي رضي الله عنه: ما سمعتُ عمر يقول يا سارية وهو يخطب على المنبر فقال: ويحكم دعوا عمر فإنهُ ما دخل في شىء إلا خرج منه. فلم يلبث إلا يسيرًا حتى قدمَ ساريةُ فقال: سمعتُ [33] صوت عمر فصعدت الجبلَ [34].

[27] وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه رجل مُحدّث، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناسٌ مُحدَّثون فإن يكُ في أمتب أحدٌ فإنه عمر" رواه البخاري [كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3689] ومسلم [كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه 2398] وزاد مسلم في صحيحه: "قال ابن وهب: تفسير محدثون: مُلْهَمون" اهـ، وهذا التفسير قاله أكثر العلماء، نص على ذلك الحافظ في "فتح الباري" [7/50]، والمُلهَم هو الذي يُلقى في نفسه الشىءُ فيُخبِر به حدسًا وفِراسة، وهو نوع يَختصُّ به الله عز وجل من يشاء من عباده الذين اصطفى مثلُ عمر، كأنهم حُدثوا بشىء فقالوه. قاله ابن الأثير في "النهاية" [1/350]، ونقله ابن منظور في "لسان العرب" [2/134].



[28] أرسله إلى نهاوند بفارس، وتقع جنوبي همذان وبها كانت وقعة للمسلمين زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[29] هو سارية بن زُنَيم بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن محمية بن عبد بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، كان من أشد الناس حُضرًا أي عدوًا، ذكره بعضهم في عداد الصحابة وبعضهم في التابعين. قال الحافظ في "الإصابة": "تقدم في ترجمة أسيد بن أبي إياس بن زنيم ما يشعر بأن له صحبة، وقال ابن عساكر: "له صحبة"، وذكره ابن حبان في التابعين، وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمّرون إلا الصحابة"، وقال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة": "ذكره ابن سعد وأبو موسى ولم يذكروا له ما يدل على صحبته لكنه أدرك" اهـ. انظر: الإصابة [2/2]، أسد الغابة [2/2]، التجريد [1/203]، الوافي [15/75]، تاريخ مدينة دمشق [20/1891]، الإكمال [3/395: باب ذييم وزنيم، و4/246: باب سارية وشارية].

[30] كان يخطب بالمدينة وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[31] هذه الرواية ثابتة حسّن إسنادها عدد من الحفاظ، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" [2/3] بعد أن ذكر هذه الرواية عن ابن وهب ما نصه: "وهكذا ذكره حرملة في جمعه لحديث ابن وهب وهو إسناد حسن" اهـ، ووافقه على تحسينه تلميذه السخاوي في "المقاصد الحسنة" [ص/737]، وكذا وافقه الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" [7/260]، وقال الحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" [7/106، حوادث سنة 23هـ]: "وقال عبد الله بن وهب عن يحيى..." فذكر القصة ثم قال: "وهذا إسناد جيد حسن" اهـ. وقال العجلوني في "كشف الخفاء" [2/515]: "قال في اللآلئ: وقد أفرد الحافظ القطب الحلبي لطرقه جزءًا ووثق رجال هذا الطريق وقال: ذكره ابن عساكر وابن ماكولا [وغيرهما]، وسارية له صحبة" اهـ. وقال الحافظ الزبيدي في "الإتحاف" [7/260]: "وقد أفرد لطرقه القطب الحلبي الحافظ جزءًا" اهـ.

[32] هذه الزيادة من تاريخ ابن عساكر [20/24 و25].

[33] هذا دليل على صحة سماع الحيّ الغائب خطاب من يناديه من بعيد، وردٌ على مانعي التوسل بالحي الغائب لزعمهم أن الغائب لا يسمع وقد ظهر لك أيها القارئ ثبوت سماع سارية صوت سيدنا عمر بن الخطاب وبين نهاوند ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافة بعيدة جدًا.

[34] قال الحافظ في "الإصابة" [2/3] ما نصه: "أخرج القصة الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر وأخرجها سيف مطولة عن أبي عثمان وأبي عمرو بن العلاء عن رجل من بني مازن فذكرها مطولة، وأخرجها البيهقي في "الدلائل" واللالكائي في "شرح السنة" والدير عاقولي في "فوائده" وابن الأعرابي في "كرامات الأولياء" من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: وجّه عمر جيشًا ..." وذكر القصة ثم قال: "وروى ابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه..." اهـ.

قلنا: أسند الحافظ ابن عساكر في تاريخه [20/ 24-25-26-27] هذه الروايات عن الواقدي [وهو متروك] وسيف [ضعيف الحديث] والبيهقي والدير عاقولي، وأسندها عن مردويه ابن الأثير في "أسد الغابة" [2/154] وفي سندها فرات بن السائب قال فيه الدراقطني غيره متروك [لسان الميزان 4/503]، وأسندها عن سيف كذلك الطبري في تاريخه [2/553-554، حوادث سنة 23].


- باب استعمال مكارمِ الأخلاقِ والحثِ على الإنفاقِ كراهية الادخارِ والوقوفِ عندَ الشبهاتِ

أخبرنا إبراهيمُ بن أحمد بن محمد بن رجاء ثنا أبو الطيبِ الزرادُ الـمَنبِجي ثنا هلال بن العلاء [35] ثنا عمر بن حفص ثنا حوشب ومطر عن الحسن عن عمران بن حصين قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف عمامتي من ورائي ثم قال: "يا عمران إن الله يحب الإنفاقَ ويبغض الإقتار [36]، وكُلْ وأطعم ولا تصرّهُ صرًّا فيعسر عليكَ الطلبُ، واعلم أن اللهَ يحبُ البصر النافذ عند مجيء الشبهاتِ والعقلَ الكاملَ عند نزول الشهواتِ ويحب السماحةَ ولو على تمرات ويحبُ الشجاعةَ ولو على قتلِ حية" [37].

[35] عند ابن عساكر وأبي نعيم في كتابيه "الحلية" و"الأربعين" والبيهقي: "هلال بن العلاء ثنا أبي ثنا عمر بن حفص" وكذا في مسند الشهاب في إحدى روايته.



[36] يقال: قتر على عياله يقتُر قترًا وقتورًا أي ضيق عليهم في النفقة [لسان العرب 5/71].

[37] أخرجه عن هلال: القضاعي في مسنده [2/152 و153] وأبو نعيم في كتابيه "حلية الأولياء" [6/199] و"الأربعين" [ص/56]، وابن عساكر في تاريخه [52/138]، والبيهقي في "الزهد" [ص/346 رقم 954] كلهم عن هلال عن عمر بن حفص. قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" [10/105]: "قال العراقي: رواه أبو نعيم في "الحلية" من حديث عمران بن حصين وفيه حفص بن عمر العدني ضعّفه الجمهور" اهـ، قلت: ورواه كذلك البيهقي في "الزهد" وأبو مطيع في "أماليه" والحافظ أبو مسعود سليمان بن إبراهيم الأصبهاني في كتاب "الأربعين" بلفظ: عند مجيء الشبهات..." اهـ قال الحافظ أحمد الغماري في "فتح الوهاب" [2/216]: "والعلاء وشيخه عمر بن حفص متروكان" اهـ.


- باب في صفة المؤمنين وصفةِ العلماءِ

أخبرنا أحمد بن محمد القَحطبيُّ التاجرُ ثنا محمد بن أحمد بن ثوبان ثنا محمد بن إسماعيل الصائغُ ثنا أبو الصلتِ الهرويُّ [38] ثنا يوسف بن عطية [39] عن قتادة عن الحسنِ عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ليس الإيمانُ بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلبِ وصدقهُ العملُ والعلمُ علمان: علم باللسان وعلم بالقلبِ، فعلم القلب نافعُ وعلمُ اللسانِ حجةُ اللهِ على ابنِ ءادمَ" [40].

[38] هو عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، قال ابن معين: ثقة صدوق إلا أنه يتشيع، وقال مرة: لم يكن عندنا من أهل الكذب، وقال زكريا الساجي: يحدث بمناكير هو عندهم ضعيف قال النسائي: ليس بثقة وقال أبو حاتم: سألت أبي عنه فقال: لم يكن بصدوق وهو ضعيف ولم يحدثني عنه وضرب أبو زرعة على حديث، وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير في فضل أهل البيت وهو منهم فيها، وقال العقيلي: كذاب [انظر "تهذيب التهذيب" 6/286]. ولخّص الحافظ ابن حجر ما قيل فيه في "التقريب" [ص/416]: "صدوق له مناكير وكان يتشيع وأفرط العقيلي فقال: كذاب" اهـ.



[39] هو أبو سهل يوسف بن عطية بن ثابت الصفار البصري، لخص الحافظ ابن حجر ما قيل فيه في "التقريب" [ص/707] بقوله: "متروك".

[40] أخرجه بكامله عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح: أبو نُعيم في كتابه "الأربعون" [ص/85] لكن بإسقاط الحسن بين قتادة وأنس، وابن النجار في ذيله على تاريخ بغداد [17/48-49]، ترجمة عبيد الله بن خلف العكبري بإثبات الحسن بين قتادة وأنس، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" [1/83، باب العلم علمان] بإثبات الحسن أيضًا. وأخرج الشطر الأول منه أي إلى قوله "وصدقه العمل" عن أبي هريرة رضي الله عنه: ابن عدي في "الكامل" [6/288-289، ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن مجبر] من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ثم قال أي ابن عدي: "وهذه الأحاديث عن مالك بأسانيدها بواطيل وله –أي ابن مجبر- من البواطيل غير ما ذكرت" اهـ. ورواه السيوطي في "الجامع الصغير" [انظر "فيض القدير"، 5/355-356] وعزاه لابن النجار ولمسند الفردوس عن أنس. وأخرج الشطر الثاني أي من قوله "والعلم علمان" إلى ءاخره عن الحسن عن جابر مرفوعًا: الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" [4/346]، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" [1/82] من طريق الخطيب البغدادي. وعن هشام عن الحسن مرسلاً: ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" [1/233-234، باب ذم الفاجر من العلماء] ثم قال: "ورواه يوسف بن عطية عن قتادة عن الحسن عن أنس مرفوعًا" اهـ. ورواه عن عائشة رضي الله عنها: أبو شجاع الديلمي في "الفردوس" [3/68]. ورواه السيوطي في "الجامع الصغير" [انظر "فيض القدير"، 4/390-391] وعزاه لابن أبي شيبة والحكيم الترمذي عن الحسن مرسلاً وللخطيب البغدادي عن الحسن عن جابر. ورواه المنذري في "الترغيب والترهيب" [1/103]. قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "إتحاف السادة" [1/349]: "رواه الديلمي في "مسند الفردوس" من طريق أبي نعيم من رواية قتادة عن أنس رفعه: "العلم علمان... وفي إسناده أبو الصلت الهروي اسمه عبد السلام بن صالح اتهمه الدارقطني بالوضع، وبنحو هذا أخرجه الخطيب في تاريخه بإسناد جيد من رواية الحسن عن جابر رفعه، وأعله ابن الجوزي برواية يحيى بن اليمان، قال أحمد: ليس بحجة، ولكن قال العراقي في تخريجه: احتج به مسلم، وقال يحيى بن معين: ثقة وقال ابن المديني: صدوق. قال العراقي وقد جاء من حديث الحسن مرسلاً دون ذكر جابر بإسناد صحيح رواه الحكيم الترمذي في "النوادر" وابن عبد البر في "العلم" من رواية هشام عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وكذلك ابن أبي شيبة في "المصنف" قال: وفي الباب عن علي وعائشة رضي الله عنهما" اهـ، وقال المنذري عقب رواية جابر: "رواه الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه بإسناد حسن، ورواه ابن عبد البر النمري في كتاب العلم عن الحسن مرسلاً بإسناد صحيح" اهـ، وقال عقب رواية أنس: "رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس والأصبهاني في كتابه، ورواه البيهقي عن الفضيل بن عياض من قوله غير مرفوع" اهـ وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح، وفي الطريق الأول –أي عن جابر- يحيى بن يمان قال أحمد ليس بحجة في الحديث، وقال أبو داود: يخطئ في الأحاديث ويقلبها، وفي الطريق الثاني –أي عن أنس- أبو الصلت وهو كذاب بإجماعهم" اهـ، وقد علمت قول الحافظ في أبي الصلت، وقال في يحيى بن يمان في "التقريب" [ص/694]: "صدوق عابد يخطئ كثيرًا وقد تغيّر" اهـ ورمز الحافظ السيوطي في "الجامع" لحديث جابر بالحسن، وقال المناوي في "فيض القدير" [4/391]: "وسنده –أي حديث جابر- جيد، وإعلال ابن الجوزي له وهم، وقال السمهودي: إسناده حسن" اهـ. وقال فيه أيضًا [5/355-356] عند شرح رواية أنس أي الشطر الأول: "قال العلائي: حديث منكر تفرد به عبد السلام بن صالح العابد قال النسائي متروك، وابن عدي مجمع على ضعفه، وقد روي معناه بسند جيد عن الحسن من قوله وهو الصحيح، إلى هنا كلامه" اهـ، وانظر: المداوي [5/232].


- باب في الاكتفاء مِن الدنيا بأقلِ القليلِ وكراهيةِ مخالطةِ الأغنياءِ

أخبرنا إبراهيمُ بنُ أحمدَ بن محمدٍ البزاريُّ حدثنا الحسن بن سفيان ثنا مخلدُ بن محمد ثنا سعيدُ بنُ محمد الوراقُ عن صالح بن حسانَ الأنصاريِّ عن عروةَ عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ أردتِ اللحوقَ بي [41] فليكفِكِ مِنَ الدنيا بقدرِ زادِ الراكبِ وإياكِ ومخالطةَ الأغنياءِ" [42].

[41] أي ملازمي في الجنة، [فيض القدير، 3/27].



[42] أخرجه عن سعيد: الترمذي في سننه: كتاب اللباس: باب ما جاء في ترقيع الثوب [1780] وقال: "وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسان. قال: وسمعت محمدًا –يعني البخاري- يقول: صالح بن حسان منكر الحديث، وصالح بن أبي حسان الذي روى عنه ابن أبي ذئب ثقة" اهـ، والحاكم في "المستدرك" [4/312] صححه وتعقبه الذهبي بقوله: "الوراق عدم" اهـ [وانظر "فيض القدير"، 3/27]، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" [8/61]، والبغوي في "شرح السنة" [12/44-45]، والبيهقي في "شعب الإيمان" [5/157] وقال: "تفرد به صالح بن حسان وليس بالقوي، ورواه الحسن بن حماد عن إبراهيم بن عيينة عن صالح بن حسان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. ورواه أبو يحيى الحمّاني عن صالح بن عروة وقيل عنه عن صالح عن هشام بن عروة، قال ابن عدي: ومن قال عن صالح عن عروة أصح" اهـ. قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" [6/290]: "قال العراقي: رواه الترمذي وضعفه والحاكم وصحح إسناده من حديث عائشة، قلت: وتعقب تصحيح الحاكم، ورواه ابن سعد في "الطبقات" أيضًا" اهـ. ورمز الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" له بالصحة [انظر "فيض القدير" 3/27-28]، وقال المناوي في "الفيض": "وقال ابن حجر: "تساهل الحاكم في تصحيحه فإنَّ صالحًا ضعيف عندهم" انتهى، وكما لم يصب الحاكم في الحكم بتصحيحه لم يصب ابن الجوزي في الحكم بوضعه وإن صالحًا ضعيف متروك لكن لم يتهم بالكذب" اهـ، وانظر: إتحاف السادة المتقين [9/282].


- بابٌ في القناعةِ

أخبرنا أبو العباسِ محمدُ بنُ يعقوبَ الأصمُّ ثنا الربيعُ بنُ سليمانَ ثنا أسدُ بنُ موسى ثنا أبو بكرٍ الداهريُّ [43] ثنا ثورٌ بنُ يزيدَ عن خالد بن مهاجر عن ابنِ عمرَ [44] رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابنَ ءادمَ عندكَ ما يكفيكَ [45] وأنتَ تطلبُ ما يُطغيكَ [46]، ابنَ ءادمَ لا بقليلٍ تقنعُ ولا مِن كثيرٍ تشبعُ، ابن ءادمَ إذا أصبحتَ معافًى في جسمكَ ءامنًا في سِربِكَ [47] عندكَ قوتُ يومِكَ فعلى الدنيا العفاء[48]"[49].

[43] هو عبد الله بن حكيم أبو بكر الداهري البصري، قال أحمد وابن المديني وغيرهما: ليس بشىء. وقال أبو معين والنسائي: ليس بثقة، وقال العقيلي: لا يقيم الحديث ويحدث بواطيل عن الثقات وقال أبو نعيم الأصبهاني: روى عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش الموضوعات، وقال يعقوب بن شيبة: متروك يتكلمون فيه، وقال البيهقي: ضعيف، [انظر "لسان الميزان" 3/345-346].



[44] في "الكامل" و"الشعب" و"تاريخ بغداد": عن ابن عمر، وفي "الأربعين" و"الأوسط" و"مسند الشاميين" و"الحلية": عن عمر بن الخطاب.

[45] أي يسد حاجتك، [فيض القدير، 1/86].

[46] أي يحملك على الظلم ومجاوزة الحدود الشرعية [فيض القدير، 1/86].

[47] أي في نفسك، [النهاية، 2/356].

[48] أي الدروس وذهاب الأثر، [النهاية، 3/266].

[49] أخرجه من طريق المصنف محمد بن الحسين السلمي: القضاعي في مسنده [1/361-362]. وعن أبي العباس الأصم: البيهقي في "شعب الإيمان" [7/294]. وعن الربيع بن سليمان: ابن عدي في "الكامل" [4/140-141] وقال: "والذي رويت للداهري من هذه الأحاديث التي ذكرتها فكلها لا يتابع أحد الداهري عليه، وله غير ما ذكرت من الحديث كذلك أيضًا، منكر الحديث" اهـ، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" [12/72]. وعن أسد بن موسى: الطبراني في كتابيه "المعجم الأوسط" [9/36] و"مسند الشاميين" [1/260] وأبو نعيم في كتابه "الحلية" [6/98] و"الأربعون" [ص/77] من طريق الطبراني. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [10/289]: "رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه أبو بكر الداهري وهو ضعيف" اهـ. ورمز الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" له بالصحة وتعقبه المناوي في شرحه على "الجامع" بقوله: "قال –أي ابن عدي-: أبو بكر الداهري أحد رجاله كذاب متروك وقال الذهبي: متهم بالوضع، وهكذا هو في مسند البيهقي وذكر نحوه الحافظ ابن حجر، فكان ينبغي حذفه" اهـ [فيض القدير 1/87] وانظر المداوي [1/132-133].


- بابٌ في طلَبِ المدَّعينَ بصحَّةِ دعواهُمْ

أخبرنا عليُّ بنُ الفضلِ بن محمد بن عقيل ثنا محمدُ بن عبد الله بن سليمانَ الحضرميُّ ثنا محمد بن العلاءِ ثنا زيدٌ ثنا ابنُ لهيعةَ ثنا خالد بنُ يزيد السَّكْسَكِيُّ عن سعيدِ بن أبي هلالٍ عن محمدِ بنِ أبي الجهمِ عن الحارثِ بنِ مالكٍ رضيَ الله عنهُ أنَّهُ مرَّ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ لهُ: "كيفَ أصبحْتَ يا حارثةُ؟" قالَ: أصبحتُ مؤمنًا [50] حقًا فقالَ: "انظرْ ما تقولُ إنَّ لكلِّ حقٍ حقيقةً فما حقيقةُ إيمانِكَ؟" قالَ : قد عزفْتُ [51] نفسِي عنِ الدنيا فكأني أنظرُ إلى عرشِ ربي بارزًا وكأنّي أنظرُ إلى أهلِ الجنةِ يتزاوَرُونَ وكأنّي أنظرُ إلى أهلِ النارِ يتضاغَون[52]، فقالَ: "يا حارثةُ عرفْتَ فالزمْ" قالَهَا ثلاثًا"[53].

[50] قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" [2/280]: "هذا الحديث يذكره الصوفية كثيرًا وهو مشهور عندهم وإن كان في سنده ضعف من جهة يوسف بن عطية وهو شاهد لأمرين، أحدهما جواز إطلاق "أنا مؤمن" من غير استثناء" اهـ.



[51] قال ابن الأثير في "النهاية" [3/230]: "وفي حديث حارثة: "عَزَفَتْ نفسي عن الدنيا" أي عافتها وكرهتها، ويُروى: "عَزَفْتُ نفسي عن الدنيا" بضم التاء أي منعتها وصرفتها" اهـ.

[52] أي يصيحون ويبكون، [النهاية، 3/92].

[53] قال الحافظ العراقي: "رواه البزار من حديث أنس والطبراني من حديث الحارث بن مالك


- بابُ المجاهدةِ

في استواءِ السرِّ معَ الظاهِرِ

أخبرَنَا أبُو عمرٍو محمدُ بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الرازي ثنا عليُّ بنُ سعيدٍ العسكريُّ ثنا عبَّادُ ابنُ الوليدِ ثنا أبو شَيْبانَ كَثِيرُ بنُ شَيبانَ ثنا الربيعُ ابنُ بدرٍ [54] عن راشدِ [أبي] [55] محمدٍ قالَ: قالَ ابنُ عُمَرَ رضيَ الله عنهُمَا: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أشدُّ الناسِ عذابًا يومَ القيامةِ مَنْ يَرى النَّاسُ [56] فيهِ خيرًا ولا خيرَ فيهِ"[57]. (قال الشيخ عنه ضعيف)

[54] لخَّص الحافظ ابن حجر ما قيل فيه بقوله في كتابه "التقريب" [ص/247]: "متروك من الثامنة" اهـ.



[55] في النسخ الخطية: "راشد بن محمد"، وما أثبتناه هو الصواب راجع ترجمته في تهذيب الكمال [9/16]، تهذيب التهذيب [3/197]، التاريخ الكبير [3/294]، الجرح والتعديل [3/484]، الثقات [4/234]، وذكره الـمِزِّي في "تهذيبه" [9/63، ترجمة الربيع بن بدر] من الرواة الذين روى عنهم الربيع بن بدر، وكذا في "المداوي" [1/461]: "راشد أبو محمد".

[56] قال المناوي في "فيض القدير" [1/517]: "[يُرِي] بضم فكسر ويجوز فتح أوله أي وثانيه [الناس] مفعول على الأول وفاعل على الثاني" اهـ.

[57] عزاه الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" [1/159] للمصنّف أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السّلمي في "الأربعون" ورمز له بالضعف، وضعفه الحافظ أحمد الغماري في "المداوي" [1/461]. ورواه أبو شجاع الديلمي في "الفردوس" [1/361].


بابُ المواظبةِ على الذِّكرِ والشكرِ والصبرِ

أخبرَنا أبو عمرٍو محمدُ بنُ جعفرِ بن مطرٍ ثنا ءادم بنُ موسى الولاهِنجي ثنا محمودُ بنُ غَيلان ثنا المُؤمَّلُ ثنا حمَّادُ بنُ سلمةَ [ثنا حُمَيْد الطَّويل][58] عن طَلْقِ بنِ حبيبٍ عن ابن عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ مَنْ أُعطيهنَّ فقدْ أُعطِيَ خيرَ الدنيا والآخرة، قلبًا شاكـرًا، ولسانًا ذاكـرًا، ونفْسًا على البلاء صابرًا، [وثقةً بِمَا تَكَفَّلَ الله][59]"[60].


- بابٌ في سبيلِ المنقطعينَ إلى اللهِ تعالى

أخبرنا أبو الحسن محمدُ بنُ أبي الحسنِ بن منصور ثنا إسحاقُ بن أبي حسانَ الأنماطيُّ ثنا محمد بنُ علي بن الحسن بن شقيق ثنا إبراهيم بن الأشعث ثنا فُضيل بن عياض عن هشام عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ انقطعَ إلى اللهِ كفاهُ الله كل مؤنةٍ منْ حيثُ لا يحتسب، ومنِ انقطعَ إلى الدنيا وَكَلَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ إليهَا" [61].

[58] ما بين عاقفتين سقط من النسختين الخطيَّتين واستدركناه من الطبراني في الكبير والأوسط والشعب والشكر والحلية.



[59] سقطت من "أ"، وفي المصادر التي وقفنا عليها: "وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا ماله" بدل: "وثقة بما تكفل الله".

[60] أخرجه من طريق محمود بن غيلان الطبرانيُّ في كتابيه "المعجم الكبير" (11/109) و"المعجم الأوسط" (7/223 ـ 224) ووقع عنده: "موسى بن إسماعيل" بدل: "مؤمل بن إسماعيل"، وابن أبي الدنيا في "الشكر" (ص/81)، والبيهقي في "الشعب" (4/104) من طريق ابن أبي الدنيا، وأبو نُعَيْم في "الحلية" (3/65). قال الحافظ المنذري "في الترغيب" (3/41) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناد أحدهما جيد) اهـ، وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/273) : "رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط رجال الصحيح" اهـ، ورمز الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" (1/465) بالحسن، وقال الحافظ أحمد الغماري في "المداوي" (1/413) بعد عزوه لأبي نعيم: "وإسناده جبد" اهـ، وقال أخوه المحدّث الشيخ عبد الله الغماري في "الأربعون الغمارية" (ص/19) بعد أن ذكر رواية ابن أبي الدنيا: "رجال إسناده ثقات غير مؤمل بن إسماعيل فقد اختلف فيه فوثقه ابن معين وقال البخاري: منكر الحديث، لكن صنيع الذهبي في "الميزان" يقتضي أن العمل على توثيقه لأنه لما ترجمه ذكر قبالة اسمه لفظة: صح، وهذه اللفظة في اصطلاحه تدل على ذلك" اهـ، قلنا ولا توجد هذه اللفظة في النسخة التي بين أيدينا من طبعة دار المعرفة. قلت: وله شاهد من حديث أنس ابن مالك أخرجه أبو نُعَيْم في "تاريخ أصبهان" (2/137 ترجمة كوفي بن زاذان). ومن حديث حذيفة أبو نُعَيْم في "تاريخ أصبهان" (2/236).

[61] أخرجه من طريق محمد بن علي الطبرانيُّ في معجميه "الصغير" [1/136] و"الأوسط" [4/45]، والبيهقي في "الشعب" [2/28-29 و120]. ومن طريق إبراهيم البيهقيُّ في "الشعب" [2/120]، وابن أبي حاتم في تفسيره [10/3360]، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [10/303-304]: "رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه إبراهيم بن الأشعث صاحب الفضيل وهو ضعيف وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" [8/66] وقال: "يغرب ويخطئ ويخالف" وبقية رجاله ثقات" اهـ ، وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" [2/538]: "رواه أبو الشيخ في كتاب "الثواب" والبيهقي من رواية الحسن عن عمران وفي إسناده إبراهيم بن الأشعث خادم الفضل وفيه كلام قريب" اهـ، وقال أيضًا [3/444]: "رواه الطبراني وأبو الشيخ ابن حيان في "الثواب" وإسناد الطبراني مقارب" اهـ، وقال أيضًا [4/122]: "رواه أبو الشيخ ابن حيان والبيهقي من رواية الحسن عن عمران واختلف في سماعه منه" اهـ، وقال [4/179]: "رواه أبو الشيخ في كتاب "الثواب" من رواية الحسن عن عمران وفي إسناده إبراهيم بن الأشعث ثقة وفيه كلام قريب" اهـ، وقال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "الإتحاف" [9/388]: "قال العراقي (المغني عن حمل الأسفار 2/1123) : رواه الطبراني في "الصغير" وابن أبي الدنيا (الفرج بعد الشدة رقم/26) ومن طريقه البيهقي في "الشعب" من رواية الحسن عن عمران بن الحصين ولم يسمع منه وفيه إبراهيم بن الأشعث تكلم فيه أبو حاتم" اهـ، قلتُ: ورواه كذلك الحكيم في "النوادر" (ص/395) وابن أبي حاتم (التفسير (10/3360) الآية ﴿      ﴾ [سورة الطلاق]) والخطيب (تاريخ بغداد 7/196)، وإبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل" انتهى كلام الزبيدي.


- بابٌ في تركِهِمُ الدنيا وإعراضهم عنْهَا

أخبرنا علي بنُ عبد الحميدِ الغضائِرِيُّ ثنا عبدُ اللهِ بن معاويةَ الجُمَحيُّ ثنا ثابت بن يزيدَ عن هلال بن خبَّابٍ عن عِكْرمةَ عن ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضيَ الله عنهُ دخلَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهُوَ على حصيرٍ قدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ فقالَ: يا رسولَ اللهِ لو اتخذتَ فراشًا ألينَ مِن هذا؟ فقال: "ما لي وللدنيا أو ما للدنيا وما لي إنما مثلي ومثلُ الدنيا كراكبٍ سارَ في يوم صائفٍ [62] حتى أتى شجرة فاستظلَّ في ظلها ساعة ثم راحَ وتركها" [63].

[62] أي يوم حار، [مختار الصحاح، ص/157].



[63] أخرجه عن علي بن عبد الحميد: ابن عساكر في تاريخه [54/100] وعن عبد الله بن معاوية: البيهقي في "الشعب" [2/126-127]. وعن ثابت: أحمد في مسنده [1/301]، والحاكم في "المستدرك" [4/309-310] وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في "المعجم الكبير" [11/259]. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [10/326]: "ورجال أحمد رجال الصحيح غير هلال بن خباب وهو ثقة" اهـ، وفي الباب عن ابن مسعود وعمر.


- بابٌ في حب الفقراءِ والفقرِ وسؤالِ رسول الله صلى الله عليه وسلمَ إياهُ

أخبرنا الحسينُ بن علي التميميُّ ثنا أبو قريش محمد بن جمعةَ ثنا أبو سعيد الأشجُّ ثنا أبو خالد الأحمرُ عن يزيدَ بنِ سنان عن [أبي] [64] المباركِ عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: أحبُّ المساكينَ فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ يقولُ: "اللهم أحيِني مسكينًا وأمِتني مسكينًا واحشرني في زمرةِ المساكين [65]" [66].





[64] في النسخة المطبوعة التي وقفنا عليها: "ابن" والصواب "أبو" كما في ترجمته.

[65] أي المتواضعين كما في "السنن الكبرى" [7/12] وغيره.

[66] أخرجه عن أبي سعيد الأشج: ابن ماجه في سننه: كتاب الزهد: باب مجالسة الفقراء [4126]، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" [4/111]، وابن الجوزي في "الموضوعات" [3/141]. وعن عطاء: الحاكم في "المستدرك" [4/322] وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في سننه [7/13] بنحوه وفيه "اللهم احشرني في زمرة المساكين"، والطبراني في "الدعاء" [3/1466-1467]. قال الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة" [2/324]: "هذا إسناد –أي إسناد ابن ماجه- ضعيف، أبو المبارك لا يعرف اسمه وهو مجهول ويزيد بن سنان التميمي أبو فروة ضعيف" اهـ، وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" [3/109]: "أسرف ابن الجوزي فذكر هذا الحديث في الموضوعات وكأنه أقدم عليه لما رءاه مباينًا للحال التي مات عليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مكفيًا، وقال البيهقي: "ووجهه عندي أنه لم يسأل حال المسكنة التي يرجع معناها إلى القلة وإنما سأل المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع" اهـ، ورمز الحافظ السيوطي في "الجامع" [2/152] له بالضعف، وانظر: إتحاف السادة المتقين [6/289-290]، واللآلئ [2/324]. وفي الباب عن أنس وعبادة بن الصامت.


- بابٌ في تَرْكِهِم ما لا يَعنيهِمْ مِنَ الأمورِ

أخبرنا أبو الحسين بنُ العطارِ الحافظُ ببغداد ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا زيادُ بن بارويه [67] القصريُّ ثنا يحيى بن المتوكل البصريِّ ثنا يحيى بن أبي أنيسةَ عن الزهريِّ عن علي بن الحسينِ [عن الحارثِ بن هشام] عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسنِ إسلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيه"[68].

[67] في تاريخ ابن عساكر: "زيد بن بادويْه".



[68] عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" [6/12] للحاكم في تاريخه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورمز له بالصحة بعد أن ذكر من خرّجه من حديث أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما. والحديث أخرجه ابن عساكر في تاريخه [64/47] عن محمد بن محمد بن سليمان لكن وقع سنده عنده: "عن الحارث بن هشام قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحسنه الحافظ النووي في "الأربعين".


- بابٌ في كتمانهم المصائب

أخبرنا أبو علي حامد بن محمد الرفاءُ ثنا محمد بن صالح ثنا عبد الله بن عبد العزيزِ حدثني أبي[69] عن نافع عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِن كنوزِ البرِّ كتمانَ المصائبِ"[70].

[69] هو عبد العزيز بن أبي روّاد قال الحافظ في "التقريب" [ص/418]: "صدوق عابد ربما وهم" اهـ.



[70] أخرجه عن أبي علي حامد بن محمد: البيهقي في "شعب الإيمان" [7/214] لكن عنده "الأمراض" بدل "المصائب". وعن عبد العزيز: القضاعي في مسنده [1/198]، وأبو نعيم في "الحلية" [8/197] وقال "غريب من حديث نافع وعبد العزيز تفرد به عنه زافر" اهـ، وابن عدي في "الكامل" [3/234، ترجمة زاخر بن سليمان]، والبيهقي في "شعب الإيمان" [7/214]، كلهم عن زاخر عن عبد العزيز به، ونقل البيهقي عن شيخه أبي عبد الله الحاكم قوله: "تفرد به زاخر بن سليمان" اهـ ثم تعقبه بقوله: "قد رُوي عن عبد الله بن عبد العزيز عن أبيه" اهـ، ثم ساقه بإسناده إليه. وأخرجه ابن عدي أيضًا [6/296، ترجمة عبد الوهاب بن عطاء الخفاف] عن شيخه الحسن بن الطيب عن منصور بن أبي مزاحم عن عبد الوهاب الخفاف عن عبد العزيز به، ثم قال: "ولزافر غير ما ذكرت، وكأن أحاديثه مقلوبة الإسناد مقلوبة المتن وعامة ما يرويه لا يتابع عليه ويكتب حديثه مع ضعفه" اهـ، والبيهقي أيضًا [7/215] من طريق ابن عدي، وأبو نعيم في "الأربعون" [ص/95] عن الحسن بن حمزة عن منصور بمثل إسناد ابن عدي، وأبو زكريا البخاري في فوائده عن بقية بن الوليد عن عبد العزيز به كما في "اللآلئ" [2/396] للسيوطي، وعن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب [مرسلاً]: البيهقي في "الشعب" [7/215] قال: "بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كنوز البرّ: كتمان الصدقة وكتمان المصيبة وكتمان المرض". وللحديث طرق أخرى بمعناه عن: أنس وابن مسعود وعلي وابن عباس ينظر في أسانيدها، انظر: اللآلئ [2/395]، تاريخ أصبهان [2/3] وغيرهما.


- بابٌ في أحوالِ الاستقامةِ

أخبرنا محمدُ بن عبدِ اللهِ بن إبراهيمَ بن عبدةَ ثنا إبراهيمُ بن علي ثنا يحيى بن يحيى أنا عبد الرحمن بن أبي الزنادِ عن أبيهِ عن عروةَ رضي الله عنه قال قال سفيانُ بن عبدِ اللهِ الثقفيُّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: قُلْ لي في الإسلامِ قولاً لا أسألُ أحدًا بعدك قال: "قلْ ءامنتُ باللهِ ثم استقِمْ [71]" [72].

[71] أي الزم عمل الطاعات والانتهاء عن المحرمات.



[72] أخرجه عن عروة: مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب جامع أوصاف الإسلام [38]، وأحمد في مسنده [3/413]، وابن حبان في صحيحه [انظر "الإحسان"، 2/413]، وعن سفيان: النسائي في "السنن الكبرى": كتاب التفسير: سورة الأحقاف [11489]، وأحمد في مسنده [4/384-385]، والطبراني في "المعجم الكبير" [7/69]، وأبو داود الطيالسي [ص/170]، وعبد الرزاق في مصنفه [11/128]، والخطيب البغدادي في تاريخه [2/370 و9/454]، وابن أبي الدنيا في "الصمت" [ص/25-26]، والترمذي في سننه: كتاب الزهد: باب ما جاء في حفظ اللسان [2410] وقال: "هذا حديث حسن صحيح" اهـ، وابن ماجه في سننه: كتاب الفتن: باب كفّ اللسان في الفتنة [3972]، والدارمي في سننه [ص/298]، والحاكم في "المستدرك" [4/313] وصححه ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه [انظر "الإحسان" 7/482 و483]، والخطيب البغدادي في تاريخه [9/334 و11/78]، كلهم بلفظ "ءامنتُ" ما عدا السبعة الأول بلفظ "ربي الله" وكذا في رواية عند أحمد [3/413] والطبراني [7/69].


- بابٌ في لبسِ البذلةِ[73] مِنَ الثيابِ

أخبرنا محمدُ بن أحمد بن حمدانَ وأبو بكر محمدُ بن عبدِ اللهِ بن قريش وجماعةٌ قالوا أنا الحسنُ بن سفيان ثنا إبراهيمُ ابن أبي الحوارنيُّ[74] ثنا أبو الفقير عبد العزيزِ بن عُمير من أهل خراسانَ نزيلُ دمشقَ ثنا زيد بن أبي الزرقاءِ ثنا جعفر بن برقانَ عن ميمونِ بن مهرانَ عن يزيد بن الأصمِ عن عمرَ [75] رضي الله عنه قال نظرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ إلى مصعب بن عمير [76] مقبلاً عليهِ إهابُ [77] كَبْشٍ [78] قد تنطَّقَ [79] بهِ فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى هذا الذي نوّر اللهُ قلبه، رأيتُهُ بينَ أبوينِ يغذُوانهِ بأطيبِ الطعامِ والشرابِ ولقدْ رأيتُ عليهِ حلّةً[80] اشتراها أوْ شُريَت بمائتي درهمٍ فدعاهُ حبُّ اللهِ وحبُّ رسولهِ إلى ما تَرَون"[81].





[73] البذلة من الثياب: ما يُلبس ويمتهن ولا يصان [لسان العرب 11/50].

[74] عند ابن عساكر والبيهقي وأبي نعيم "إبراهيم بن الحوراني" وهو راو ءاخر غير ابن أبي الحواري.

[75] قال ابن عساكر بعد أن ساق إسناده من طريق زاهر بن طاهر وإسماعيل بن أبي صالح وهما من شيوخه: "وفي حديث إسماعيل: عن ابن عمر وهو الصواب" اهـ.

[76] قال في "الإصابة" [3/421]: "مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي أحد السابقين إلى الإسلام يكنى أبو عبد الله، قال أبو عمر –أي ابن عبد البر-: أسلم قديمًا والنبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم وكتم إسلامه خوفًا من أمه وقومه فعلمه عثمان بن طلحة فأعلم أهله فأوثقوه فلم يزل محبوسًا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة ثم رجع إلى مكة فهاجر إلى المدينة وشهد بدرًا ثم شهد أحدًا ومعه اللواء فاستشهد" اهـ.

[77] أي جلد، [النهاية، 1/83].

[78] الكبش: فحل الضأن في أي سنّ كان، وقال الليث: إذا أثنى الحمل فقد صار كبشًا، [لسان العرب، 6/338]، والفحل: الذكر من الحيوان، [المصباح المنير، ص/176]، والضأن ذوات الصوف من الغنم الواحدة ضائنة والذكر ضائن، [المصباح المنير، ص/139]، والحمل: الخروف، [مختار الصحاح، ص/65].

[79] أي جعله كهيئة النطاق، [إتحاف السادة المتقين، 9/548]، والنطاق هو مثل إزار فيه تكّة تلبسه المرأة وقيل هو حبل تشُد به وسطها للمهنة [المصباح المنير، ص/234].

[80] الحُلة بالضم لا تكون إلا من ثوبين من جنس واحد، [المصباح، ص/57].

[81] أخرجه عن المصنف أبي عبد الرحمن السلمي: البيهقي في "شعب الإيمان" [5/160]، وابن عساكر في تاريخه [36/333]. وعن ابن حمدان: أبو نعيم في كتابيه "الحلية" [1/108]، و"الأربعون" [ص/89]. ورواه المنذري في "الترغيب" [3/112-113] وعزاه للطبراني والبيهقي. قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "الإتحاف" [9/548]: "قال العراقي: رواه أبو نعيم في "الحلية" بإسناد حسن" اهـ.


- باب الدليلِ على أن للهِ في الأرضِ أولياءِ وبدلاءَ

حدثنا محمد بن جعفر بن مطر ثنا أحمد بن عيسى بن هارونَ ثنا عمرو[82] بن يحيى ثنا العلاءُ بنُ زيدلٍ[83] عن أنس رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "بدلاءُ أمتي أربعونَ رجلاً اثنانِ وعشرونَ بالشامِ وثمانيةَ عشرَ بالعراقِ كلما ماتَ منهم واحدٌ أبدلَ اللهُ مكانهُ ءاخرَ، إذا جاءَ الأمرُ قُبِضوا"[84].

[82] قال ابن عساكر: "كذا قال: عمرو بن يحيى، وإنما هو عمر بن يحيى بن نافع" [1/290].



[83] قال الحافظ في "التقريب" [ص/505]: "العلاء بن زيد ويقال زيدل بزيادة لام، متروك ورماه أبو الوليد بالكذب" اهـ.

[84] أخرجه ابن عساكر عن المصنف أبي عبد الرحمن السلمي في تاريخه [1/291]. وخبر الأبدال صححه غير واحد من الحفاظ منهم ابن حجر العسقلاني والسيوطي كما في "الإتحاف" [8/387].


- بابٌ في السخاءِ بالطعامِ ووضعِ المائدةِ دائمًا

أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا أبو نعيم ثنا مندل عن عبد الله بن يسار مولى عائشة بنتِ طلحة عن عائشةَ أم المؤمنينَ رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزالُ الملائكةُ تصلي [85] على أحدكم ما دامتْ مائدته موضوعة [86]" [87]. (قال الشيخ رحمه الله: عن هذا الحديث ضعيف)

[85] أي تستغفر له، [إتحاف السادة المتقين، 5/231].



[86] أي مدة دوام وضعها للأضياف، [المصدر السابق].

[87] أخرجه عن أبي نعيم: البيهقي في "شعب الإيمان" [7/99-100] وقال: "تفرد به بندار بن علي" اهـ [كذا في "إتحاف السادة المتقين": بندار"، 5/231]. وعن مندل: الطبراني في "المعجم الأوسط" [5/157] لكن عنده "عبد الله بن سنان" بدل "عبد الله بن يسار" وأبو نعيم في "الأربعين" له [ص/63]. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/24]: "رواه الطبراني في "الأوسط" من حديث عائشة بسند ضعيف" اهـ [ذكره الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "الإتحاف"، 5/231]، ورمز الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" [ص/2/396] له بالضعف.


- باب الدليل على أنّ اليدَ العليا هيَ المُتعففةُ عن السؤال

أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظُ ثنا صالح بن محمد بن يونس ثنا الحسين بن عبد الرحمن الخراسانيُّ ثنا محمد بن يوسف ثنا موسى بن طارق عن موسى بن عقبة عن عبدِ اللهِ بن دينار عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واليدُ العُليا خير مِن اليد السفلى اليد العُليا المُتعففةُ واليدُ السفلى السائلةُ"[88].

[88] أخرجه بنحوه عن ابن عمر: البخاري في صحيحه: كتاب الزكاة: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى [1429]، ومسلم في صحيحه: كتاب الزكاة: باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى [1033]، وأبو داود في سننه: كتاب الزكاة: باب في الاستعفاف [1648]، والنسائي في سننه: كتاب الزكاة: باب اليد السفلى [2432]. كلهم بلفظ "المنفقة" بدل "المتعففة". وانظر اختلاف الروايات في "فتح الباري" [3/296].




- بابٌ فيمن عبدَ الله سِرًا فكافأهُ على ذلك سرا (قال الشيخ رضي الله عنه عن هذا ضعيف)

أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر ثنا حميد بن علي القيسي[89] المعروفُ بزوج غنج[90] ثنا هُدية بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانَ يومُ القيامةِ بعثَ اللهُ قومًا عليهم ثياب خضرٌ بأجنحةٍ خضر فيسقطونَ على حيطانِ الجنةِ فتشرفُ عليهم خزنةُ الجنةِ فيقولونَ لهم: من أنتم أما شهدتم الحسابَ وما شهدتُم الوقوفَ بينَ يدي اللهِ فقالوا: لا نحنُ قومٌ عبدنا اللهَ سرًّا فأحبَّ أن يُدخلنا الجنةَ سرًا"[91].

[89] قال ابن حبان في ترجمته في كتاب "المجروحين" [1/264]: "لا يخلو أمره من أحد شيئين إما أن يكون هو الذي يتعمد قلب هذه الأحاديث أو قُلبت له فحدّث بها، فلا يجوز الاحتجاج به بعد روايته مثل هذه الأشياء عن هؤلاء الثقات الذين لم يحدّثوا بهذه الأحاديث على هذا النحو وهذا شيخ ليس يعرفه كثير أحد" اهـ، وقال الحافظ ابن حجر في "اللسان" [2/445]: "وقال الحاكم: من المتأخرين كذاب خبيث حدّث بالبصرة بعد الثلاثمائة عن عبد الواحد بن غياث والشاذكوني بأحاديث موضوعة وقال النقاش نحو ذلك" اهـ.



[90] بفتح المعجمة والنون كما في ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن غنج من "التقريب" [ص/574].

[91] هذا حديث غير ثابت. أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" [3/252-253] من طريق المصنف أبي عبد الرحمن السلمي وقال: "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتهم بوضعه حميد التنيسي. قال أبو حاتم بن حبان: أتيناه فحدثنا بهذا الحديث وأملى علينا من هذا الضرب فقمنا وتركناه فلا يجوز الاحتجاج به بعد روايته مثل هذه الأشياء" اهـ، قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة" [2/382]: "تعقّب بأنه تابعه أبو بكر محمد بن شعيب، أخرجه ابن النجار في تاريخه فانتفت تهمة حميد. قلت –أي ابن عراق-: محمد بن شعيب لا يعرف، والله أعلم" اهـ، وذكر السيوطي هذه الطريق في "اللالئ" [2/451-452].


- باب في القناعةِ والورعِ والشفقةِ على المسلمينَ وحُسنِ المجاورةِ وقلةِ الضحك

أخبرنا محمد بن زيد بن محمد ثنا أحمدُ بن العباسِ بن حمزةَ ثنا محمد بن إسماعيلَ ثنا المحاربيُّ عن أبي رجاءِ الخراسانيِّ عن برد بن سنان عن مكحول عن واثلةَ بن الأسقعِ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرةَ كنْ ورعًا تكنْ أعبدَ الناسِ وكنْ قنِعًا تكنْ أشكرَ الناسِ، وأحبَّ للناسِ ما تحبُّ لنفسكَ تكنْ مؤمنًا، وأحسِن مجاورةَ مَنْ جاوركَ تكنْ مسلمًا، وأقلَّ الضحكَ فإنَّ كثرةَ الضحكِ تُميتُ القلب"[92].

[92] أخرجه عن محمد بن إسماعيل: البيهقي في كتبه: الشعب [5/53]، والزهد: باب الورع والتقوى [ص/309-310]، والآداب: باب من اتقى الشبهات [ص/509]. وعن المحاربي: الطبراني في "مسند الشاميين" [1/216]، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" [10/365]. وعن أبي رجاء: ابن ماجه في سننه: كتاب الزهد: باب الورع والتقوى [4217]، والقضاعي في مسنده [1/98-99] مختصرًا مقتصرًا على قوله: "كثرة الضحك تميت القلب"، ومطولاً [1/371]، والبخاري في "الأدب المفرد": باب الضحك [ص/63] مقتصرًا على قصة الضحك، وأبو نعيم في كتابيه "الحلية" [10/365] مقتصرًا على جملة الورع وبتمامه في "تاريخ أصبهان" [2/253، ترجمة محمد بن عبد الله بن أحمد الجصاص]، والبيهقي في "الآداب": باب كراهية الضحك [ص/254]، وابن عساكر في تاريخه [6/269 و58/374] مقتصرًا على جملة الورع، والمزي في "تهذيب الكمال" [27/279، ترجمة أبي رجاء والجزري محرز بن عبد الله]، وعن أبي هريرة: الترمذي في سننه: كتاب الزهد: باب من اتقى المحارم فهو أعبد الناس [5/230] وقال: "هذا حديث غريب" اهـ، وأحمد في مسنده [2/310] والطبراني في "المعجم الصغير" [2/373-374] عن شيخه محمد بن عبد الله بن مهدي، والدارقطني في "الغرائب والأفراد" [انظر "أطراف الغرائب"، 5/243]، والقضاعي في مسنده [1/372]، وأبو نعيم في "الحلية" [6/295]، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" [انظر "المنتقى" ص/60]، والبيهقي في "الشعب" [7/500 و501]، وابن عساكر في تاريخه [37/37، ترجمة عبد الملك بن عبد الكريم]، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [10/296]: "رواه الطبراني في "الصغير" وفيه من لم أعرفهم" اهـ، وقال الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة" [2/341]: "هذا إسناد –أي إسناد ابن ماجه- حسن" اهـ. وفي الباب عن ابن مسعود [انظر "إتحاف السادة"، 1/462]، وأبي الدرداء [انظر "المنتقى من مكارم الأخلاق" ص/60، وإتحاف السادة 6/264]، وأنس [انظر "مسند الشهاب"، 1/372].




- بابٌ في اختيار الفقرِ على الغنى

أخبرنا سليمانُ بنُ محمد بن ناجيةَ المديني ثنا أبو عمرو أحمد بن المبارك المستمليُّ ثنا أبو خالد الفراءُ ثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوبَ عن عبيدِ اللهِ بن زحْر عن علي بن يزيد عن القاسمِ عن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضَ عليَّ ربي أن يجعلَ لي بطحاءَ[93] مكةَ ذهبًا، فقلتُ: لا، يا ربُّ ولكن أشبعُ يومًا وأجوعُ يومًا فإذا جعتُ تضرعتُ إليكَ وإذا شبعتُ حمدتُكَ وذكرتكَ"[94].

[93] أي الحصى، [النهاية، 1/134].



[94] أخرجه عن المصنف أبي عبد الرحمن السلمي: البيهقي في "الشعب" [2/172]. وعن ابن المبارك: الترمذي في سننه: كتاب الزهد: باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه [2347] وقال: "هذا حديث حسن وعلي بن يزيد ضعيف الحديث" اهـ، وأحمد في مسنده [5/254]، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" [1/289]، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" [ص/240]، والبغوي في "شرح السنة" [14/245-246]. وعن يحيى: ابن المبارك وهو أحد رواة هذا الحديث في كتابه "الزهد" [ص/54، رقم 196 من نسخة زيادات نعيم بن حماد على ما رواه المروزي عن ابن المبارك] وقد سقط من إسناده في الأصل اسم يحيى بن أيوب كما أفاده محقق الكتاب، والطبراني في "المعجم الكبير" [8/207]. والبيهقي في "الشعب" [7/310]، وابن عساكر في تاريخه [4/133-134]. وعن عبيد الله: أبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" [ص/290] وقد سقط من إسناده علي بن يزيد، وأبو نعيم في "الحلية" [8/133]، والحديث رمز له الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" [4/311] بالحسن، وحسنه الترمذي كما تقدم، قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "الإتحاف" [4/261] ما نصه: "وقول الترمذي: "حسن" فيه نظر، فقد قال العلائي: فيه ثلاثة ضعفاء: عبيد الله بن زهر [كذا في المطبوعة بالهاء] عن علي بن زيد [كذا في المطبوعة بحذف الياء من أوله] والقاسم" اهـ، وحسنه الحافظ أحمد الغماري في "المداوي" [4/316]


- بابٌ في الابتداءِ بتعهدِ الفقراءِ دونَ الأهلِ والمال

أخبرنا محمد بن نصرِ بن أشكيبَ الزعفرانيُّ البخاري ثنا حامدُ بن سهل ثنا ابن أبي عمرَ ثنا سفيانُ عن عطاءِ بن السائبِ عن أبيهِ عن علي رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه سلم قال لفاطمة: "لا أعطيكم وأدعُ أهلَ الصُّفةِ تطوى[95] بطونُهم مِنَ الجوعِ"[96].

أخبرنا إسماعيل بن أحمد الجرجانيُّ أنا محمد بن الحسن بن قتيبةَ العسقلانيُّ ثنا حامد بن يحيى ثنا سفيانُ بمثلهِ[97].

[95] يقال: طَويَ من الجوع يَطوى طَوَّى فهو طاوٍ أي خالي البطن جائع لم يأكل [النهاية، 3/146].
[96] ] أخرجه عن سفيان بن عيينة: الحُمَيدي في مسنده [1/25]، وأحمد في مسنده [1/79]، وأبو نعيم في كتابيه "الحلية" [2/41]، و"الأربعون" [ص/54] من طريق الحميدي. قال الحافظ الهيثمي في "المجمع" [8/168]: "رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط" اهـ.
[97] أخرجه من هذه الطريق عن المصنف أبي عبد الرحمن السلمي: البيهقي في "الشعب" [3/259].




- باب إباحة الكلامِ على لسانِ التفريدِ

أخبرنا محمدُ بن الحسنِ بن إسماعيلَ السراجُ ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرميُّ مُطَين ثنا علي بن منذر ثنا ابن فُضيل ثنا أبي عن نافع عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ لمّا قُبضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أتى أبو بكر فصعدَ المنبرَ فحمدَ اللهَ وأثنى عليهِ وقال: إنْ كانَ محمدٌ إلهكم الذي تعبدونَ فإنَّ إلهكم قد مات، وإن كانَ إلهكم الذي في السماء[98] فإنّ إلهكم حيٌّ لا يموت، ثمّ تلا: {وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلتْ مِن قبلهِ الرسلُ} [سورة ءال عمران/144][99].

[98] ليس معناه أن الله متحيز في جهة لأن الله منزه عن المكانِ والجهةِ على أن هذه الرواية غير ثابتة فلا حجة فيها للمجسمة على إثباتِ الجهةِ للهِ تعالى.



[99] هذه الرواية غير ثابتة أما الثابتة فالبخاريُّ، فقد روى في صحيحه عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة أن عائشة أخبرته أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم [أي قصد] رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى [أي مغطى] بثوب حِبرة فكشف عن وجهه ثم أكبَّ عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كُتبتْ عليك فقد مُتّها. قال الزهري: وحدثني أبو سلمة عن عبد الله بن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يُكلم الناس فقال: اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: {وما محمدٌ إلا رسولٌ قدْ خلتْ من قبلهِ الرسل} إلى قوله: {الشاكرينَ} [سورة ءال عمران/144].


- باب في خدمة المشايخِ بأنفسهم الوافدَ عليهم والغريبَ

أخبرنا أبو العباسِ الأصمُ ثنا هلالُ بن العلاءِ الرَّقيُّ، وأخبرنا عبدُ اللهِ بن محمدِ بن علي بن زياد ثنا محمدُ بن حمدونَ ثنا هلالُ بن العلاءِ ثنا أبي ثنا طلحةُ بن زيدٍ ثنا الأوزاعيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمةَ عن أبي قتادةَ قال قدِمَ وفدُ النجاشيُّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقامَ بخدمتهم فقال لهُ أصحابُهُ: نحنُ نكفيكَ ذلكَ قال: "إنهم كانوا لأصحابي مُكرمينَ[100] وأنا أحبُّ أن أكافئهم"[101].

وأخبرنا أحمد بن علي المقرئُ ثنا هلالُ بن العلاء بنحوهِ.

[100] وذلك حين كانوا عندهم في الهجرة.
[101] أخرجه عن هلال: البيهقي في كتابيه "دلائل النبوة" [2/307] و"الشعب" [6/518] وقال: "تفرد به طلحة بن زيد عن الأوزاعي"، والخطيب البغدادي في كتابه "الفقيه والمتفقه" [3/118]، وأبو نعيم في "الأربعين" [ص/59]. وعن العلاء: أبو نعيم في "الأربعين" [ص/58] وقال: "قال علي بن الحسن: وكان العلاء ثقة مأمونًا سيدًا، وقال حفص [أحد رواة هذا الحديث عن العلاء]: وقال العلاء مرة: عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه. وهذا حديث غريب ورواه ابنه هلال بن العلاء عن أبيه والحديث أشهر" اهـ. قال النسائي في "الضعفاء" [ص/181]: "علاء بن هلال روى عنه ابنه هلال غير حديث منكر فلا أدري منه أتى أو من ابنه" اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" [ص/507]: "فيه لين" اهـ، وقال أيضًا [ص/337]: "طلحة بن زيد متروك، قال أحمد وعلي وأبو داود: كان يضع" اهـ.




- بابٌ في اتخاذِ المِرقَعةِ ولٌبسها

أخبرنا علي بن بُندارِ بن الحسين الصوفيُّ ثنا محمد بن علي بن سعيد المُركبِ [102] ثنا محمد بن عبد الله المخرميُّ ثنا محمد بن جعفر ثنا ورقاءُ عن أبي إسحاقَ عن يحيى عن أمِ الحُصينِ قالتْ كنتُ في بيتِ عائشةَ رضي الله عنها وهي ترقعُ قميصًا لها بألوان مِن رقاعٍ بعضها بياض وبعضها سواد وبعضها غيرُ ذلكَ فدخلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا يا عائشة؟" قالت: قميصٌ لي أرقعها فقال: "أحسنتِ لا تضعي ثوبًا حتى ترقعيهِ فإنهُ لا جديدَ لمنْ لا خَلَقَ لهُ" [103].

[102] نسبة لمن يعمل السروج والركب التي فيها، [الأنساب، 5/260].



[103] أخرجه أبو نعيم في "الأربعون" [ص/80] من طريق المصنف أبي عبد الرحمن السلمي، لكن عنده محمد بن جعفر بدل محمد بن حفص.


- بابٌ السنة في أخذِ الركوةِ في الأسفارِ

أخبرنا يوسفُ بن يعقوبَ بن إبراهيم الأبهريُّ ثنا محمد بن عبدِ الرحمنِ بن أسد القاضي ثنا أسدُ بن محمد ثنا أبو جابر ثنا سعيدُ بن يزيدَ عن جعفرِ بن محمد عن أبيهِ عن جدهِ عن أبيهِ عن جدهِ قال: "خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم للبرازِ [104] فأخذتُ ركوةً فخرجتُ في أثرهِ وذكر الحديث.

[104] البراز: الفضاء الواسع وتبرّز الرجلُ خرج إلى البَزار للحاجة [مختار الصحاح، ص/20].




- باب السنة في الاجتماعِ على الطعامِ وكراهيةِ الأكلِ فُرادى

أخبرنا إسماعيل بن أحمد الجرجاني أنا محمد بن الحسن بن قُتيبة ثنا أحمد بن عبد العزيز الواسطيُّ ثنا الوليد بن مسلم ثنا وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيهِ عن جدهِ أن رجلاً قالَ: لرسولِ اللهِ إنا نأكلُ ولا نشبعُ فقالَ: "لعلكم تفترقونَ على طعامكم اجتمعوا عليه واذكروا اسمَ اللهِ عزَّ وجل يُبارك لكم فيه" [105].

[105] أخرجه عن الوليد: أبو داود في سننه: كتاب الأطعمة: باب في الاجتماع على الطعام [3764]، وابن ماجه في سننه: كتاب الأطعمة: باب الاجتماع على الطعام [3286]، وأحمد في مسنده [3/501]، والحاكم في "المستدرك" وسكت عليه وقد أخرجه شاهدًا لحديث ءاخر، وابن حبان في صحيحه [انظر "الإحسان" الأطعمة، 7/328]، والبيهقي في ثلاثة من كتبه: السنن الكبرى [5/258]، والآداب [ص/334]، وشعب الإيمان [5/75-76]، وأبو نعيم في "الأربعون" [ص/68]، وابن عساكر في تاريخه [62/45]. حسن إسناد الحديث الحافظ العراقي بعد أن عزاه لأبي داود وابن ماجه كما في "إتحاف السادة" [5/217] للزبيدي. وحسّن الحديث الحافظ ابن حجر في تخريجه لأحاديث الأذكار كما نقله ابن علان في "الفتوحات الربانية" [5/214].




- بابُ إباحةِ الكلامِ في باطنِ العلمِ وحقيقتهِ

أخبرنا حامدُ بن عبدِ اللهِ الهرويُّ ثنا نصر بن محمد بن الحارث البوزَجانيُّ ثنا عبدُ السلامِ بن صالح ثنا سفيانُ بن عيينةَ عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلمَ قال: "إنّ مِنَ العلمِ كهيئةِ المكنونِ لا يعرفهُ إلا العلماءِ باللهِ عز وجل فإذا نطقوا بهِ لم ينكرهُ إلا أهلُ الغرةِ باللهِ عزَّ وجل"[106].

[106] رواه أبو شجاع الديلمي في "الفردوس" [1/210] وهو والد أبي منصور الديلمي صاحب "مسند الفردوس"، قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "الإتحاف" [1/166]: "قال العراقي –أي بعد أن عزاه للسلمي صاحب الأربعين- رواه الديلمي في مسنده الفردوس، وعبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي ضعيف جدًا" اهـ.




- باب تركِ التكلفِ للضيفِ وإحضارهِ ما حضرَهُ

أخبرنا محمدُ بن محمدِ بن يعقوبَ الحافظُ ثنا محمدُ بن سعيدِ بن عمرانَ ثنا أحمدُ بن عبد الله بن زياد الإياديُّ ثنا موسى بن محمد السكريُّ ثنا بقيةُ بنُ الوليدِ ثنا إسماعيل بن يحيى التيميُّ عن مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي البحتريِّ قال نزلنا على سلمان الفارسيِّ بالمدائنِ فقرّبَ إلينا خبزًا وسمكًا وقال: كلُوا نهانا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن التكلفِ ولولا ذلكَ لتكلفْتُ لكم[107].

[107] أخرجه عن بقية: أبو نعيم في الأربعين [ص/70]. وأخرجه عن سلمان الفارسي بألفاظ متقاربة: أحمد في مسنده [5/441]، والطبراني في "المعجم الكبير" [6/235]، والحاكم في "المستدرك" [5/123] وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في "الشعب" [7/94]، وابن عساكر في تاريخه [13/126] موقوفًا ومرفوعًا والمرفوع بلفظ: "لا تكلفوا للضيف"، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" بلفظ: "لا يتكلفنَّ أحد لضيفه ما لا يقدر عليه"، والسهمي في "تاريخ جرجان [عند ترجمة إسحاق بن إسماعيل الرازي، ص/162]، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" [انظر "المنتقى من مكارم الأخلاق" للسلفي، ص/73]، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [8/179]: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وأحد أسانيد الكبير ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة" اهـ. وقال الحافظ العراقي: "رواه أبو بكر بن لآل في مكارم الأخلاق" من حديث سلمان وفيه محمد بن الفرج الأزرق تكلم فيه" نقله الحافظ الزبيدي في "الإتحاف" [5/238].




- باب في تركهمُ التنعمَ

أخبرنا محمد بن محمدِ بن يعقوبَ الحافظُ ثنا سعيدُ بن عبد العزيزِ ثنا ابن مُصفّى ثنا بقيةُ ثنا السريُّ بن ينعمَ عن مريح بن مسروق الهوزني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما بعثهُ إلى اليمن قال: "إياكَ والتنعمَ فإن عبادَ اللهِ ليسوا بالمتنعمين"[108].

[108] أخرجه عن المصنف أبي عبد الرحمن السلمي: البيهقي في "الشعب" [5/156]. وعن بقية: أحمد في مسنده [5/243 و244]، وأحمد في "الزهد" [ص/18]، وأبو نعيم في كتابيه "الحلية" [5/155] و"الأربعون" [ص/73]، والبيهقي في "الشعب" [5/156]. ورواه المنذري في "الترغيب" [3/142] عن معاذ، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [10/250]: رواه أحمد ورجاله رجال ثقات اهـ، ورمز له الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" بالحسن [انظر "فيض القدير" 3/119 للمناوي].




- بابُ ما جاء في تصحيحِ الفِراسةِ

أخبرنا أحمد بن علي الرازيُّ ثنا محمد بن أحمد بن السكنِ ثنا موسى بن داود ثنا محمد بن كثير الكوفيُّ ثنا عمرو بن قيس عن عطيةَ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسةَ المؤمنِ فإنهُ ينظرُ بنورِ اللهِ تعالى"[109].

[109] أخرجه عن موسى بن داود: الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" [3/191]. وعن عمرو بن قيس: الترمذي في سننه: كتاب تفسير القرءان: باب ومن سورة الحجر [3127] وقال: "هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه" اهـ. وأورده البخاري في "التاريخ الكبير" [7/354]، والحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" [5/397] وذكر حكم الذهبي على الحديث بأنه منكر، وابن الجوزي في "الموضوعات" [3/146-147] وقال: "تفرد به محمد بن كثير عن عمرو، قال أحمد بن حنبل: مزقنا حديثه، وقال علي بن المديني: كتبنا عنه عجائب وخططت على حديثه وضعفه جدًا" اهـ. وتعقبه الحافظ السيوطي في "اللآلئ" [2/330] فتكلم على طرقه وقال: "الحديث حسن صحيح". وقال الخطيب: "وهو غريب من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد، لا نعلم رواه عنه غير عمرو بن قيس الملائي، وتفرد به محمد بن كثير عن عمرو وهو وهم والصواب ما رواه سفيان عن عمرو بن قيس الملائي قال: كان يقال اتقوا فراسة المؤمن" اهـ ثم ساقه الخطيب بإسناده عن سفيان به، وقال الحافظ الزبيدي في "الإتحاف" [6/545] بعد أن ذكر طرقه: "وكلها ضعيفة وفي بعضها ما هو متماسك لا يليق مع وجوده الحكم على الحديث بالوضع" اهـ. وفي الباب عن: ابن عمر وأبي أمامة وأبي هريرة وثوبان، انظر: اللآلئ والإتحاف والموضوعات.




- بابُ استجلابِ محبةِ اللهِ تعالى بالمداومةِ على خدمتهِ[110]

أخبرنا أحمدُ بن محمد بن عبدوسَ الطرائفيُّ ثنا عثمان بن سعيد الدارميُّ ثنا سعيد بن أبي مريمَ ثنا يحيى بن أيوبَ أنا ابنُ زَحَر عن علي بن يزيد عن القاسمِ عن أبي أمامةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال اللهُ تبارك وتعالى: ما يزالَ العبدُ يتقرَّبُ[111] إليَّ بالنوافلِ حتى أحبهُ [فإذا أحببته] فأكونُ سمعهُ[112] الذي يسمعُ بهِ وبصرهُ الذي يبصر به ولسانه الذي ينطقُ به وقلبهُ الذي يعقلُ به فإذا دعاني أجبتهُ وإذا سألني أعطيتهُ"[113].

[110] أي على طاعته.



[111] ليس المراد التقرب بالمسافة لأن الله منزه عن المسافة والجسم والحجم إنما المراد التقرب بالطاعة.

[112] هذا كناية عن المجاز لأن الله منزه عن الجوارح، قال الخطابي: هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها [العبد] بهذه الأعضاء، وقال أيضًا: وقد يكون عبّر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب، وقيل غير ذلك.

[113] أخرجه عن سعيد: الطبراني في "المعجم الكبير" [8/206]. وعن علي: الطبراني في "المعجم الكبير" [8/221]. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" [2/248]: "رواه الطبراني في الكبير وله عنده في رواية" اهـ. ثم ذكر الرواية وقال عقبها: "وفي الطريقين علي بن يزيد وهو ضعيف" اهـ. وضعف الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" [11/342] سند الحديث. والحديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: كتاب الرقاق: باب التواضع [6502]. وفي الباب عن ميمونة وعائشة وغيرهما. وانظر الكلام على هذا الحديث وطرقه في: فتح الباري [11/340]، الحاوي للفتاوى [1/560، رسالة "القول الجلي في حديث الولي"]. إتحاف السادة المتقين [9/569].


- بابُ كراهيةِ جمعِ المالِ لئلا يرغبَ العبدُ في الدنيا

أخبرنا أبو عمرو بنُ مطر ثنا أبو خليفةَ ثنا الرماديُّ ثنا ابنُ عيينةَ عن الأعمشِ عن شمر بن عطية عن المغيرة بن سعدِ بن الاخرمِ عن أبيهِ عن عبدِ اللهِ[114] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا الضيعةَ[115] فترغبوا[116] في الدنيا[117]"[118].

[114] هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.



[115] قال ابن الأثير في "النهاية" [3/108]: "يقال ضيعة الرجل ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك" اهـ، وفي "لسان العرب" [8/230]: "الضيعة: العقار والأرض المغلَّة" اهـ.

[116] أي فتميلوا إلى الدنيا.

[117] قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" [5/4] عند شرح حديث: "ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان له به صدقة" ما نصه: "وفي الحديث فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض، ويستنبط منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها، وفي فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة وحُمل ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين، فمنه حديث ابن مسعود مرفوعًا: "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا" الحديث، قال القرطبي: يُجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها" اهـ.

[118] أخرجه عن أبي عيينة الترمذي في سننه: كتاب الزهد: باب [20] حديث [2328] وقال: "هذا حديث حسن" اهـ، وأحمد في مسنده [1/377 و443]. والحميدي في مسنده [1/67]، والبيهقي في "الشعب" [7/304]، وعن الأعمش: أحمد في مسنده [1/426]، والحاكم في "المستدرك" [4/322] وصححه ووافقه الذهبي، وأحمد في "الزهد" [ص/52]، وابن حبان في صحيحه [انظر "الإحسان": كتاب الرقائق: باب الفقر والزهد والقناعة، 2/47]، والبيهقي في "الشعب" [7/304].


- باب في صفةِ العُقلاء

أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي ثنا علي بن سعيد العسكريُّ ثنا أحمد بن يحيى بن مالك السوسيُّ ثنا داود بن المُحَبَّرِ[119] ثنا عباد بن كثير عن عبدِ اللهِ بن دينار عن عبدِ اللهِ بن عمرَ قالَ قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العاقلُ الذي عقلَ عن اللهِ أمرَهُ"[120].

[119] قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" [ص/240]: "داود بن المحبر": متروك، وأكثر كتاب "العقل" الذي صنفه موضوعات" اهـ. ونقل الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد" [8/360] في ترجمة ابن المحبر عن الدارقطني أنه قال: "كتاب العقل وضعه أربعة: أولهم ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء فركبه بأسانيد أخر ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي فأتى بأسانيد أخر" اهـ.



[120] أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" [4/166] عن مالك بن أنس من قوله وحكم الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" [3/215] بوضعه بعد أن ذكر من طريق ابن المحبّر حديث ابن عمر مرفوعًا بلفظ: "مه، إن العاقل من عمل بطاعة الله" فقال: "هذه الأحاديث من كتاب العقل لداود بن المحبر وكلها موضوعة" اهـ.


- باب في إباحةِ السماعِ [121]

أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظُ ثنا محمدُ بن عبد الله بن يوسف الهرويُّ بدمشقَ ثنا سعيد بن محمد بن زريق الرسعينيُّ ثنا عبد العزيز الأويسيُّ ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عثمان بن عروةَ عن أبيهِ عن عائشة قالتْ دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق وعندي جاريتانِ لعبد الله بن سلام تضربانِ بدُفَينِ لهما وتغنيانِ، فلما دخلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: أمسِكا فتنحّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى سرير في البيتِ فاضطجعَ وتسُجّى [122] بثوبهِ فقلتُ: ليُحِلَّنَّ اليومَ الغناءَ أو ليُحرمنَّه قالت فأشرتُ إليهما أن خُذا، قالت فأخذنا فواللهِ ما نشبْتُ إذ أن دخلَ أبو بكر وكانَ رجلاً مطّارًا يعني حديدًا وهو يقولُ أمزامير الشيطانِ في بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسهُ وقال: "يا أبا بكر لكلِّ قومٍ عيدٌ وهذا أيامُ عيدنا" [123].

[121] قال الحافظ الزبيدي في شرح الأحياء ممزوجًا بالمتن [6/455]: "[اعلم أن السماع هو أول الأمر، ويثمر السماع حالة] باطنية [في القلب تسمى الوجد] وهو إحساسه بما هو فيه [ويثمر الوجد تحريك الأطراف إما بحركة غير موزونة] بالإيقاع [فتسمى الاضطراب] ولا يختص به الأطراف بل يعم سائر الجسد [وإما موزونة فتسمى التصفيق والرقص] فالتصفيق هو ضرب الكف على الكف والرقص هو تمايل الأعضاء كلها" اهـ، قلنا: وشرط ذلك أن لا يصاحبه شىء من ءالات اللهو المحرمة كالمزمار والأوتار وغير ذلك مما ورد في الشرع النهي عنه.



[122] أي غُطي، والمتسجي: المتغطي، [النهاية، 2/344].

[123] أخرجه عن عروة بنحوه: البخاري في صحيحه: كتاب العيدين: باب الحراب والدرق يوم العيد [949]، ومسلم في صحيحه: كتاب صلاة العيدين: باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد [892].


- بابٌ في إباحةِ الرقص [124]

أخبرنا أبو العباس أحمد بن سعيد المعدانيُّ الفقيهُ بمرو ثنا محمد بن سعيد المروزيِّ ثنا عباس الترقُفيُّ [125] ثنا عبد الله بن عمرَ [126] الوراق ثنا الحسين بن علي بن منصور ثنا ابو عتاب المصريُّ [127] (قالَ البيهقيُّ في شعبِ الإيمانِ (الجزء الرابعُ/ص/283) ناقلا عن الحليميِّ ما نصهُ: وأما الرقصُ فإن لم يكن فيه تسكرا وتخنث فلا بأسَ). عن إبراهيمَ بن محمد الشافعيِّ أن سعيدَ بن المسيبِ مرَّ في بعضِ أزقةِ مكةَ فسمعَ الأخضرَ الحدى [128] يتغنّى في دار العاص بنِ وائل:

تضوَّعَ مِسكًا بَطْنُ نُعمانَ إنْ مشتْ *** بهِ زينبٌ في نسوةٍ عطِراتِ

فلما رأتْ ركبَ النُّمَيري أعرضَتْ *** وهُنَّ[129] من انْ يَلقَينَهُ حذراتِ

قال فضربَ برجلهِ الأرض زمانًا وقال هذا ما يلذُّ سماعهُ وكانوا يرونَ أن الشعرَ لسعيد [130]. (قال الشيخ رحمه الله ضعيف)

[124] الرقص المباح هو الرقص الذي ليس فيه تثن ولا تكسر ولا تشبه بالفساقِ والمخنثين



. [125] عند ابن الجوزي: "الرقيقي".
[126] عند ابن الجوزي: "عمر" بحذف الواو.
[127] عند ابن الجوزي: "أبو عتاب المصري".
[128] عند ابن الجوزي: "الأخصر الحداء".
[129] في الأصل: "وهن" وكذا عند ابن الجوزي، فأبدلها المعلق في النسخة المطبوعة إلى: "كنّ" وقال: "والتصحيح من الأغاني، 6/24ر وغيرها].
[130] أخرج هذه القصة عن المصنف أبي عبد الرحمن السلمي: ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" [ص/290] وقال: "قلت: هذا إسناده مقطوع مظلم لا يصح عن ابن المسيب ولا هذا شعره، كان ابن المسيب أوقر من هذا، وهذه الأبيات مشهورة لمحمد بن عبد الله بن نمير النميري الشاعر ولم يكن نمريًا وإنما نسب إلى اسم جده وهو ثقفي وزينب التي يشبب بها هي بنت يوسف أخت الحجاج" اهـ، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" [9/187] بعد أن ذكر هذه القصة ما نصه: "وليس هذا في شعر النميري والذي حفظناه من النميري ورويناه ليس فيه هذه الأبيات فهي لسعيد، والله أعلم" اهـ، وانظر "إتحاف السادة المتقين" [6/460].




سند الكتاب:

عن الشيخ أبو محمد الشامي (عدنان دغمان) عن الشيخ عمر قاسم عن الدكتور كمال سماعا على الشيخِ رحمهُ الله بقراءةِ غيرهِ
TohaKepriben

Previous Post Next Post