كتاب الدليل الشرعي على إثبات عصيان من قاتلهم علي من صحابيّ أو تابعيّ



سلسلة الهداية
الدليل الشرعي 
على إثبات عصيان من
قاتلهم علي من صحابيّ أو تابعيّ

تأليف 
خادم علم الحديث الشريف
الشيخ عبد الله الهرري
المعروف بالحبشي
غفر الله له ولوالديه

ملتزم الطبع
دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة الأولى
1419هـ- 1998ر

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد، وعلى ءاله الأطهار، وصحابته الأخيار.

وبعد فيسرنا أن نقدم هذا الكتاب للعلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي، وقد أورد فيه أدلة ساطعة على بيان أن كل من خرج على الإمام علي الخليفة الراشد رضي الله عنه فهو باغ، وساق الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، وأراد بذبك تبيان الحقيقة، ونسأل الله أن ينفعنا بعلمه، وأن يجعلنا أعمالنا خالصة له سبحانه.

الناشر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى ءاله الطاهرين، وصحابته الطيبين، وبعد.

ليعلم أن طاعة الخليفة واجبة بالكتاب والسنة قال الله تعالى: {يأيُّها الذينَ ءامنُوا أطِيعوا اللهَ وأطيعوا الرَّسُولَ وأوْلى الأمرِ مِنكُم} [سورة النساء].

وروى مسلم في صحيحه [5] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن خرج من الطاعةِ وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية". وفيه أيضًا [6] أنه جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحَرَّة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: "إني لم ءاتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حُجَّةَ له، ومن مات وليس في عنقه بَيعة مات ميتة جاهلية"، وفيه أيضًا [7]: "من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات على ذلك إلا مات ميتة جاهلية".

وروى ابن حبان في صحيحه [8] عن عرفجة بن صريح الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم جميعٌ فاقتلوه كائنًا من كان، فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يرتكض"، وروى ابن حبان وغيره [9]: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجع"، وروى البخاري [10] وغيره أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن منازعة أولي الأمر فقال: "إلا أن تروا كفرًا بواحًا". واتفق جمهور علماء الإسلام على أنه لا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا أن يكفر، وقال بعض: يجوز خلعه إن فسق إن لم يؤد إلى فتنة.

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألستم تعلمون أني أولى المؤمنين من أنفسهم"، قالوا: بلى، قال: "ألستم تعلمون أني ألى بكل مؤمن من نفسه". قالوا: بلى، قال فأخذ بيد علي فقال: "مَن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال مَن والاه وعادِ من عاداه". رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند [11].




الخارجون على الإمام عليّ بغاة:

ليعلم أن عليًّا رضي الله عنه خليفة راشد واجب الطاعة على المؤمنين، وهذا الذي فهمه الصحابة من كان منهم بدريًا أو أحديًا وكذا كل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فلذلك فإن الذين قاتلوا عليًّا خرجوا عن طاعة الإمام، وهو أي سيدنا عليّ كان مأمورًا بقتال مَن خرج عليه، فقد روى البزار [12] والطبراني [13] أنه قال: "أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين" [14].

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في متابه التلخيص الحبير [15] ما نصه: "قوله –أي الرافعي-: "ثبت أنّ أهل الجمل وصفّين والنهروان بغاة" هو كما قال، ويدلّ عليه حديث علي: "أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين" رواه النسائي في الخصائص، والبزار [16]، والطبراني [17]، والناكثين أهل الجمل لأنهم نكثوا بيعته، والقاسطين أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق في عدم مبايعته، والمارقين أهل النهروان لثبوت الخبر الصحيح فيهم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" ا.هـ.

وروى البيهقي [18] في كتاب الاعتقاد بإسناده المتصل إلى محمد بن إسحاق وهو ابن خزيمة قال: "وكلّ مَن نازع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في إمارته فهو باغٍ، على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس –يعني الشافعي- رحمه الله" ا.هـ.

وقال الحافظ في الفتح [19] ما نصه: "وقد ثبت أن من قاتل عليًّا كانوا بغاة" ا.هـ. ويؤيد هذا ما رواه الحاكم في المستدرك [20] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير: "لتقاتلنَّه وأنت ظالم له". فإذا كان الرسول اعتبر الزبير ظالمًا مع ما له من الفضل لأنه كان مع مقاتليه جزءًا من النهار، فكيف يقال عن هذا القتال الذي وصف الرسول مقاتلي علي فيه بالظلم والبغي: إنه ليس بواجب ولا مستحب، أليس هذا يدل على أن أحمد بن تيمية في قلبه ضغينة على سيدنا علي، ألا يعرف في نفسه أن قوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغى} [سورة الحجرات] يعود إلى الخليفة في قتال من بغى عليه، وكيف يقال لمن أطاع الله تعالى في أمره إنّ فعله ليس بواجب ولا مستحب، ومن المعلوم بالضرورة عند المسلمين أن قتال الخليفة لمن بغى عليه أمر مشروع بل فرض إذا لم تنكف الفئة الباغية، فانظروا كيف جعل ابن تيمية الامتثال لأمر الله لغوًا.

واعلم أن الشافعي أخذ مسائل البغاة من قتال عليّ رضي الله عنه، ففي كتاب مناقب الشافعي للبيهقي [21] ما نصه: "قال يحيى: إني نظرت في كتابه –يعني الشافعي- في قتال أهل البغي فإذا قد احتجّ من أوّله إلى ءاخره بعلي بن أبي طالب". ا.هـ. أي بقتال علي لأهل البغي.

وفي فتح الجواد [22] لابن حجر الهيتمي ما نصه: "وقد قال الشافعي رضي الله عنه: أخذت أحكام البغاة من قتال علي لمعاوية" ا.هـ.

قال الحافظ البيهقي ما نصه [23]: "وفي كل هذا دلالة على أن الشافعي رحمه الله كان يعتقد في علي رضي الله عنه أنه كان محقًا في قتال من خرج عليه، وأن معاوية ومن قاتله لم يخرجوا بالبغي من الإيمان لأن الله تعالى سمى الطائفتين جميعًا "مؤمنين"، والآية عامة، وجرى علي رضي الله عنه في قتالهم مجرى قتال الإمام العادل من خرج من طاعته من المؤمنين، وسار بسيرته في قتالهم، وقصد به حملهم على الرجوع إلى الطاعة كما قال الله تعالى: {فقاتلوا التي تبغَى حتَّى تفئَ إلى أمرِ الله} [سورة الحجرات]" ا.هـ.

وهذا صريح في أن البيهقي ما رفع عن معاوية في قتاله لعلي ما سوى الكفر، نفى عنه الكفر فقط وأثبت ما دونه من المعاصي.

ثم قال الحافظ البيهقي أيضًا ما نصه [24]: ثم ولا بد من أن يعتقد كونه محقًا في قتالهم، وإذا كان هو محقًا في قتالهم كان خصمه مُخطئًا في قتاله والخروج عليه، غير أنه لم يخرج ببغيه من الإسلام كما حكينا عن الشافعي رحمه الله عليه في متابعته عليًّا في سيرته في قتالهم وتسميته الطائفتين جميعًا مسلمين" ا.هـ.

بعد هذا يقال لهؤلاء الذين ينتسبون إلى الإمامين الأشعري والشافعي ثم يقولون في معاوية إنه اجتهد وله اجر واحد مقابل أجرين لعلي: أنتم مخالفون لإمامكم في العقائد أبي الحسن الأشعري وإمامكم في الفقه الإمام الشافعي، ففيقوا من سباتكم العميق وتوغلكم في الغفلة عن الحق إلى الصواب، هذا نصيحة المسلم للمسلم.

وقد ثبت أن عليًّا رضي الله عنه هو الإمام الخليفة أمير المؤمنين، فيعلم مما تقدم أن كل من خرج ونازع أمير المؤمنين عليًّا فهو باغ داخل تحت الأحاديث المتقدم ذكرها، ويكون بذلك قد عارض الأدلة الشرعية.

قال الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي ولاية بيروت ما نصه [25]: "على أن معشر أهل الحق من أهل السنة والجماعة يعتقدون أن معاوية كان مخطئًا، بغى على الإمام الحق علي بن أبي طالب لسبق البيعة والخلافة له رضي الله عنه، وهو مصيب بمحاربة معاوية وأصحابه بحكم قتال أهل البغي من المسلمين، ولذا لم يعاملهم معاملة المرتدين ولا الكافرين، وأن عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم قد رجعوا عن خطئهم بخروجهم في وقعة الجمل على أمير المؤمنين، وقد ندموا على خروجهم متأسفين، والندم توبة من الخطيئة، فاتبع الحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله والله أعلم" ا.هـ.

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [26]: "وكانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فبايعه المهاجرون والانصار وكل من حضر، وكتب بيعته إلى الآفاق، فأذعنوا كلهم إلا معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعد ما كان" ا.هـ، فبهذا يظهر أنه ما خالفه غير معاوية ومن تبعه من أهل الشام.




ذكر ندم بعض مَن لم يشارك عليًّا في القتال:

وقد ورد عن بعض ممن هم من أكابر الصحابة ممّن قاتلوا عليًّا وممن لم ينصروه في قتاله الرجوع عن ذلك. فقد صح عن ابن عمر أنه ندم لعدم خروجه للقتال مع عليّ، قال القرطبي في التذكرة [27]: "وربما ندم بعضهم على ترك ذلك كعبد الله بن عمر فإنه ندم على تخلّفه عن نصرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال عند موته: "ما ءاسى على شئ ما ءاسى على تركي قتال الفئة الباغية" يعني فئة معاوية، وهذا هو الصحيح أن الفئة الباغية إذا علم منها البغي قوتلت" ا.هـ.

وقال صاحب العقد الثمين [28]: "وقد ندم على التخلف عن علي رضي الله عنه في حروبه غير واحد من كبار السلف، كما روي من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر أنه قال: "ما ءاسى على شئ إلا أنّي لم أقاتل مع أهلي مع عليّ أهل الفئة الباغية" ا.هـ. وقال الشعبي [29]: "ما مات مسروق حتى تاب إلى الله تعالى عن تخلفه عن القتال مع علي" ا.هـ. قال ابن عبد البر بعد ذكره لهذين الأثرين [30]: "ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في موضعها" ا.هـ.

وأخرج الحاكم [31] وصححه والبيهقي [32] عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "ما وجدت في نفسي من شئ من أمر هذه الآية –يعني {وإن طائفتان} [سورة الحجرات]- إلا ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله تعالى".




ندم طلحة وعائشة والزبير رضي الله عنهم:

ذكر الحافظ ابن حجر في المطالب العالية [33] أن صاحبا علي رضي الله عنه عبد الله بن الكواء وابن عباد سألاه عن طلحة والزبير قالا: "فأخبرنا عن ملك [34] هذين الرجلين [يعنيان طلحة والزبير] صاحباك في الهجرة وصاحباك في بيعة الرضوان وصاحباك في المشورة: فقال: بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة". ا.هـ. وعزاه لإسحاق بن راهويه، قال الحافظ البوصيري: "رواه إسحاق بسند صحيح".

وروى الحاكم في المستدرك [35] عن رِفاعة بن إياس الضَّبيّ عن أبيه عن جده قال: "كنا مع يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله أن القني، فأتاه طلحةُ فقال: نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم يقول: "مَن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ والِ مَن والاهُ وعادِ من عاداهُ"، قال: نعم، قال: فلِمَ تقاتلني؟ قال: لم أذكر، قال: فانصرف طلحة". ا.هـ. ثم قتله وهو منصرف مروان بن الحكم، وكان في حزبه كما ذكر الحاكم وصاحب العقد الثمين [36]، وابن سعد [37] في الطبقات وغيرهم. وروى الحديث الحافظ ابن حجر في المطالب العالية [38].

وذكر الباقلاني في كتاب تمهيد الأوائل [39]: "أن طلحة قال لشاب من عسكر عليّ وهو يجود بنفسه: "امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين" ا.هـ. كما ذكر الحاكم في المستدرك [40] عن ثور بن مجزأة قال: "مررتُ بطلحة بن عبيد الله يوم الجمل وهو صريع في ءاخر رمق فوقفت عليه فرفع رأسه فقال: إني لأرى وجه رجل كأنَّهُ القمر ممن أنت، فقلت: من أصحاب أمير المؤمنين علي فقال: ابسط يدك أبايعك فبسطت يديّ وبايعني ففاضت نفسه فأتيت عليًّا فأخبرته بقول طلحة فقال: اللهُ أكبر، الله أكبر، صدق رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم، أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه" ا.هـ.

قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم: "كان مروان مع طلحة والزبير يوم الجمل فلما شبّت الحرب قال: لا أطلب بثأري بعد اليوم فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته فمات منه" [41] ا.هـ. ثم قال: "قلتُ: قال ابن سعد [42] أخبرني مَن سمع أبا جناب الكلبي يقول: حدثني شيخ من كلب قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول: لولا أنّ أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه قتل طلحة ما تركت أحدًا من ولد طلحة إلا قتلته بعثمان، وقال الحميدي في النوادر عن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن مروان، قال: دخل موسى بن طلحة على الوليد فقال له الوليد: ما دخلت عليّ قط إلا هممتُ بقتلك لولا أنّ أبي أخبرني أنّ مروان قتل طلحة، وقال أبو عمر بن عبد البر [43]: لا تختلف العلماء الثقات في أن مروان قتل طلحة" ا.هـ. وروى ابن سعد في الطبقات [44] ست روايات يثبت بها أن مروان هو قاتل طلحة. وثبت أيضًا ندم عائشة رضي الله عنها على ما فعلت، وهو أنها مكثت في المعسكر الذي كان ضد علي مع كونها لم تخرج بنية قتاله ولم تقاتله.

قال الباقلاني [45] في كتاب تمهيد الأوائل ما نصه: "ومنهم من يقول إنهم تابوا من ذلك، ويستدل برجوع الزبير وندم عائشة إذا ذكروا لها يوم الجمل وبكائها حتى تبلَّ خمارها وقولها: "وددتُ أن لو كان لي عشرون ولدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأني ثكلتهم ولم يكن ما كان مني يوم الجمل"، وقولها: "لقد أحدقت بي يوم الجمل الأسنة حتى صرت على البعير مثل اللجة". وأنّ طلحة قال لشاب من عسكر علي وهو يجود بنفسه: "امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين"، وما هذا نحوه، والمعتمد عندهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عشرة من قريش في الجنة" وعدَّ فيهم طلحة والزبير، قالوا: ولم يكن ليخبر بذلك إلا عن علم منهم بأنهما سيتوبات مما أحدثاه ويوافيان بالندم والإقلاع" ا.هـ. وذكر مثله الحافظ البيهقي في كتاب دلائل النبوة [46].

وقال الحافظ الذهبي في سير الأعلام [47]: "ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ، فعن عمار بن عمير عمن سمع عائشة إذا قرأت: {وقرْنَ في بيوتِكُنَّ} [سورة الأحزاب] بكت حتى تبلّ خمارها" ا.هـ.



وذكر مثل ذلك القرطبي [48] وأبو حيان في تفسيره [49]، قال: "وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية –يعني ءاية {يا نساءَ النبيّ} [سورة الأحزاب]- بكت حتى تبلّ خمارها، تتذكر خروجها أيام الجمل تطلب بدم عثمان" ا.هـ.

وروى البيهقي في دلائل النبوة [50] ما نصه: "عن أم سلمى رضي الله عنها قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض نسائه أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال: "أنظري يا حميراء أن لا تكوني أنتِ"، ثم التفت إلى عليّ: "يا عليُّ إنَّ وليتَ من أمرها شيئًا فارفق بها".

وفيه [51] بسنده عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: "لوددت أني متُّ وكنتُ نسيًا منسيًا" ا.هـ.

وروى البخاري [52] وأحمد [53] والبيهقي [54] في الدلائل أيضًا عن الحكم قال: سمعت أبا وائل قال: لما بعث علي عمارًا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته –يعني زوجة النبي صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها. ا.هـ.

وروى ابن سعد في الطبقات [55] بسنده قال: "أخبرنا الفضل بن دُكين، حدثنا عيسى بن دينار قال: سألت أبا جعفر عن عائشة فقال: استغفر الله لها، أما علمت ما كانت تقول: يا ليتني كنت شجرة يا ليتني كنت حجرًا يا ليتني كنت مَدَرة، قلت: وما ذاك منها، قال: توبة" ا.هـ.

وقال الحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء [56] ما نصه: قال محمود بن محمد: حدثنا الميمون، حدثنا سريج بن يونس، حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي قال: حضرت عائشة رضي الله عنها فقالت: إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثًا ولا أدري ما حالي عنده، فلا تدفنوني معه فإني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده، ثم دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ضعوا هذه على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو بها من عذاب القبر" ا.هـ.

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه [57] بإسناده عن عائشة أنها قالت: "وددت أني كنت غصنًا رطبًا ولم أسر مسيري هذا".

وروى ابن سعد [58] أن عائشة رضي الله عنها قالت عند وفاتها: "إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادفنوني مع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم".

أما عن ندم الزبير رضي الله عنه، فقد روى الحاكم في المستدرك [59] عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي للزبير: "أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتحبُّهُ"؟ فقلت: ما يمنعني؟ قال: "أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم" قال: فرجع الزبير". ا.هـ.

وفي رواية للحاكم [60] أن عليًّا قال له: "أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقاتله وأنت له ظالم"، فقال: لم أذكر، ثم مضى الزبير منصرفًا". ا.هـ. ورواه أبو يعلى [61] بنحوه "قال علي للزبير: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك تقاتل وأنت ظالم لي"؟ قال: نعم، ولم أذكر إلا في موقفي هذا، ثم انصرف".

قال صاحب العقد الثمين [62]: "وكان الزبير رضي الله عنه قد انصرف عن القتال نادمًا" ا.هـ.

وذكر الحاكم [63] أنه لما انصرف الزبير يوم الجمل قتله ابن جُرموز، فقال عليّ للآذن لما استأذن قاتل الزبير بالدخول عليه ومعه رأس الزبير: "بشّر قاتل ابن صفية بالنار" ا.هـ. ورواه ابن سعد [64] في الطبقات بنحوه، وصححه الحافظ ابن حجر [65].

وقال الإمام أبو منصور البغدادي [66] في كتابه الفرق بين الفرق ما نصه: "وقالوا –أي اهل السنة- بإمامة عليّ في وقته، وقالوا بتصويب عليّ في حروبه بالبصرة وبصفين وبنهروان، وقالوا بأن طلحة والزبير تابا ورجعا عن قتال عليّ، لكن الزبير قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع بعد مُنصرفه من الحرب، وطلحة لما همّ بالانصراف رماه مروان بن الحكم وكان مع أصحاب الجمل بسهم فقتله" ا.هـ، وهذا لأنهما أي طلحة والزبير رضي الله عنهما من الذين سبقت لهما الحسنى فلم يموتا إلا تائبين من مخالفة أمير المؤمنين بانضمامهما للمعسكر المضاد له.

ثم قال أبو منصور البغدادي: "وقالوا: إن عائشة رضي الله عنها قصدت الإصلاح بين الفريقين، فغلبها بنو ضبّة والأزد على رأيها، وقاتلوا عليًّا دون إذنها حتى كان من الأمر ما كان" ا.هـ، فعائشة رضي الله عنها كان ذنبها أنها وقفت في المعسكر المضاد لعلي، وما كان لها أن تقف، لكنها لم تمت حتى تابت من ذلك، فإنها رضي الله عنها كانت حين تذكر تلك الواقعة تبكي حتى تبل خمارها من الدموع كما تقدم.

وقال في كتاب أصول الدين [67] ما نصه: "أجمع أصحابنا على أن عليًّا رضي الله عنه كان مصيبًا في قتال أصحاب الجمل، وفي قتال أصحاب معاوية بصفين، وقالوا في الذين قاتلوه بالبصرة: إنهم كانوا على الخطإ، وقالوا في عائشة وطلحة والزبير: إنهم أخطؤوا ولم يفسقوا، لأن عائشة قصدت الإصلاح بين الفريقين فغلبها بنو ضبّة وبنو الأزد على رأيها، فقاتلوا عليًّا فهم الذين فسقوا دونها. وأما الزبير لما كلّمه عليّ يوم الجمل عرف أنه على الحق فترك قتاله وهرب من المعركة راجعًا إلى مكة، فأدركه عمرو بن جرموز بوادي السباع فقتله وحمل رأسه إلى عليّ فبشره عليّ بالنار. وأما طلحة فإنه لما رأى القتال بين الفريقين همّ بالرجوع إلى مكة فرماه مروان بن الحكم بسهم فقتله، فهؤلاء الثلاثة بريئون من الفسق، والباقون من أتباعهم الذين قاتلوا عليًّا فسقة، وأما أصحاب معاوية فإنهم بغوا، وسمّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بغاة في قوله لعمار: "تقتلك الفئة الباغية" ولم يكفروا بهذا البغي" ا.هـ.

وقال الإمام عبد القاهر الجرجاني [68] في كتاب الإمامة: "وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين على أن عليًّا كرّم الله وجهه مثيبٌ في قتاله لأهل صفين، كما قالوا بإصابته في قتال أصحاب الجمل وقالوا أيضًا بأنّ الذين قاتلوه بغاة ظالمون له ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم" ا.هـ.




بيان خروج عبد الله بن عمرو بن العاص:

روى ابن عبد البر [69] في مسألة خروج عبد الله بن عمرو مع الذين كانوا ضد علي بن أبي طالب بسنده قال: "قال عبد الله بن عمرو: ما لي ولصفين، ما لي ولقتال المسلمين، والله لوددت أني مت قبل هذا بعشر سنين، ثم يقول: أما والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم، ولوددت أني لم أحضر شيئًا منها، وأستغفر الله من ذلك وأتوب إليه. إلا أنه ذكر أنه كانت بيده الراية يومئذ فندم ندامة شديدة على قتاله مع معاوية وجعل يستغفر الله ويتوب إليه" انتهى.

وروى أحمد في مسنده عن حنظلة بن خويلد العنبري قال [70]: "بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله –أي ابن عمرو بن العاص-: ليَطِبْ به أحدكما نفسًا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقتله الفئة الباغية" فقال معاوية: ألا تغني عنّا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا، قال ابن عمرو: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله: "أطع أباك ما دام حيًّا ولا تعصه" فأنا معكم ولست أقاتل" ا.هـ.

وليعلم أن خروج عبد الله بم يكن في محله ولا يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم له: "أطع أباك" [71] إذ من المعلوم أن النبي إنما أمره بطاعة أبيه فيما لا معصية فيه، وكانت طاعة عليّ في قتال معاوية واجبة إذ كان هو الخليفة الراشد الواجب طاعته كما تقدم، قال الله تعالى: {يأيُّها الذينَ ءامنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر منكم} [سورة النساء] وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" رواه أحمد [72].

فيُعلم مما تقدم أنّ سيدنا عليًّا كان الخليفة الراشد من أولي الأمر، وأن مَن خرج عليه وقاتله وقع في المعصية والظلم، وأنه وجب عليه التوبة والرجوع عن ذلك.




زيادة تفصيل في قتال معاوية لعلي:

قتال معاوية لعلي هو خروج عن طاعة الإمام كما سبق وذكرنا فيكون بذلك مرتكبًا للكبيرة، ويكفي لإثبات ذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري [73]: "ويح عمّار تقتله الفئة الباغية" في موضعين الاول في كتاب الصلاة في باب التعاون في بناء المساجد بلفظ: "ويح عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، ورواه في كتاب الجهاد والسير بلفظ: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار"، ورواه أيضًا ابن حبان في صحيحه [74] باللفظ الأول للبخاري، وقال عمار بعد أن قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك: "أعوذ بالله من الفتن". والحديث بروايتيه من أصح الصحيح. وهذا القدر: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية" من الحديث متواتر، ذكر ذلك الحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى [75] وغيره كالمناوي في شرحه على الجامع الصغير المسمى بفيض القدير [76].

وروى ابن حبان في صحيحه [77] عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقتل عمارًا الفئة الباغية"، وفيه [78] أيضًا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويح ابن سُمية تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، ورواية الطبراني [79] فيها زيادة وهي: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الحق".

فعمار الذي كان في جيش عليّ كان داعيًا إلى الجنة بقتاله مع علي، فعليٌّ داعٍ إلى الجنة بطريق الأولى والمقاتلون لعليّ دعاة إلى النار.

وعمار ما نال هذا الفضل إلا بكونه مع علي، فهو وجيشه دعاة إلى الجنة ومقاتلوهم دعاة إلى النار، ولقد قال عمار بن ياسر لما سمع بعض الناس يقولون كفر أهل الشام –أي المقاتلون لعلي-: "لا تقولوا كفر أهل الشام ولكن قولوا فسقوا أو أظلموا" رواه البيهقي [80] وابن أبي شيبة [81]، وزاد ابن أبي شيبة في إحدى رواياته [82]: "ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق فحقَّ علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه" ا.هـ.

وروى عمرو بن مرّة قال: سمعت عبد الله بن سلمة يقول: "رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخًا طوالاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد، فقال: "والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة ثم قال: والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أنَّا على الحق وهم على الباطل". أخرجه ابن سعد في الطبقات [83] والحاكم [84] وصححه.

ولا شك أن عمارًا رضي الله عنه مصيبٌ في قوله، وهو أحد السابقين الأولين من المهاجرين الذين أخبر الله أنه رضي الله عنه في قوله تعالى: {والسَّابقونَ الأوَّلونَ مِنَ المُهاجرينَ والأنصارِ والذينَ اتَّبَعوهم بإحسانٍ رضيَ اللهُ عنهم ورضوا عنه} [سورة التوبة]، وقد جاء في فضائله أحاديث كثيرة، وقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالطيب المطيب أخرجه الترمذي وابن ماجه [85] بإسناد حسن [86]. وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملئ عمار إيمانًا إلى مشاشه" أي إلى رءوس عظامه، رواه النسائي وغيره [87].

وروى ابن ماجه [88] عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمّار ما عُرضَ عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما".

وأخرج ابن حبان في صحيحه وغيره [89] عن خالد بن الوليد قال: "كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام فانطلق عمار يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجعل خالد لا يزيده إلا غلظة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، قال: فبكى عمار وقال: يا رسول الله ألا تسمعه، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إليَّ رأسه وقال: "من عادى عمارًا عاداهُ الله ومن أبغضهُ أبغضهُ الله"، قال فخرجت فما كان شئ أحب إلي من رضا عمار فلقيته فرضي"، ونقل الحافظ ابن حجر [90] الإجماع على أنه قتل في جيش علي بصفين سنة سبع وثمانين للهجرة.

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [91]: "فائدة: روي حديث: "تقتل عمارًا الفئة الباغية" جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة ءاخرين يطول عددهم. وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليًّا لم يكن مصيبًا في حروبه" ا.هـ.




المقاتلون لعليّ بغاة ءاثمون:

ثم إن وصف النبي لمعاوية وفئته الذين قاتلوا عليًّا بالبغي صريحٌ في أنهم ءاثمون، لأن البغي إذا أطلق في مقام الذم لا يكون إلا بمعنى التعدي الذي هو ظلم، فمن زعم أن الوصف بالبغي لا يستلزم الوقوع في المعصية فقد خالف مفهوم الكلمة من حيث اللغة، أما البغي بمعنى الطلب فهو متعدٍ بنفسه يقال: بغيت الشئ طلبته، والبغي اللازم الذي يتعدى بحرف الجرّ تصريفه بغى يبغي يقال: بغى فلان على فلان يبغي فهو باغ. ومثال المتعدي في القرءان قوله تعالى: {يبغونكم الفتنةَ} [سورة التوبة]، وهذا البغي المتعدي ورد للذم، ويأتي المزيد منه للمدح أيضًا قال تعالى: {يبتغونَ فضلاً منَ اللهِ ورِضوانًا} [سورة الفتح]، وورد بلفظ المصدر في القرءان في قوله تعالى: {إلا ابتغاءَ وجهِ ربِّهِ الأعلى} [سورة الليل]، أما البغي بمعنى التعدي فقد ورد في قوله تعالى: {فإنْ بَغَتْ إحداهُما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى} [سورة الحجرات]، وقد بيّن القرءان أن البغي اللازم معناه التعدي والخروج عن طاعة الله لقوله: {حتَّى تَفئَ إلى أمرِ الله} [سورة الحجرات]، لأن أمرَ الله هو طاعة الإمام، فمن قال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تقتله الفئة الباغية" ليس فيه ذم، فهو مخالف لما كان عليه عليّ ومعاوية كلاهما، لأن كلا منهما اتّهم الآخر بأن هذا الحديث فيه ودفعه عن نفسه، وما ذاك إلا لما فيه من ذم لتلك الفئة.

قال العلامة اللغوي ابن منظور في لسان العرب ما نصه [92]: "والبغي: التعدي، وبغى الرجل علينا بغيًا: عدل عن الحق واستطال" ا.هـ. ثم قال: "وقال الأزهري: معناه الكِبر، والبغي: الظلم والفساد" ا.هـ، ثم قال: "والفئة الباغية: هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: "ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية" ا.هـ.

روى ابن أبي شيبة في مصنفه [93] فقال ما نصه: "حدثنا هُشيم، عن جويبر، عن الضحاك [94] في قوله تعالى: {وإن طائفتانِ مِنَ المؤمنينَ افتتنوا فأصلِحوا بينَهُما فإن بغَتْ إحداهُما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئَ إلى أمرِ الله} [سورة الحجرات]، قال: بالسيف، قلت: فما قتلاهم؟ قال: شهداء مرزوقون، قال: قلت: فما حال الأخرى أهل البغي مَن قتل منهم؟ قال: إلى النار" ا.هـ.

وقال القرطبي [95] في حديث "ويح عمار": "وهو –أي هذا الحديث- من أثبت الأحاديث كما تقدم، ولما لم يقدر معاوية على إنكاره لثبوته عنده قال: إنما قتله من اخرجه، ولو كان حديثًا فيه شك لرده معاوية وأنكره وأكذب ناقله وزوره، وقد أجاب علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا قتل حمزة حين أخرجه، قال ابن دِحية: وهذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها" ا.هـ كلام القرطبي.

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [96]: "ودلَّ حديث: "تقتل عمارًا الفئة الباغية" على أن عليًّا كان المصيب في تلك الحرب لأن أصحاب معاوية قتلوه، وقد أخرج البزار بسند جيد عن زيد بن وهب قال: "كنا عند حذيفة فقال: كيف أنتم وقد خرج أهل دينكم يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف، قالوا: فما تأمرنا، قال: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها فإنها على الحق". وأخرج يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الزهري قال: لما بلغ معاوية غلبة عليّ على أهل الجمل دعا إلى الطلب بدم عثمان فأجابه أهل الشام، فسار إليه علي فالتقيا بصفين"، وقد ذكر يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب صفين في تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: "أنت تنازع عليًّا في الخلافة أو أنت مثله"، قال: لا، وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالامر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلومًا وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه، فأتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان، فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إلي، فامتنع معاوية، فسار علي في الجيوش من العراق حتى نزل بصفين، وسار معاوية حتة نزل هناك وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، فتراسلوا فلم يتم لهم أمر، فوقع القتال إلى أن قتل من الفريقين فيما ذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه نحو سبعين ألفًا، وقيل: كانوا أكثر من ذلك"، ا.هـ، ثم قال الحافظ: "وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي الرضا سمعت عمارًا يوم صفين يقول: "من سرَّه أن يكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبًا"، ومن طريق زياد بن الحارث: كنت إلى جنب عمار فقال رجل: كفر أهل الشام، فقال عمار: لا تقولوا ذلك نبينا واحد، ولكنهم قوم حادوا عن الحق فحقٌّ علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا" ا.هـ.

قال القرطبي في تفسيره ما نصه [97]: "فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن عليًّا رضي الله عنه كان إمامًا، وأن كل من خرج عليه باغٍ وأن قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى الصلح، لأن عثمان رضي الله عنه قُتل والصحابة بُرءاءُ من دمه، لأنه منع من قتال من ثار عليه وقال: لا أكون أوّل من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل، فصبر على البلاء، واستسلم للمحنة وفدى بنفسه الأمة. ثم لم يمكن ترك الناس سُدى، فعرضت على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشورى وتدافعوها، وكان عليّ كرّم الله وجهه أحق بها، فقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل، أو يتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل، فربما تغيّر الدين وانقض عمود الإسلام. فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم، فقال لهم عليّ رضي الله عنه: ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه. فقالوا: لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك تراهم صباحًا ومساء. فكان عليّ في ذلك أسدَّ رأيًا وأصوبَ قيلاً، لأن عليًّا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل وصارت حربًا ثالثة، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر وتنعقد البيعة، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم، فيجري القضاء بالحق.

ولا خلاف بين الامة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدّى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة. وكذلك جرى لطلحة والزبير، فإنهما ما خلعا عليًّا من ولاية ولا اعترضا عليه في ديانة، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى" ا.هـ.

وقال ملا علي القاري في شرح المشكاة ما نصه [98]: "[تقتلك الفئة الباغية] أي الجماعة الخارجة على إمام الوقت وخليفة الزمان، قال الطيبي: ترحم عليه بسبب الشدة التي يقع فيهما عمار من قبل الفئة الباغية يريد به معاوية وقومه فإنه قتل يوم صفين، وقال ابن الملك: اعلم أنّ عمارًا قتله معاوية وفئته فكانوا طاغين باغين بهذا الحديث لأنّ عمارًا كان في معسكر علي وهو المستحق للإمامة فامتنعوا عن بيعته، وحكي أن معاوية كان يؤول معنى الحديث ويقول: نحن فئة باغية طالبة لدم عثمان وهذا كما ترى تحريف إذ معنى طلب الدم غير مناسب هنا لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر الحديث في إظهار فضيلة عمار وذم قاتله لأنه جاء في طريق ويح، قلت: ويح كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيترحم عليه ويرثى له بخلاف ويل فإنها كلمة عقوبة تقال للذي يستحقها ولا يترحم عليه، هذا وفي الجامع الصغير برواية أحمد والبخاري عن أبي سعيد مرفوعًا: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار" وهذا كالنص الصريح في المعنى الصحيح المتبادر من البغي المطلق في الكتاب كما في قوله تعالى: {ويَنْهى عنِ الفَحشاءِ والمُنكرِ والبغي} [سورة النحل] وقوله سبحانه: {فإن بغَتْ إحداهُما على الأخرى} [سورة الحجرات] فإطلاق اللفظ الشرعي على إرادة المعنى اللغوي عدول عن العدل وميل إلى الظلم الذي هو وضع الشئ في غير موضعه. والحاصل أن البغي بحسب المعنى الشرعي والإطلاق العرفي خصص عموم معنى الطلب اللغوي إلى طلب الشر الخاص بالخروج المنهي فلا يصح أن يراد به طلب دم خليفة الزمان وهو عثمان رضي الله عنه. وقد حكي عن معاوية تأويل أقبح من هذا حيث قال: إنما قتله علي وفئته حيث حمله على القتال وصار سببًا لقتله في المآل، فقيل له في الجواب: فأذن قاتل حمزة هو النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان باعثًا له على ذلك والله سبحانه وتعالى حيث أمر المؤمنين بقتال المشركين. والحاصل أن هذا الحديث فيه معجزات ثلاث إحداها أنه سيقتل وثانيها أنه مظلوم وثالثها أن قاتله باغ من البغاة والكل صدق وحق" ا.هـ، ثم قال [99]: "قلت: فإذا كان الواجب عليه أن يرجع عن بغيه بإطاعته الخليفة ويترك المخالفة وطلب الخلافة المنيفة فتبين بهذا أنه كان في الباطن باغيًا وفي الظاهر متسترًا بدم عثمان مراعيًا مرائيًا فجاء هذا الحديث عليه ناعيًا وعن عمله ناهيًا، لكن كان ذلك في الكتاب مسطورًا فصار عنده كل من القرءان والحديث مهجورًا، فرحم الله من أنصف ولم يتعصب ولم يتعسف وتولى الاقتصاد في الاعتقاد لئلا يقع في جانبي سبيل الرشاد من الرفض والنصب بأن يحب جميع الآل والصحب" ا.هـ.

وقال المناوي في شرح الجامع الصغير ما نصه [100]: "[ويح عمار] بن ياسر [تقتله الفئة الباغية] قال البيضاوي: يريد به معاوية وقومه [يدعوهم إلى الجنة] أي إلى سببها وهو طاعة الإمام الحق [ويدعونه إلى] سبب [النار] وهو عصيانه ومقاتلته وقد وقع ذلك يوم صفين دعاهم فيه إلى الإمام ودعوه إلى النار وقتلوه" ا.هـ.

وقال في موضع ءاخر من شرحه على الجامع الصغير ما نصه [101]: "[ويح عمار] بالجر على الإضافة وهو ابن ياسر [تقتله الفئة الباغية] قال القاضي في شرح المصابيح: يريد به معاوية وقومه ا.هـ. وهذا صريح في بغي طائفة معاوية الذين قتلوا عمارًا في وقعة صفين وأن الحق مع عليّ وهو من الاخبار بالمغيبات [يدعوهم] أي عمار يدعو الفئة وهم أصحاب معاوية الذين قتلوه بوقعة صفين في الزمان المستقبل [إلى الجنة] أي إلى سببها وهو طاعة الإمام الحق [ويدعونه إلى] سبب [النار] وهو عصيانه ومقاتلته. قالوا وقد وقع ذلك في يوم صفين دعاهم فيه إلى الإمام الحق ودعوه إلى النار وقتلوه فهو معجزة للمصطفى وعلم من أعلام نبوته" ا.هـ.

وقد نقل الفقيه المتكلم أحد رءوس الأشاعرة القدماء ابن فورك في كتاب مقالات الأشعري كلام أبي الحسن الأشعري في أمر المخالفين لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ما نصه [102]: "وكان –أي الأشعري- يقول في أمر الخارجين عليه والمنكرين لإمامته إنهم كلهم كانوا على الخطإ فيما فعلوا، ولم يكن لهم أن يفعلوا ما فعلوا من إنكار إمامته والخروج عليه. وكان يقول في أمر عائشة رضي الله تعالى عنها إنها إنما قصدت الخروج طلبًا للإصلاح بين الطائفتين بها للتوسط في أمرهما، فاما طلحة والزبير فإنهما خرجا عليه وكانا في ذلك متأولين مجتهدين يريان ذلك صوابًا بنوع من الاجتهاد، وإن ذلك كان منهما خطأ وإنهما رجعا عن ذلك وندما وأظهرا التوبة وماتا تائبين مما عملا. وكذلك كان يقول في حرب معاوية إنه كان باجتهاد منه وإن ذلك كان خطأ وباطلاً ومنكرًا وبغيًا على معنى أنه خروج عن إمام عادل، فأمّا خطأ طلحة والزبير وفكان يقول إنه وقع مغفورًا للخبر الثابت عن النبي أنه حكم لهما بالحنة فيما روي في خبر بشارة عشرة من أصحابه بالجنة فيهم طلحة والزبير، وأما خطأ من لم يبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في أمره فإنه مجوّز غفرانه والعفو عنه" ا.هـ.

وهذا نص صريح من شيخ أهل السنة أبي الحسن الأشعري بأن مقاتلي عليّ عصوا، وأن طلحة والزبير تابا من ذلك جزمًا، وأما الآخرون فهم تحت المشيئة يجوز أن يغفر الله لمن شاء منهم. فبعد هذا لا يسوغ لأشعري أن يخالف كلام الإمام فيقول: إن معاوية وجيشه غيرُ ءاثمين مع الاعتراف بأنهم بغاة، وأما من قال إنهم مأجورون فأبعد من الحق.

وليعلم أن ما ذكر في بعض كتب الأشاعرة كالغزالي مما يخالف كلام الأشعري مردود لا يلتفت إليه.

وفي تعبير الإمام الأشعري عن حرب معاوية بأنه باطل ومنكر وبغي الحكم بأن ذلك معصية. وكلامه هذا بعيد من كلام أولئك الذين قالوا إن عمل هؤلاء الذين قاتلوا عليًّا يدخل تحت حديث: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر". لأن الاجتهاد الذي نصّ عليه الحديث هو الاجتهاد الذي يكون فيما لم يرد فيه نص صريح، ومسئلة مقاتلة الإمام الراشد كعلي معلوم حرمتها من عدة أحاديث كحديث: "من كره من أميره شيئًا فليصبر فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية" رواه مسلم وغيره.

قال الزركشي بعد كلام في شرحه على جمع الجوامع [103]: "هذا مع القطع بتخطئة مقاتلي عليّ وكل من خرج على من اتفق على إمامته، لكن التخطئة لا تبلغ إلى حد التفسيق عند القاضي أبي بكر، وقالت الشيعة بالتفسيق، ونسبه الآمدي لأكثر أصحابنا" ا.هـ. وقوله: "أصحابنا" يعني به الأشاعرة.

ولا نعتقد نحن أن الصحابي منهم فسق فسقًا يمنع قبول روايته للحديث، بل نعتقد أنهم كغيرهم ءاثمون بلا استثناء، والدليل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم للزبير رضي الله عنه: "إنك لتقاتلنه وأنت ظالم له" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، والأشعري في عبارته المذكورة لم ينف الإثم عن الذين قاتلوا عليًّا بل قال: إثم طلحة والزبير وقع مغفورًا بكونهما من المبشرين بالجنة بالتعيين، وقال عن خطإ غيرهما إنه مجوز غفرانه والعفو عنه.

فتبين أن تعبيره بالخطإ ليس معناه أنهما لم يعصيا إنما مراده أن إثمهما كان صادرًا عن خطإ في الرأي، ومثل هذا لا يدخل تحت حديث: "وضع عن أماي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" [104] لأن هذا الخطأ المذكور في هذا الحديث المراد به ما حصل بلا إرادة من فاعله كالذي ينطق بالقول المحرم الكفر وغيره من سبق لسان، والفعل الذي يكون على هذا الوجه كفعل من أراد أن يرمي إلى صيد فأصاب سهمه إنسانًا مسلمًا مؤمنًا فقتله. كما أن هذا لا يدخل تحت حديث: "إذا اجتهد الحاكم..." المتقدم ذكره، يمنع من ذلم قوله عليه الصلاة والسلام للزبير: "وأنت ظالم له"، ولا يخفى على القارئ أن الخطأ في عبارات العلماء يقع على معنيين: أحدهما مخالفة الصواب إن كان مما يؤدي إلى معصية أو إلى ما دونها، والثاني ما يحصل من الإنسان من قول أو فعل بلا إرادة كالذي يحصل من الرجل الذي أضلّ دابته ثم وجدها فقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح فسبق لسانه إلى ما لم يرده.

فالخطأ الذي أورده الإمام الأشعري من القسم الأول، أراد أن هؤلاء عصوا بدليل قوله في طلحة والزبير: "إنهما تابا"، فلا يشتبه عليك الامر يا طالب العلم.

ومما يدل على أن مراد الأشعري بتعبيره بالخطإ المعصية ما نقله عنه الفقيه ابن فورك في كتاب مقالات الأشعري ونصه [105]: "فصل ءاخر في إبانة مذهبه في أسماء الذنوب والمعاصي وقوله في الصغائر والكبائر: اعلم أنه كان يقول –أي الأشعري- إن معنى معصية الله سبحانه مخالفة أمره، وأن كل معصية ذنب وخطأ وخلاف لأمر الله تعالى" ا.هـ.

ولا ينبغي أن يفهم من كلام الأشعري من تعبيره بالخطإ في أمر معاوية أنه كان حصل منه ذلك باجتهاد الأئمة في استخراج المسائل من الكتاب والسنة على حسب أفهامهم، وذلك لأن سيدنا عليًّا رضي الله عنه قال: "إن بني أمية يقاتلونني يزعمون أني قتلت عثمان، وكذبوا إنما يريدون المُلك" رواه مسدد بن مُسَرْهد في مسنده [106] كما سيأتي، وكذلك قال سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنهما عن معاوية إن همه كان الدنيا ودعواه إلى الاخذ بدم عثمان إنما هو اتخذها ذريعة للوصول إلى الملك، ذكر ذلك الحافظ المجتهد ابن جرير الطبري كما سيأتي. ودعوى أن معاوي حصل منه ذلك على طريقة الاجتهاد المعروف بين الأئمة تخيلٌ لما هو مخالف للواقع، ويؤيد ذلك أنه لو كان الإمام الأشعري أراد بقوله معاوية اجتهد ذلك الاجتهاد الذي رفعت المؤاخذة عن المخطئ فيه لم يقل إن ما حصل منهم مجوّز الغفران، وهذا ظاهر لمن يفهم العبارات. وأي اجتهاد يثاب فاعله يؤدي إلى سفك دماء أكثر من عشرين ألف نفس فيهم أحد السبعة الذين أسلموا أوَّلاً وهو عمار كما أخرج ذلك ابن حبان في صحيحه وغيره، وفيهم من شهد له الرسول بأنه خير التابعين أويس القرني.

قال المؤرخ ابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب [107] عند ذكر وقعة صفين ما نصه: "والإجماع منعقد على إمامته –أي عليّ- وبغي الطائفة الأخرى ولا يجوز تكفيرهم كسائر البغاة، واستدلّ أهل السنة والجماعة على ترجيح جانب عليّ بدلائل أظهرها وأثبتها قوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: "تقتلك الفئة الباغية" وهو حديث ثابت. ولما بلغ معاوية ذلك قال: إنما قتله من أخرجه، فقال عليٌّ: إذًا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة لأنه أخرجه [108]، وهو إلزام لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها، وكان شبهة معاوية ومن معه الطلب بدم عثمان، وكان الواجب عليهم شرعًا الدخول في البيعة ثمّ الطلب من وجوهه الشرعية" ا.هـ.

وهذا من معاوية بحسب الظاهر لا بحسب الباطن، أما من ناحية جماعته فقد يكونون على ظن أنهم على حق. وإنما قلنا ذلك لما سبق من أن عليًّا قال: "إنما يريدون الملك".

قال القرطبي [109]: "والإجماع منعقد على أن طائفة الإمام طائفة عدل والأخرى طائفة بغي، ومعلوم أنَّ عليًّا رضي الله عنه كان الإمام" اهـ.

وأخرج البزار [110] بسند جيد عن زيد بن وهب قال: "بينما نحن حول حذيفة إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بين نبيكم فرقتين يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف، فقلنا: يا أبا عبد الله فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان قال: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر عليّ رضي الله عنه فالزموها فإنها على الهدى" ا.هـ. ومعنى هذا أن الأخرى على الباطل.

وقد ذكر الإمام الأصولي أبو الحسن سيف الدين الآمدي الشافعي في كتابه أبكار الأفكار [112] في الفصل التاسع فيما جرى بين الصحابة من الفتن والحروب أن كثيرًا من الشافعية قالوا بتفسيق من قاتل عليًّا ا.هـ، والآمدي وصفه التاج السبكي في كبقات الشافعية [113] بقوله: "الأصولي المتكلم، أحد أذكياء العالم" ا.هـ.

فبعد هذا كيف يصح أن يقال: إن معاوية اجتهد فأخطأ فنثبت له أجر الاجتهاد، وكيف يكون مجتهدًا مأجورًا وفي حديث البخاري المتقدم: "ويدعونه إلى النار"، أليس كلامهم مخالفًا لقول عمار المتقدم: "ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا" كيف يجتمع الظلم في مرتبة واحدة مع الأجر والثواب ويكون الظالم مأجورًا مثابًا، وأشد بعدًا عن الحقيقة قول من قال: لا ملامة عليهم، وما هذا عند النظر إلى الحقيقة إلا تعاميًا عن الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب.




مراد معاوية من القتل

ثم ليعلم أن معاوية كان قصده من هذا القتال الدنيا، فلقد كان به الطمع في الملك وفرط الغرام في الرئاسة، فلما وصل إلى الخلافة وصار ملك مصر وغيرها تحت يده كفّ عن المطالبة بدم عثمان وهو ما اتخذه حجة للخروج على عليّ وقتاله وأكثر المتهمين من أهل مصر والكوفة والبصرة كلهم تحت حكمه وغلبته كما ذكر القرطبي في التذكرة [113]. روى أبو داود في سننه [114] عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله المُلك" أو: "ملكه من يشاء".

قال سعيد: قال لي سفينة: "أمسك عليك أبا بكر سنتين، وعمر عشرًا، وعثمان اثنتي عشر، وعليًا كذا، قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليًّا عليه السلام لم يكن بخليفة، قال: كذبت أسْتاه بني الزرقاء يعني مروان" ا.هـ.

وروى هذا الحديث أيضًا الحاكم [115] والبيهقي بنحوه [116] وذكر أن خلافة علي كانت ست سنوات.

وروى أحمد [117] في المسند والبيهقي [118] والطيالسي [119] واللفظ لأحمد عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكًا عاضًّا..." الحديث، وفي رواية: "عضوضًا" [120]. أي ظلومًا.

وحديث أبي داود المتقدم أخرجه أيضًا الترمذي [121] وحسنه، وأبو نعيم [122] بنحوه عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة"، وعند أحمد بلفظ: "الخلافة ثلاثون عامًا ثم يكون بعد ذلك الملك" [123]. وأخرج البيهقي [124] عن أبي بكرة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلافة النبوة ثلاثون عامًا ثم يؤتي الله المُلك من يشاء"، فقال معاوية: "قد رضينا بالمُلك".

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري [125] ما نصه: "وقد ذكر يحيى بن سليمان الجُعفي أحد شيوخ البهاري في "كتاب صفين" في تأليفه بسند جيد، عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: "أنت تنازع عليًا في الخلافة أوأنت مثله؟ قال: لا، وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلومًا، وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه، فأتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان. فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إليّ فامتنع معاوية، فسار علي في الجيوش من الهراق ختى نزل بصفين" ا.هـ. وروى مسدد [126] في مسنده عن عبد الله بن أبي سفيان أن عليًّا قال: "إن بني أمية يقاتلونني، يزعمون أني قتلت عثمان وكذبوا إنما يريدون المُلك، ولو أعلم أن يذهب ما في قلوبهم أني أحلف لهم عند المقام والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله لفعلت، ولكن إنما يريدون المُلك، وإني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله عز وجل: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ} [سورة الحجر] الآية"، وروى نحوه سعيد بن منصور في سننه [127].

قال ابن كثير في البداية والنهاية [128] ما نصه: "وهذا مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قتله أهل الشام. وبان وظهر بذلك سرّ ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليًّا محقّ وأن معاوية باغ، وما في ذلك من دلائل النبوة" ا.هـ.

قال ابن الأثير في الكامل [129] نقلاً عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال يوم صفين: "من يبتغي رضوان الله ربه ولا يرجع إلى مال ولا ولد؟ فأتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء الذين يطلبون دم عثمان، والله ما أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها، ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: إمامنا قُتل مظلومًا، ليكون بذلك جبابرة ملوكًا، فبلغوا ما ترون، فلولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان. اللهم إن تنصرنا فطالما نصرتَ، وإن تجعل لهم الأمر فادّخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم" ا.هـ.

ومما يدل على ما قدمنا أن معاوية سعى قبل موته في استخلاف ابنه يزيد، وذلك مع وجود من هو أهل لتلك الخلافة من الصحابة كالحسين بن علي وابن الزبير فليراجع ما ذكره الحافظ ابن حجر في ذلك [130].

قال الطبري في تاريخه [131] ما نصه: "وكان عهده –أي معاوية- الذي عهد ما ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف قال: حدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة أن معاوية لما مرض مرضته التي هلك فيها دعا يزيد ابنه فقال: يا بني إني قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جمع واحد، وإني لا أتخوّف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتب لك إلا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن ابي بكر. فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك، وأما الحسين بن علي فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحمًا ماسّة وحقًّا عظيمًا، وأما ابن أبي بكر فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئًا صنع مثلهم ليس له همة إلا في النساء واللهو. وأما الذي يجثم لك جثوم الاسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إربًا إربًا" ا.هـ. وفي رواية أخرى أن يزيد كان غائبًا فأوصى له بذلك.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية [132] ما نصه: "محمد بن سيرين قال: لما أراد معاوية أن يستخلف يزيد بعث إلى عامل المدينة أن أوفد إليَّ مَن شاء، قال: فوفد إليه عمرو بن حزم الأنصاري يستأذن، فجاء حاجب معاوية يستأذن، فقال: هذا عمرو قد جاء يستأذن. فقال: ما جاء بهم إليَّ قال: يا أمير المؤمنين يطلب معروفك فقال معاوي: إن كان صادقًا فليكتب إليَّ فأعطيه ما سأله ولا أراه، قال: فخرج إليه الحاجب فقال: ما حاجتك اكتب ما شئت، فقال: سبحان الله أجيء إلى باب أمير المؤمنين فأُحجب عنه، أُحبُّ أن ألقاه فأكلمه، فقال معاوية للحاجب: عده يوم كذا وكذا، فإذا صلى الغداة فليجئ، قال: فلما صلّى معاوية الغداة أمر بسريره فجعل في الإيوان ثم يخرج الناس عنه فلم يكن عنده إلا كرسي وضعَ لعمرو، فجاء عمرو فاستأذن فأذن له فسلّم عليه ثم جلس على الكرسي فقال له معاوي: حاجتك؟ قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لعمري لقد أصبح يزيد بن معاوية واسط الحسب في قريش غنيًّا عن المال غنيًّا عن كل خير وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى لم يسترع عبدصا رعية إلا وهو سائله عنها يوم القيامة كيف صنع فيها" وإني أذكرك الله يا معاوية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من تستخلف عليها قال: فأخذ معاوية ربٌ ونفس في غداة قرٍّ حتى عرق وجعل يمسح العرق عن وجهه مليًّا ثم أفاق فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فغنك امرؤ ناصح قلت برأيك بالغًا ما بلغ، وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم فابني أحقّ من أبنائهم، حاجتك؟ قال: ما لي حاجة، قال: قم، فقال له أخوه: إنما جئنا من المدينة نضرب أكبادها من أجل كلمات، قال: ما جئت إلا للكلمات، قال: فامر لهم بجوائزهم وأمر لعمرو بمثلها. "لأبي يعلى [133]" ا.هـ.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري [134] ما نصه: "وأخرج أبو بكر بن أبي خيثمة بسند صحيح إلى جويرية بن أسماء: سمعت أشياخ المدينة يتحدثون أن معاوية لما احتضر دعا يزيد فقال له: إن لك من أهل المدينة يومًا فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإني عرفت نصيحته، فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة فأكرمهم وأجازهم، فرجع فحرّض الناس على يزيد وعابة ودعاهم إلى خلع يزيد فاجابوه، فبلغ يزيد فجهز إليهم مسلم بن عقبة، فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة، فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم، فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير وذلك أنّ بني حارثة أدخلوا قومًا من الشاميين من جانب الخندق، فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفًا على أهلهم، فكانت الهزيمة وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس على أنهم خَوَلٌ ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم بما شاء" ا.هـ.

قلت: وفي سند الطبري المتقدم أبي مخنف وهو متكلم فيه، والعمدة في نقلنا على الروايات الصحيحة الثابتة التي أوردها الحافظ ابن حجر.

وروى ابن حبان [135] في صحيحه فقال ما نصه: "أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان عن الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: سمعت عبد الله بن عمر يحدّث في ظل الكعبة قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمنّا من ينتضل ومنّا مَن هو في جشره ومنا مَن يصلح خباءه، إذ نودي بالصلاة جامعة فاجتمعنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: "لم يكن قبلي نبي إلا كان حقًا على الله أن يدلّ أمته على ما هو خير لهم وينذرهم ما يعلم أنه شر لهم، وإن هذه الامة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب ءاخرها بلاء فتجيء فتنة، فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تجيء فيقول هذه مهلكتي ثم تنكشف، فمَن أحب منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومَن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه ما استطاع" قال: قلت: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا ونهريق دماءنا وقال الله: {يأيُّها الذينَ ءامنوا لا تأكُلوا أموالكم بينكم بالباطل} [سورة النساء] وقال: {ولا تقتلوا أنفُسَكم} [سورة النساء] قال: ثمّ سكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله" ا.هـ.

وقال القرطبي في التذكرة ما نصه [136]: "فصل: فإن قيل فلِمَ ترك علي القصاص من قتلة عثمان؟ فالجواب إنه لم يكن وليّ دم، وإنما كان أولياء الدم أولاد عثمان وهم جماعة: عمرو وكان أسن ولد عثمان، وأبان وكان محدثًا فقيهًا وشهد الجمل مع عائشة والوليد بن عثمان، وكان عنده مصحف عثمان الذي كان في حجره حين قتل، ومنهم الوليد بن عثمان. ذكر ابن قتيبة في المعارف أنه كان صاحب شارب وفتوة، ومنهم سعيد بن عثمان وكان واليًا لمعاوية على خرسان، فهؤلاء بنو عثمان الحاضرون في ذلك الوقت، وهم أولياء الدم دون غيرهم ولم يتحاكموا إليه لحكم بينهم إذ كان أقصى الصحابة للحديث المروي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجواب ثان: أنه لم يكن في الدار عدلان يشهدان على قاتل عثمان بعينه، فلم يكن له أن يقتل بمجرد دعوى في قاتل بعينه، ولا إلى الحكم في سبيل ذلك مع سكوت أولياء الدم عن طلب حقهم، ففي تركهم له أوضح دليل، وكذلك فعل معاوية حين تمت له الخلافة وملك مصر وغيرها بعد أن قتل علي رضي الله عنه لم يحكم على واحد من المتهمين بقتل عثمان بإقامة قصاص، وأكثر المتهمين من أهل مصر والكوفة والبصرة وكلهم تحت حكمه وأمره ونهيه وغلبته وقهره، وكان يدّعي المطالبة بذلك قبل ملكه ويقول: لا نبايع من يؤوي قتلة عثمان ولا يقتص منهم، والذي كان يجب عليه شرعًا أن يدخل في طاعة علي رضي الله عنه حين انعقدت خلافته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهبط وحيه ومقر النبوة وموضع الخلافة بجميع من كان فيها من المهاجرين والأنصار بطوع منهم وارتضاء واختيار، وهم أمم لا يحصون وأهل عقد وحل، والبيعة تنعقد بطائفة من أهل الحل والعقد، فلما بويع له رضي الله عنه طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان، وأخذ القود منهم، فقال لهم علي عليه السلام: ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه، فقالوا لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك نراهم صباحًا ومساء، وكان علي في ذلك أسدّ رأيًا وأصوب قيلاً، لأن عليًّا لو تعاطى القود معهم لتعصب لهم قبائل وصارت حربًا ثالثة، فانتظر بهم إلى أن يستوثق الامر وتنعقد عليه البيعة ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم فيجري القضاء بالحق" ا.هـ.

فلينظر إلى قوله عن معاوية: "وأكثر المتهمين –أي بقتل عثمان- من أهل مصر والكوفة والبصرة وكلهم تحت حكمه وأمره ونهيه وغلبته وقهره، وكان يدعي المطالبة بذلك قبل ملكه، ويقول لا نبايع من يؤوي قتلة عثمان ولا يقتص منهم" فيظهر بذلك مراد معاوية من خروجه على علي وهو في الحقيقة الملك والدنيا وليس المطالبة بدم عثمان لأنه بعد أن استتب له الملك لم يقتلهم.

وقال الطبري [137]: "وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن الأعمش، عن أبي وائل قال: كنت مع مسروق بالسلسلة، فمرّت عليه سفينة فيها أصنام ذهب وفضة بعث بها معاوية إلى الهند تُباع، فقال مسروق: لو أعلم أنهم يقتلوني لغرَّقتها ولكني أخشى الفتنة" ا.هـ.

قال القرطبي في كتابه التذكرة [138] ما نصه: "روى ابن وهب عن مالك قال: تهجر الأرض التي تصنع فيها المنكر جهارًا ولا يستقر فيها، واحتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالرباء فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها. خرَّجه أهل الصحيح" ا.هـ.

وعن بحير، عن خالد قال: "وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان، فقال معاوية للمقدام: أعلمت أنّ الحسن بن علي توفي؟ فرجع المقدام، فقال له رجل: أتراها مصيبة؟ قال له: ولمَ لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال: "هذا مني وحسين من علي"، فقال الأسدي: جمرة أطفأها الله عز وجل، قال: فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره ثم قال: يا معاوية إن أنا صدّقت فصدقني، وإن أنا كذبت فكذبني، قال: افعل، قال: فأنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب؟ قال: نعم، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم، قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية، فقال معاوية: قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام". رواه أبو داود في السنن [139].

وروى الحاكم في المستدرك [140] من طريق إسماعيل بن عليّة، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين "أن زيادًا أطال الخطبة، فقال حُجر بن عدي: الصلاة، فمضى في خطبته، فقال له: الصلاة، وضرب بيده إلى الحصى وضرب الناس بأيديهم إلى الحصى، فنزل فصلى ثم كتب فيه إلى معاوية، فكتب معاوية أن سرّح به إليّ فسرحع إليه فلما قَدِمَ عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين قال: وأمير المؤمنين أما إني لا أقيلك ولا أستقيلك، فأمر بقتله، فلما انطلقوا به طلب منهم أن يأذنوا له فيصلي ركعتين فأذنوا به فصلى ركعتين ثم قال: لا تطلقوا عني حديدًا ولا تغسلوا عني دمًا وادفنوني في ثيابي فإني مخاصم، قال: فقتل [141]" ا.هـ.

قال ابن عبد البر [142] في الاستيعاب في معرفة الأصحاب ما نصه: "كان حُجر من فضلاء الصحابة". ثم روى أيضًا عن ابن سيرين أنه كان سُئل عن الركعتين عند القتل قال: "صلاهما خُبيب وحُجر وهما فاضلان". ثم قال أيضًا: "قال أحمد: قلت ليحيى بن سليمان: أبلغَك أنّ حجرًا كان مستجابالدعوة، قال: نعم، وكان من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" ا.هـ.

قال الذهبي ما نصه [143]: "ابن أبي أويس، عن أبيه، عن الوليد بن داود بن محمد بن عُبادة بن الصامت عن ابن عمه عبادة بن الوليد، قال: كان عبادة بن الصامت مع معاوية، فأذَّنَ يومًا فقام خطيبٌ يمدح معاوية ويُثني عليه، فقام عُبادة بتراب في يده فحثاه [144] في فم الخطيب، فغضب معاوية، قال له عُبادة: إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وأثرة علينا، وألا نُنازع الأمر أهله، وأن نقومَ بالحق حيثُ كنا لا نخاف في الله لومة لائم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم المداحينَ، فاحثوا في أفواههم التراب" ا.هـ.

روى النسائي [145] عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عباس بعرفات فقال: ما لي لا أسمع الناس يلبون؟ قلت: يخافون من معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك فإنهم قد تركوا السُّنة من بغض علي".

وما يروى في معاوية من الفضائل فإنه لم يصح منه شيء، فقد قال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري [146]: "تنبيه: عبَّر البخاري في هذه الترجمة بقوله "ذكر" ولم يقل فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب، لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير، وقد صنّف ابن أبي عاصم جزءًا في مناقبه وكذلك أبو عمرو غلام ثعلب وأبو بكر النقاش، وأورد ابن الجوزي [147] في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثمّ ساق عن إسحاق بن راهويه –شيخ البخاري [148]- أنه قال: لم يصح في فضائل معاوية شئ، فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتمادًا على قول شيخه. وأخرج ابن الجوزي [149] أيضًا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألتُ أبي ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: اعلم أن عليًّا كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه له عيبًا فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجلٍ قد حاربه فاطروه كيادًا منهم لعليّ، فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له. وقد وردَ في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله أعلم" ا.هـ.

قلت: وقوله: "ليس فيها ما يصح" معناه ليس فيها ما هو صحيح ولا حسن وليس كما ادعى بعض الأدعياء أنه لم ينف أن يكون فيها حسن وهذا لا يقوله متمرّس إلا جاهل بصناعة الحديث.

قال المؤرخ عبد الحي بن العماد الحنبلي [150] في ترجمة النسائي ما نصه: "قال ابن خلكان [151]: قال محمد بن إسحاق الاصبهاني: سمعت مشايخنا بمصر يقولون: إنّ أبا عبد الرحمن فارق مصر في ءاخر عمره وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روي من فضائله فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسًا برأس حتى يفضّل، وفي رواية: ما أعرف له فضيلة إلا: "لا أشبع الله بطنه" [152] وكان يتشيّع، فما زالوا يدافعونه في خصيتيه وداسوه ثم حُمل إلى مكة فتوفي بها وهو مدفون بين الصفا والمروة. وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس فهو مقتول، وكان صنّف كتاب الخصائص في فضل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل البيت، وأكثر روايته فيه عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فقيل له: ألا صنفت في فضل الصحابة رضي الله عنهم كتابًا، فقال: دخلت دمشق والمنحرف عن عليّ كثير فأردت أن يهديهم الله بهذا الكتاب، وكان إمامًا في الحديث ثقة ثبتًا حافظًا" ا.هـ. كلام ابن العماد.

وذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة النسائي [153] أنه قال: "دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله، ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة فقيل له: ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شئ أخرج؟ حديث: "اللهم لا تشبع بطنه". فسكت السائل". ا.هـ.

وأما اتهامهم له بالتشيّع فليس صحيحًا إذ أنهم اتهموه بذلك لقوله: لم يصح في فضائل معاوية إلا: "لا أشبع الله بطنه"، ولأنه الف في فضل علي ولم يصنف في مناقب غيره بالتخصيص، والصواب أنه إنما قال: لم يصح في فضائل معاوية إلا: "لا أشبع الله بطنه" لأن الحقيقة هي هذا، وليس هو أوّل قائل لهاذ بل سبقه إلى هذا كما سبق وذكرنا شيخ البخاري إسحاق بن راهويه، وهو إنما صنف في مناقب علي ولم يصنف في مناقب غيره بالتخصيص لما بيّنه بقوله: "دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله".




بيان أن قتال معاوية للإمام علي ليس اجتهادًا معتبرًا:

فإن قيل: أليس قتال معاوية لعليّ يدخل في باب الاجتهاد؟

فالجواب: أن الاجتهاد لا يكون مع النص القرءاني أو الحديثي ولا مع إجماع العلماء إنما الاجتهاد مع الظاهر، أي إذا كان الدليل يحتمل وجهين أحدهما أظهر من الآخر، وقتال معاوية لعلي فيه مخالفة للنص الحديثي، فلا يكون هذا الامر اجتهادًا مقبولاً، ولا يجوز حمله على الاجتهاد الشرعي الذي هو بذل المجتهد وسعه في استخراج الحكم من الكتاب والسنة كاجتهاد الأئمة الأربعة، فإنه لا يطلق عليهم الوصف بالبغي إذا خالف أحدهم الآخر في الاجتهاد.

ففي الحديث الصحيح: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، دلالة على أن الرسول سمّاهم فئة باغية. وقد روى هذا الحديث أربعة وعشرون صحابيًا منهم معاوية وعمرو بن العاص، قال الحافظ ابن حجر [154]: "روى حديث: "تقتل عمارًا الفئة الباغية" جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم وأمّ سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليَسَر وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة ءاخرين يطول عدّهم، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعمار وعلي وردّ على النواصب الزاعمين أن عليًّا لم يكن مصيبًا في حروبه" ا.هـ.

فكيف يكون بعد هذا اجتهاد مع النص؟!

ومن الشطح الذي وقع فيه بعض الفقهاء أنهم بعد ذكرهم لهذا الحديث يقولون: إن عليًّا اجتهد فاصاب فله أجران، وإن معاوية اجتهد فأخطأ فله أجرٌ كما قال صاحب كتاب الزبد:

وما جرى بين الصحاب نسكت *** عنه وأجر الاجتهاد نثبت

وقال اللقانيُّ:

وأوِّلِ التشاجرَ الذي وردْ *** إن خضتَ فيه واجتنبْ داءَ الحسد

أقول: المنصف المتأمل في الامر لا يشك أن عليًّا وعمارًا رضي الله عنهما بحقيقة معاوية في قتاله أمير المؤمنين، فكيف ساغ لصاحب الزبد أن يقول ما ذكرناه مع قوله:

ولم يجز في غير محض الكفر *** خروجنا على ولي الامر

أليس هذا ظاهر التناقض.

كذلك ما في كتاب المكتوبات المنسوبة للشيخ أحمد الفاروقي السرهندي شيخ النقشبندية، وهذا الكتاب تعريب من بعض الناس لأن السرهندي ألف باللغة الفارسية فيحتمل أن يكون التحريف من الذي عرَّب الكتاب ولفظ العبارة "فلا ملامة عليه"، وكذلك ما أبشع كلام محمد سعيد البوطي حيث قال في كتابه "هذه مشكلاتهم" [ص/161] عن الذين خرجوا على عليّ: "المنزلقات التي سبق إليها كثير من المسلمين في مهب الفتنة باجتهاد وقصد سليم"، ويقول عن خروج طلحة والزبير على عليّ: "بل ليس في الأمر معصية قط"، ويقول: "إن خروجهما على علي ليس مصادمًا لنص صريح في كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع" ويقول: "فهي تدخل في زمرة الأمور الاجتهادية".

فتبين بما مضى أنّ معاوية لم يكن مجتهدًا في قتاله وإنما كان يريد الوصول للملك، ولا شك أنّ عليًّا وعمارًا رضي الله عنهما أعرف بحقيقة معاوية من كثير من المؤلفين الذين يقولون اجتهد فأخطأ فلا يأثم. وهذا تحسين ظنّ في غير محله، وكيف يصح قولهم وقد جاء في الصحيح: "من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية" [155]، وصح أيضًا: "من خلع يدًا من طاعة لقيَ الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" [156]، فالجزء الثاني من الحديث ينطبق على كل من قاتل عليًّا ولم يتب من ذلك.

هذا مع ما قدمنا من قول عمار بن ياسر الذي رواه البيهقي: "لا تقولوا كفر أهل الشام ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا" وفي رواية ابن أبي شيبة [157]: "ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق فحقّ علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه".

أقول: ولا يخفى على مثل عمار أن المجتهد إذا أخطأ في اجتهاده لا يقول عنه مجتهد ءاخر فسق وظلم.

وفي الحديث الذي رواه الحاكم [158] عن تراجع الزبير عن قتال علي بعدما ذكّره بكلام النبي: "لتقاتلنه وأنت ظالم له" دليل واضح على أنّ الذين قاتلوا عليًّا لا يقال فيهم اجتهدوا فلا إثم عليهم، لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الزبير اولى بأن يكون معذورًا غير مأثوم لمخالفته عليًّا بنكث العهد أي عهد البيعة، وهو أحد السابقين الاوّلين وأحد العشرة المبشرين بالجنة، فإذا كان أمر الزبير هكذا أي أنه أثم بخروجه على علي فما بال معاوية، وهذا يدل على أن الاجتهاد لا يكون مع النص.

فكيف يصحّ أن يقال عن معاوية وجيشه إنهم مأجورون غير ءاثمين مع وصف الرسول لمعاوية وجيشه بأنهم دعاة إلى النار بقوله: "يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار".

وقال أيضًا لهم: أما رأيتم أو قرع سمعكم حديث مسلم [159]: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" ألا ينطبق هذا الحديث إن أنصفتم على معاوية، ومعاوية الذي طلب الإمارة خارج على أمير المؤمنين علي الذي ثبتت بيعته بمبايعة المهاجرين والأنصار وغيرهم.

فإن قيل: كيف يجوز تسمية جيش معاوية بغاة أو كيف يقال إنهم عصوا وفيهم صحابة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الصحابة"، وقال أيضًا: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا".

فالجواب: أن الحديث الذي رواه مسلم وغيره [160]: "لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه"، هو في طائفة خاصة من الصحابة لأن المخاطبين صحابة والمتكلم عنهم صحابة فلما قال: "أحدكم" علم أن الذين حذر من إيذائهم وسبّهم غير الذين كانوا معه عند ذكر الحديث، وإلا لزم اتحاد المخاطب والمتكلم عنه، وهذا كلام ركيك لا يصدر من أفصح خلق الله. ويبين ذلك سبب الحديث وهو أن خالد بن الوليد سبّ عبد الرحمن بن عوف، فمعنى الحديث أن خالدًا أو غيره من الذين ليس لهم تلك السابقية في الفضل بينهم وبين من كان من أهلها كعبد الرحمن بن عوف هذا الفرق العظيم وهو أن مُدَّ أحد هؤلاء أفضل عند الله من أن يتصدق الآخرون بمثل جبل أحد ذهبًا. ومَن ظن أن هذا لعموم الصحابة فقد جهل الحقيقة وخبط خبط عشواء.

فيعلم من هذا أنه لم يكن مراد النبي بقوله: "أصحابي" جميع أصحابه لأنه كان يخاطب بعضًا منهم وإنما مراده من كان مثل عبد الرحمن بن عوف وعليّ بن أبي طالب من السابقين الأوّلين من المهاجرين والسابقين الأولين من الأنصار وهؤلاء لا يدخل فيهم خالد بن الوليد الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم: "سيف الله" ولا معاوية بن أبي سفيان.

ثم إنّ الذي لم يطبّق هذا الحديث هو معاوية فقد ثبت وصحّ عنه أنه كان يأمر بسبّ عليّ، روى مسلم في صحيحه [161] ما نصه: "عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدًا فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثًا قالهنّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، خلَّفَهُ في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي". وسمعته يقول يوم خيبر: "لأعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي عليًّا" فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: {فقُلْ تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم} [سورة ءال عمران] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي" ا.هـ.، ورواه أيضًا النسائي [162].

فالذي يسبّ عليًّا ويبغضه ولا يحبه يكون مرتكبًا كبيرة وأية كبيرة فقد روى النسائي [163] والحاكم [164] حديث: "مَنْ سبَّ عليًّا فقد سبّني"، وروى مسلم [165] والترمذي [166] والنسائي [167] وأبو نعيم في الحلية [168] وأحمد [169] والخطيب البغدادي [170] وءاخرون أن عليًّا رضي الله عنه قال: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق" ا.هـ. وعن أم سلمة رفعته [171]: "لا يحب عليًّا منافق ولا يبغضه مؤمن".

وكذلك كان الحال في عهد خلفاء بني أمية بعد معاوية من الأمر بسبّ علي إذا استثني التابعي الجليل عمر بن عبد العزيز، فإنه هو الذي منع سبّ سيدنا علي بعد أن كان يُسب على المنابر كذا في تاريخ الخلفاء [172] للسيوطي وفي كتاب مناقب عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي.

ونقل الحافظ ابن حجر [173] أن معاوية أرسل بُسر بن أرطأة إلى اليمن لينظر من كان في طاعة علي فيوقع بهم، ففعل بمكة والمدينة واليمن أفعالاً قبيحة، وهذه سيرته المتواتر من إيذاء من كان مع علي رضي الله عنه.

وأما الذي يقول: إن الذين قاتلوا عليًّا بغاة أو يقول في مقاتلي علي من أهل صفين دعاة إلى النار أو إنهم عصوا، فلا يعدّ واقعًا في المحظور الذي ينهى عنه النبي بقوله: "لا تسبوا أصحابي" فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سمّى مَن قاتل عليًا في وقعة صفين بغاة وهو الذي قال فيهم: دُعاة إلى النار، فليعلم ذلك.

تنبيه: ليس من سب الصحابة القول إن مقاتلي علي منهم بغاة، لان هذا مما صرح به الحديث بالنسبة لبعضهم وهم أهل صفين، فلا يعدُّ ذكر ما جاء في حديث البخاري وغيره سبًّا للصحابة إلا من بَعُدَ عن التحقيق العلمي، فليُتَفطن لذلك.

وأما من يعارض حديث عمار المتواتر بمثل ما رُوي أنه صلى الله عليه قال: "إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا" [174] فهو بعيد من التحقيق بُعدًا كبيرًا لأن هذا ضعيف فكيف يُحتج به في معارضة حديث ثابت متواتر؟! ومعناه: أمسكوا عمّا لا يجوز ذكرهم به، ولو لم يكن كذلك لما قال عمار بن ياسر فيهم تلك المقالة التي رواها البيهقي وابن أبي شيبة والتي سبق ذكرها وفيها أنه قال في أهل الشام: "فسقوا أو ظلموا" يعني الذين قاتلوا عليًّا.

وهذا الحسن البصري [175] الذي قيل فيه إنه سيد التابعين وإن كنا نقول إن سيد التابعين أويس القرني أخذًا بحديث مسلم فإنه قال لما مات عمرو بن العاص وهو يردد لا إله إلا الله: "كيف إذا جاء بلا إله إلا الله وقد قتل أهل لا إله إلا الله" ا.هـ.

فلا يدخل تعليم مضمون حديث عمار وما أشبهه للناس وبيانه تحت قول الرسول في الحديث الآخر الذي رواه الترمذي وابن حبان [176]: "الله الله في أصحابي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" كما ظنَّ ذلك بعض من لا تمييز له، ليس معنى النهي عن سبّهم –أي الصحابة- إلا ما يكون على وجه الجملة. فالسبّ الجُمليُّ هو المنهي عنه، أما بيان حال بعض منهم بما فيه من ذمّ له لغرض شرعي فليس داخلاً تحت النهي، ويشهد لذلك حديث مسلم وأبي داود [177] أن رجلاً خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت". فتبين أن ذكر بعض منهم بما فيه مما يسوؤه لو سمع لغرض شرعي لا يدخل تحت النهي فليعلم ذلك من لا تمييز له. ولا يظنّ ظانّ أن قول بعض المحدثين في كتب الاصطلاح: "الصحابة كلهم عدول" معناه أن كلاً منهم سالم من الكبيرة، وهذا بعيد من الصواب لأن منهم من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول [178]: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" ثم قاتل معاوية فكان قاتِل عمار بن ياسر، ثم كان يتبجح بذلك ويقول لمّا يأتي إلى أبواب بني أمية: "قاتل عمار بالباب"، فهل يحكم لهذا بأنه عدل بمعنى أنه سالم من الكبائر، إنما معنى قول أولئك المحدثين أنهم لا يُتهمون بالكذب على الرسول فيما يروونه من الأحاديث عنه، أليس قتل عمار من أفسق الفسق فقد خالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمعه منه، وهذا الغادر هو أبو الغادية الجهني.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح الحديث الذي فيه قصة حاطب بن أبي بَلتعة ما نصه [179]: "وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب" ا.هـ.

وقال فيه أيضًا ما نصه [180]: "الذنوب تقع منهم –من أهل بدر- لكنها مقرونة بالمغفرة تفضيلاً لهم على غيرهم" ا.هـ.

فإن قيل: أليس في قول عمار بن ياسر في أهل الشام تعارض مع الحديث الذي رواه الحاكم "فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإنّ فيهم الأبدال" [181].

فالجواب: أن مراد عمار بن ياسر ليس جميع أهل الشام بل مراده معاوية وجيشه، وهم ليس فيهم من هو بهذه الصفة، على أنّ هذا الحديث لم يصح مرفوعًا.

فإن قيل: أليس اتفق المحدثون على أنّ الصحابة عدول.

فالجواب: أن المحدثين قالوا بعدالة الصحابة في الرواية لأنّ الواحد منهم لا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا على معنى أنهم كلهم أتقياء صالحون، فقد صحّ في الحديث الذي رواه أحمد [182] وابن حبان [183] وغيرهما أن الرسول قال في رجل من أهل الصُّفة لما مات فوجدوا في شملته دينارين فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كيّتان". وفضل أهل الصفة معروف، فهذا لإخفائه دينارين عن الناس وإظهار الفاقة قال الرسول فيه ما قال، ومع ذلك فله فضل باعتبار أنه من أهل الصفة.

ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع أحدٌ من أصحابي في ذنب ولا يعذب أحدٌ منهم في قبره، بل جاء في الحديث الصحيح ما يدلُّ على خلاف هذا، فقد روى البخاري [184] وغيره أنه قال في خادم له يقال له كركرة كان موكولاً إليه ثقلُ النبيّ في بعض غزواته: "إنه في النار"، وكان قد غلّ شملة أخذها من الغنيمة ثم أصابه سهم فقتله، ورجل ءاخر [185] يقال له مِدعم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القُرى ومعه عبد له يقال مدعم أهداه له أحد بني الضباب، فبينما هو يحُط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عاثر حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئًا له بالشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم يُصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا". وكان فيهم من شرب الخمر مرات عديدة ثمّ أقيم عليه الحد كل مرة. وكان فيهم مَن أقيم عليه حد الزنى. وهذا المحدود في شرب الخمر روى حديثه البخاري [186]، حتى لعنه بعض الصحابة من كثرة ما يؤتى به ليُقام عليه الحد فقال الرسول: "لا تلعنوه"، وكالذين قذفوا عائشة فأقام الرسول عليهم الحد، وهناك غير هذا مما يصح من الحديث في هذا المعنى، فكيف يقال مع كل هذا إن معنى قول بعض مَن ألّف في المصطلح "الصحابة عدول" انهم يعنون العدالة المطلقة، وهذا يؤدي إلى إبطال تلك الاحاديث الصحيحة، وقد ذكر الآمدي الذي هو أصولي شافعي في كتاب أبكار الأفكار أن كثيرًا من الشافعية قالوا بتفسيق من قاتل عليًّا.

وقد روى البخاري [187] ومسلم [188] وأبو داود [189] والترمذي [190] والنسائي [191] عن ابن عباس: "مرَّ رسول الله على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم"، قال: "بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول"، ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين فغرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا ثم قال: "لعلّه يخفف عنهما"، وصاحبا هذين القبرين كانا مسلمين يعلم ذلك من بعض روايات الحديث. قال ابن حجر العسقلاني [192] بعدما ذكر رواية البخاري لهذا الحديث ما نصه: "وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين ففي رواية ابن ماجه [193]: "مرَّ بقبرين جديدين" فانتفى كونهما في الجاهلية، وفي حديث أبي أمامة عند أحمد [194] أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ بالبقيع: فقال: من دفنتم اليوم ههنا"؟ فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين، لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بأن كل فريق يتولاه مَن هو منهم، ويقوّي كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد [195] والطبراني بإسناد صحيح: "يعذبان وما يعذّبان في كبير"، و: "بلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول" فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين لأن الكافر وإن عذّب على ترك أحكام الإسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف" ا.هـ. ولو كانا كافرين لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعله يخفف عنهما".

وروى البخاري في صحيحه [196] عن أبي وائل قال: قال عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا فرَطُكُم [197] على الحوض ليُرفعنّ إليّ رجالٌ منكم حتى إذا أهويت لأناولَهُمُ اخْتُلِجوا دوني فأقول: أي ربّ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك".

وقال عصرينا الشيخ عبد الله الغماري [198] ردًّا على مَن قال إن هذا الحديث من المتشابه الذي لا يعلم معناه ما نصه: "ثمّ إني استغربت منك عدّ الحديث من المتشابه الذي لا يعلم معناه، مع أننا نجزم بأنه في معاوية وأصحابه ممّن حارب الإمام الحق وخرج عليه وفعل الافاعيل، ولذلك كان الشافعي يقول: لا ألوم أستاذنا مالكًا على شئ إلا على ذكره حديث الحوض في الموطإ، وهذه من رهنات الأئمة الأكابر رضي الله عنهم فإنّ ما حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُلام على روايته بل يُلام على تركه وتضييعه، والمقصود أن الشافعي فهم أنّ الحديث في معاوية وأصحابه لا في المرتدين". انتهى.

قلت: هذا الحديث صحيح وهو في المرتدين وليس في أهل صفين، أما الخوارج فإنه ينطبق عليهم.

وأما حديث: "ستكون لأصحابي زلة يغفرها الله لهم" فهذا حديث غير ثابت ولا يحتج به للادّعاء بأن معاوية ومن معه كانوا غير ءاثمين بقتالهم، لأنه لو كان ثابتًا ويدخل فيه معاوية لدلّ على أنه عصى لأنه حينئذ يكون قوله: "يغفرها الله لهم" دليلٌ على أنه أذنب، فالاحتجاج بهذا الحديث لمعاوية يفسد القول بأنه وجماعته مأجورون.

فإن قيل: كيف يصح أن يقال في معاوية إنه بغى هو وجماعته، وقد صحّ أنه من كتبة الوحي؟ فالجواب: أن ذلك لا يقتضي أن يكون تقيًّا صالحًا، وهذا لا يقوله إلا مَن لا اطّلاع له على ما صحّ من الحديث وما قال علماء السيرة فهاك ما قال الحافظ العراقي في ألفيته التي ألفها في السيرة في باب ذكر كُتّابه صلى الله عليه وسلم قال:

وذكروا ثلاثة قد كتبوا *** وارتَدَّ كل منهم وانقلبوا
ابنُ أبي سَرحٍ مع ابنِ خَطَل *** وءاخرٌ أبْهِمَ لم يسمَّ لي
ولم يعد منهم إلى الدين سوى *** ابن أبي سرح وباقيهم غوى

فهذا الحافظ العراقي يصرح في أن ثلاثة ممن كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدوا، اثنان منهم ماتا على الكفر وواحد رجع إلى الإسلام فالذي رجع إلى الإسلام هو ابن أبي سرح وللذان ماتا على الكفر أحدهما ابن خطل والآخر لن يسم ولكن ذكر قصته أنس بن مالك روى ذلك مسلم وابن حبان.

ففي صحيح ابن حبان [199] عن أنس قال: "كان رجل يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدّ عن الإسلام فلحق بالمشركين، ثم مات فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الأرض لن تقبله"، قال: فقال أبو طلحة: فأتيت تلك الأرض التي مات فيها وقد علمت أن الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال فوجدته منبوذًا، فقلت: ما شأن هذا؟ فقالوا: دفناه فلم تقبله الأرض" اهـ. وذكر مثل ذلك ابن سيد الناس في كتابه عيون الأثر [200] باب كتّابه صلى الله عليه وسلم.

وروى مسلم في صحيحه [201] عن أنس بن مالك قال: "كان منا رجلٌ من بني النجار قد قرأ البقرة وءال عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه قالوا: هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الارض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذًا" ا.هـ.

فإن كان الشخص لا يكون معصومًا من الكفر لمجرد أنه كان من كتبة الوحي، فكيف يكون معصومًا مما هو دون الكفر.

فقد ثبت أن معاوية كما سبق وذكرنا كان يأمر بسب علي، وهو أحد السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" [202].

وقال في حق علي: "مَن سبَّ عليًّا فقد سبني"، الحديث رواه أحمد [203] والحاكم وغيرهما [204].

والحاصل أن الذي يظن أن كل فرد من أفراد الصحابة تقي ولي كأنه ليس عنده خبر بأحوال مَن صحب رسول الله، وليس له إلمام بالحديث فلو سكت عن ذلك كان خيرًا له، وقد قال الله: {ولا تَقْفُ ما ليسَ لكَ بهِ عِلمٌ} [سورة الإسراء]. وليس هذا من حبّ الصحابة الذين أمرنا بحبهم لأنه ليس معنى ذلك التسوية بينهم، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أظنّ فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا" رواه البخاري [205].

فائدة مهمة: قال الحافظ أحمد الغماري في كتابه "جؤنة العطار" [206] ما نصه: "نقل الذهبي في [التاريخ] [207] عن الإمام مالك أنه قال: "إن معاوية نتف الشيب كذا وكذا سنة، وكان يخرج إلى الصلاة ورداؤه يُحمل، فإذا دخل مصلاه جعل عليه وذلك من الكبر" اهـ. وهذا يُكذّب ما نقل عنه من قوله: غبار حافر فرس معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز، وربما نقل بعضهم هذا عن ابن المبارك وكله كذب، وإذا وصف مالك معاوية بالكبر وهو يعلم الحديث الصحيح: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر" المخرج في صحيح مسلم [208] فلا يجوز أن يقول ذلك في عمر بن عبد العزيز" انتهى كلام الغماري.

وبعض الناس إذا رأوا هذا البيان والإيضاح الذي أوردناه والذي هو الموافق للحق يقولون: هذا الكلام لا ينبغي إطلاع العامة عليه، هذا للخصوص فقط. يقال لهم: المحدثون فيما مضى ما كانوا حين يقرءون كتب الحديث بما فيها حديث: "ويح عمار" يخصصون الكبار والخواص بالإسماع دون الصغار، بل كان من عادة أهل الحديث في الماضي إحضار الصغار مجالسهم مع الكبار، حتى إنهم كانوا يحضرون أبناء خمس سنوات. فهذه الأحاديث ما دوّنت في كتب الحديث لتدفن بل لتعلّم للكبير والصغير، فأي عيب في معرفة الحق للصغير والكبير؟.

فائدة: أقول:

يقول عبدُ الله هُوَّ [209] الهرري *** الاشعري الشافعي العبدري
الحمد لله الذي قد شرعا *** مذهب أهل الحق أن يُتَّبعا
إنَّ الذين قاتلوا عليّا *** مِنَ الصحاب أثموا جليّا
لِما أتى في مسلم وغيره *** في شأن من عصى ولي أمرِه
لكنّ منهم ذنبهم مغفورُ *** عائشةٌ طلحةٌ والزبيرُ
قال بهذا الأشعري أبو الحسن *** رحمه الله العليّ ذو المنن
هذا هو الموافق الصحيحا *** من الحديث فالزم النصوصا
كنحو ما ورد في الزبير *** ومثل ما ورد في عمّار




فصل في انحراف ابن تيمية
عن سيدنا علي رضي الله عنه

ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة [210] أن ابن تيمية خطّأ أمير المؤمنين عليًّا كرّم الله وجهه في سبعة عشر موضعًا خالف فيها نص الكتاب، وأن العلماء نسبوه إلى النفاق لقوله هذا في عليّ كرّم الله وجهه، ولقوله أيضًا فيه: إنه كان مخذولاً، وإنه قاتل للرئاسة لا للديانة. وقد ذكر ابن تيمية ذلك في كتابه المنهاج [211] فقال ما نصه: "وليس علينا أن نبايع عاجزًا عن العدل علينا ولا تاركًا له، فأئمة السنة يسلمون أنه كان القتال مأمورًا به لا واجبًا ولا مستحبًا" ا.هـ.

ويقول في موضع ءاخر [212] ما نصه: "..وإن لم يكن علي مأمورًا بقتالهم ولا كان فرضًا عليه قتالهم بمجرد امتناعهم عن طاعته مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام" ا.هـ. ويقول في نفس الكتاب بعد ذكره أن قتال علي في صفين والجمل كان بالرأي ولم يكن علي مأمورًا بذلك ما نصه [213]: "... فلا رأي أعظم ذمًّا من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم بل نقص الخير عمّا كان وزاد الشر على ما كان..." ا.هـ. ويقول [214]: "وأما الإجماع فقد تخلَّف عن بيعته والقتال معه نصف الأمة أو أقل أو أكثر، والنصوص الثابتة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تقتضي أن ترك القتال كان خيرًا للطائفتين، وأن القعود عن القتال كان خيرًا من القيام فيه، وأن عليًّا مع كونه أولى بالحق من معاوية لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرًا" ا.هـ. ويقول [215]: "والمقصود هنا أن ما يُعتذر به عن علي فيما أُنكر عليه يُعتذر بأقوى منه في عثمان، فإن عليًّا قاتل على الولاية وقُتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم، ولم يحصل في ولابته لا قتال للكفار ولا فتح لبلادهم ولا كان المسلمون في زيادة خير" ا.هـ.

ويقول [216]: "ولم يكن كذلك علي فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه" ا.هـ.

ويقول [217]: "والذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفين لم يكن من القتال المأمور به، وأن تركه أفضل من الدخول فيه، بل عدُّوه قتال فتنة، وعلى هذا جمهور أهل الحديث وجمهور أئمة الفقهاء" ا.هـ.

ويقول [218]: "ولهذا كان علماء الأمصار على أن القتال كان قتال فتنة، وكان من قعد عنه أفضل ممن قاتل فيه، وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة والأوزاعي بل والنووي ومن لا يحصى عدده" اهـ.

ويقول [219]: "وخلافة علي اختلف فيها أهل القبلة، ولم يكن فيها زيادة قوة للمسلمين ولا قهر ونقص للكافرين" اهـ.

ويقول أيضًا ما نصه بعد كلام [220]: "وسائر الأحاديث الصحيحة تدل على أن القعود عن القتال والإمساك عن الفتنة كان أحب إلى الله ورسوله، وهذا قول أئمة السنة وأكثر أئمة الإسلام" اهـ.

فقوله: "إنه ما كان القتال مأمورًا به لا واجبًا ولا مستحبًا"، وقوله: "لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرًا" مخالف لما رواه النسائي بالإسناد الصحيح في الخصائص عن علي رضي الله عنه أنه قال: "أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين". والناكثون هم الذين قاتلوه في وقعة الجمل، والقاسطون هم الذين قاتلوه في صفين، والمارقون هم الخوارج، وهذا الحديث إسناده صحيح ليس فيه كذاب ولا فاسق كما ادعى ابن تيمية.

وكلامه هذا أيضًا ردّ لقول الله تعالى: {فإن بَغَتْ إحداهُما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي} [سورة الحجرات]، وقد اتفق العلماء على أن عليًّا رضي الله عنه هو أوّل من قاتل البغاة فشغل بهم عن قتال الكفار المعلنين اليهود وغيرهم حتى قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: "أخذنا أحكام البغاة من سِيَر علي".

وأيضًا فيه ردّ لحديث الحاكم وابن حبان والنسائي [221] أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن منكم من يقاتل على تأويل القرءان كما قاتلتُ على تنزيله"، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: "لا"، فقال عمر: أنا يا رسول الله، قال: "لا، ولكنه خاصف النعل". [وكان علي يخصف نعله].

قال ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع [222] ما نصه: "قال –يعني ابن حزم- واتفقوا أن الإمام إذا كان من ولد علي وكان عدلاً ولم يتقدم بيعته بيعة أخرى لإنسان حيّ وقام عليه من هو دونه أن قتال الآخر واجب، قال ابن تيمية: قلت ليس للأئمة في هذه بعينها كلام ينقل عنهم ولا وقع هذا في الإسلام إلا أن يكون في وقعة علي ومعاوية، ومعلوم أن أكثر علماء الصحابة لم يروا القتال مع واحد منهما وهو قول جمهور أهل السنة والحديث وجمهور أهل المدينة والبصرة وكثير من أهل الشام ومصر" ا.هـ. هذا نصه في التعليق على مراتب الإجماع وهو افتراء ظاهر على العلماء.

ومما يدل على طعنه في علي ما ذكره في منهاجه ونصه [223]: "وأما قوله: "إنه بالغ في محاربة علي" فلا ريب أنه اقتتل العسكران عسكر علي ومعاوية بصفين ولم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء بل كان من أشد الناس حرصًا على أن لا يكون قتال، وكان غيره أحرص على القتال منه" اهـ، ثم يزيد في الافتراء مدعيًا أن من الذين قاتلوه قاتلوه بالنص والإجماع فيقول [224]: "كما أننا لا ننكر أن عليًّا ولى أقاربه وقاتل وقتل خلقًا كثيرًا من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون ويصلون لكن من هؤلاء من قاتله بالنص والإجماع" اهـ.

ثم أيضًا قول عمار رضي الله عنه مثل قول علي يدحض قول أولئك إنهم مجتهدون ليس عليهم إثم ولا ملامة. فقتال علي لمخالفيه الذي تسبب منه إراقة دماء ءالاف مؤلفة كان في طاعة الله تعالى لأنه امتثل قول الله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي} [سورة الحجرات] وهل يلوم عليًّا على ذلك إلا منافق؟.

فكيف يكون من قاتل عليًّا مجتهدًا مأجورًا وقد خرج عن طاعة أمير المؤمنين ونازعه في إمارته وخالف النصوص، وكذا أريق بهذا القتال دماء ألوف مؤلفة من المسلمين منهم جماعة من خيار الصحابة والتابعين، فكيف يجتمع الأجر والمعصية؟!، فقول علي مقدّم على قول فلان وفلان من الذين أرادوا أن يعتذروا لمعاوية، بل ليس قول هؤلاء أمام قول علي رضي الله عنه إلا هباءً منثورًا، فمثله كمثل الناموسة تنفخ على جبل لتزيله.

ومن شدة مكابرة ابن تيمية للحق والصواب يقول في المنهاج [225] معلقًا على حديث عمار: "... فههنا للناس أقوال: منهم من قدح في حديث عمار، ومنهم من تأوّله على أن الباغي الطالب وهو تأويل ضعيف، وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية" ا.هـ.

ومرادنا من هذا الكلام تبيين أن عليًّا هو الخليفة الراشد الواجب الطاعة، وأن مخالفيه بغاة، فكيف يقول هذا الضال ابن تيمية إنه ما كان القتال مأمورًا به ولا واجبًا ولا مستحبًا، وإنه لم يحصل للمسلمين فيه مصلحة لا في دينهم ولا في دنياهم.

فهذا الكلام فاسد وباطل وكذب، فهل سمّى لنا القادحين في حديث عمّار؟ أو ذكر لنا مستندًا له في إضعاف الحديث؟ فأي حديث يصح على زعمه إن لم يصح حديث عمار الذي رواه أكثر من عشرين صحابيًا، فما هو الحديث الذي يصح عند ابن تيمية؟ هل هو ذلك الحديث المفترى: "إن الله على عرشه لا يفضل منه مقدار أربع أصابع"؟! فهل يليق الالتفات إلى كلام هذا الرجل في التصحيح والتضعيف فيما يخالف فيه غيره من أهل الحديث، بل إنه لم يطعن في حديث عمار إلا لما يضمره في نفسه من حقد على عليّ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في لسان الميزان عند ترجمة والد الحلي أن ابن تيمية ردّ أحاديث جيادًا كثيرة.

وهذا دأب ابن تيمية لمن عرفه يطعن في الاحاديث الصحيحة التي على خلاف هواه، حتى إنه ردّ مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين علي وقد ثبت ذلك [226]، فلا يلتفت إلى كلام ابن تيمية هذا وأمثاله إلا من ابتلي بليته من فساد الاعتقاد والانحراف عن علي رضي الله عنه، فهو في الحقيقة ناصبي وإن كان في الظاهر يذم الناصة [227].

وليذكر لنا أين ذُكر كلام السلف الذين افترى عليهم وقوّلهم ما لم يقولوا، وهذا من عادته ينسب إلى السلف ما لم يقولوا لتأييد هواه من دون تسمية كما ادعى اتفاق السلف على أن قصد القبور للدعاء عندها رجاء الإجابة بدعة قبيحة، مع أن هذا عمل السلف كما يعلم ذلك مَن تتبع تراجم السلف وسيرتهم.

والعجب من افترائه في منهاجه بقوله [228]: "ومن المعلوم أن كثيرًا من المسلمين لم يكونوا بايعوه حتى كثير من أهل المدينة ومكة الذين رأوه لم يكونوا بايعوه، دع الذين كانوا بعيدين كأهل الشام ومصر والمغرب والعراق وخراسان" ا.هـ.

ثم يقول [229]: "وأما الصحابة فجمهورهم وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة" ا.هـ.

ثم يدعي بعد ذلك أن الصحابة كانوا في ذاك الوقت عشرة ءالاف فما حضر الفتنة منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين، وهذا كذب ظاهر.

ولعل هذا الانحراف من ابن تيمية سرى إليه من أولئك الذين ءاذوا الإمام الحافظ النسائي الذي قال: "لما دخلت دمشق وجدت أهلها منحرفين عن علي بن أبي طالب، ولما علموا أني عملت خصائص علي طلبوا مني أن أعمل خصائص معاوية فقلت: ماذا أخرج له أأخرج له "لا أشبع الله بطنه" [230]، فصاروا يضربونه في خصيتيه فحُمل من دمشق إلى الرملة فتوفي بها. ولا يبرئ ابن تيمية من سوء ظنه بسيدنا على وبغضه له قوله عند ذكر علي في بعض المواضع رضي الله عنه فإنه يرى أنه لو ترك ذلك عند ذكره لعرف الناس انحرافه لأول وهلة فصار يفعل ذلك تسترًا.




فصل
في إثبات بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين علي
رضي الله عنه

يعلم مما تقدم أن تسفيه ابن تيمية لقتال علي رضي الله عنه دليل على أنه يضمر ضغينة لسيدنا علي، ويؤيد هذا قول الحافظ ابن حجر في لسان الميزان [231] عند ترجمة والد الحلي الذي ألف ابن تيمية كتابه منهاج السنة النبوية في الرد عليه ما نصه: "وكم من مبالغة له لتوهين كلام الحلي أدت به أحيانًا إلى تنقيص علي رضي الله عنه".

أقول: ولقد صدق الحافظ ابن حجر في قوله هذا.

قال العلامة علوي بن طاهر الحداد في كتابه "القول الفصل فيما لبني هاشم من الفضل" في الجزء الثاني منه ما نصه: "وفي منهاجه من السب والذم الموجه المورد في قالب المعاريض ومقدمات الأدلة في أمير المؤمنين علي والزهراء البتول والحسنين وذريتهم ما تقشعر منه الجلود وترجف له القلوب، ولا سبب لعكوف النواصب والخوارج على كتابه المذكور إلا كونه يضرب على أوتارهم ويتردد على أطلالهم وءاثارهم، فكن منه ومنهم على حذر" ا.هـ.

ووما هو صريح في بغضه لعلي ما ذكره في منهاجه ونصه [232]: "فإن الناس متنازعون في أول من أسلم فقيل أبو بكر أول من أسلم فهو أسبق إسلامًا من علي، وقيل إن عليًّا أسلم قبله لكن علي كان صغيرًا وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء" ا.هـ. ويقول في موضع ءاخر منه ما نصه [233]: "وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ، والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتفاق المسلمين، وإذا أسلم قبل البلوغ على قولين للعلماء، بخلاف البالغ فإنه يصير مسلمًا باتفاق المسلمين، وكان إسلام الثلاثة مخرجًا لهم من الكفر باتفاق المسلمين، وأما إسلام علي فهل يكون مخرجًا له من الكفر على قولين مشهورين، ومذهب الشافعي أن إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر" ا.هـ.

ثم لإظهار حقده لعلي يفتري على الصحابة والتابعين فيقول في المنهاج ما نصه [234]: "ولم يكن كذلك علي فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه" اهـ، ثم يقول فيه أيضًا ما نصه [235]: "وقد علم قدح كثير من الصحابة في علي" اهـ.

ولم يكتف ابن تيمية بذلك بل ذكر في منهاجه ما نصه [236]: "وقد عتب –يعني النبي- على عليّ في غير موضع لما أبعد فإنه أراد أن يتزوج بنت أبي جهل واشتكته فاطمة لأبيها وقالت: إن الناس يقولون: إنك لا تغضب لبناتك، فقام خطيبًا وقال: إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوجوا بنتهم علي بن أبي طالب وأني لا ءاذن ثم لا ءاذن ثم لا ءاذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم، فإنما فاطمة بَضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما ءاذاها" اهـ، ثم ذكر بعد نهاية بحثه ما نصه [237]: "وعلي رضي الله عنه كان قصده أن يتزوج عليها فله في أذاها غرض" اهـ، نعوذ بالله من هذا الافتراء وسوء الظن بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقال في منهاجه ما نصه [238]: "ويقال لهم ثانيًا: أما أهل السنة فأصلهم مستقيم مطرد في هذا الباب، وأما أنتم فمتناقضون، وذلك أن النواصب من الخوارج وغيرهم الذي يكفّرون عليًّا أو يفسقونه أو يشكون في عدالته من المعتزلة والمروانية وغيرهم لو قالوا لكم: ما الدليل على إيمان علي وإمامته وعدله لم تكن لكم حجة" اهـ.

وقال أيضًا في منهاجه ما نصه [239]: "وقد أنزل الله تعالى في علي: {يأيُّها الذينَ ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتُم سُكارى حتَّى تعلموا ما تقولونَ} [سورة النساء]، لما صلى فقرأ وخلط" اهـ.

والجواب: ما رواه الحاكم في المستدرك [240] بالإسناد عن علي رضي الله عنه قال: دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر، فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ: {قُل يأيُّها الكافرون} فالتبس عليه فنزلت: {لا تقربوا الصلاةَ وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون} [سورة النساء] الآية.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي هذا الحديث فائدة كثيرة وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره، وقد برّأه الله منها فإنه راوي هذا الحديث" اهـ، ووافقه الذهبي على تصحيحه، فابن تيمية خارجيّ في هذا الطعن في علي.

فمن عرف ما ذكرنا من أمر ابن تيمية من سوء رأيه في سيدنا علي عرف أنه ينطبق عليه حديث مسلم أن عليًّا رضي الله عنه قال [241]: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليّ: أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق"، فليعلم ذلك أنصار ابن تيمية.




رد ابن تيمية لأحاديث وردت في فضل
علي رضي الله عنه


سلك ابن تيمية عند كلامه على الأحاديث التي في فضائل علي رضي الله عنه مسلك التوسع في تضعيف هذه الأحاديث بل والحكم على أكثرها بالوضع وذلك ليصرفها عن إثبات فضائل لعلي رضي الله عنه، فحاله ما ذكر الحافظ ابن حجر [242] أنه ردَّ في رده كثيرًا من الاحاديث الجياد، يعني الصحيح والحسن.

وليعلم الناظرون أن ابن تيمية يضعّف أحاديث ولا يبالي بتصحيح الحفاظ لها لشدة تعلق قلبه بتأييد هواه، كما أن من دأبه دعوى اتفاق العلماء على البدع التي يهواها كذبًا وزورًا من غير استحياء من الله ولا من أهل العلم.

فهذا شأن ابن تيمية فإنه يحتج بالحديث الموضوع الذي يوافق هواه ويحاول أن يصححه، ويضعف الأحاديث والأخبار الثابتة المتواترة التي تخالف رأيه وعقيدته، حتى قال فيه تلميذه الذهبي في رسالة [243] أرسلها له على شكل نصيحة بعد كلام ما نصه: "إلى كم تمدح كلامك بكيفية لا تمدح بها والله أحاديث الصحيحين، يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في مل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار أو بالتأويل والإنكار" اهـ.

ومن هذه الاحاديث التي حكم عليها ابن تيمية على هواه:

1- الحديث الأول: قوله صلى الله عليه وسلم لعمار: "تقتلك الفئة الباغية".

قال ابن تيمية في منهاجه ما نصه [244]: "فههنا للناس أقوال: منهم من قدح في حديث عمار" اهـ، وقال فيه أيضًا عن حديث عمار ما نصه [245]: "فبعضهم ضعفه" اهـ.

فهذا الكلام فاسد وباطل وكذب، وفهل سمّى لنا القادحين في حديث عمّار؟ أو ذكر لنا مستندًا له في إضعاف الحديث؟ فأي حديث يصح على زعمه إن لم يصح حديث عمار الذي رواه أكثر من عشرون صحابيًا، فما هو الحديث الذي يصح عند ابن تيمية؟ هل هو ذلك الحديث المفترى: "إن الله على عرشه لا يفضل منه مقدار أربع أصابع"؟! فهل يليق الالتفات إلى كلام هذا الرجل في التصحيح والتضعيف فيما يخالف فيه غيره من أهل الحديث، بل إنه لم يطعن في حديث عمار إلا لما يضمره في نفسه من حقد على علي.

وحديث عمار كما قدمنا حديث ثابت متواتر رواه أربعة وعشرون صحابيًا، نص على تواتره الحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى [246]، والحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي في لقط اللآلئ [247]، والمناوي في شرح الجامع الصغير [248] وغيرهم.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عمار [249]: "وتواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تقتل عمارًا الفئة الباغية"، وهذا من أخباره بالغيب وأعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وهو من أصح الاحاديث" اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [250]: "فائدة: روى حديث: "تقتل عمارًا الفئة الباغية" جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة ءاخرين يطول عدّهم. وفي هذا الحديث علم من اعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، وردّ على النواصب الزاعمين أن عليًّا لم يكن مصيبًا في حروبه" اهـ، وفي هذه المقالة إثبات أن ابن تيمية ناصبي وإن لم يشهر نفسه بهذا الاسم، فيستحق ما تستحقه الناصبة من الضلال والخزي في الآخرة وإن لم يبرز نفسه بأنه منهم.

2- الحديث الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "أنت وليّ كل مؤمن بعدي".

يقول ابن تيمية في منهاجه ما نصه [251]: "أنت ولي في كل مؤمن بعدي" فإن هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث" اهـ، ويقول فيه أيضًا ما نصه [252]: "وكذلك قوله: "وهو ولي كل مؤمن بعدي" كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" اهـ.

قلت: الحديث رواه الترمذي في سننه [253] وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والنسائي في الخصائص [254]، وأحمد في مسنده، وفي فضائل الصحابة [255]، وصححه ابن حبان [256]، وأخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك [257] وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والطيالسي في مسنده [258]، والطبراني في معجمه [259]، وأبو نعيم في الحلية [260]، كلهم بلفظ: "وهو ولي كل مؤمن بعدي"، وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة بعد عزوه للترمذي ما نصه [261]: "إسناده قوي". وعند ابن أبي شيبة في مصنفه [262]: "وعليّ وليّ كل مؤمن بعدي".

3- الحديث الثالث: "ردُّ الشمس لعلي رضي الله عنه".

يقول ابن تيمية في منهاجه ما نصه [263]: "وحديث رد الشمس له قد ذكره طائفة كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما وعدوا ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع كما ذكره ابن الجوزي في كتابه الموضوعات" اهـ.

قلت: بل الحديث صححه منم يعتمد عليه قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [264]: "وروى الطحاوي والطبراني في الكبير [265] والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر، فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت، وهذا أبلغ في المعجزة، وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده في الموضوعات، وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه، والله أعلم" اهـ.

وأما احتجاج ابن الجوزي بوضعه [266] بأنه قد اضطرب الرواة فيه، وفي حديث أسماء بنت عميس فضيل بن مرزوق ضعيف، وله طريق ثان فيه عبد الرحمن بن شريك قال أبو حاتم: واهي الحديث، وفيه أبو العباس ابن عقدة رافضي رمي بالكذب، وفي حديث أبي هريرة كذلك داود بن فراهيج ضعيف.

فالجواب ما ذكره الحافظ السيوطي في النكت البديعات ونصه [267]: "قلت: فضيل ثقة صدوق احتج به مسلم والأربعة [268]، وابن شريك وثَّقه غير أبي حاتم، وروى عنه البخاري في الأدب [269]، وابن عقدة من كبار الحفاظ وثقه الناس [270]، وما ضعفه إلا عصري متعصب، والحديث صرح جماعة بتصحيحه منهم القاضي عياض [271]" اهـ.

وقد نص الحافظ ابن الصلاح ومن بعده من الحفاظ على تساهل ابن الجوزي في كتاب الموضوعات بحيث خرج عن موضوعه لمطلق الضعف، حتى إنه أدرج فيه كثيرًا من الاحاديث الصحيحة الثابتة ورمز لوضعها.

قال الحافظ العراقي:

وأكثر الجامع فيه إذ خرج *** لمطلق الضعف عني أبا الفرج

وقال الحافظ السيوطي:

ومن غريب ما تراه فاعلم *** فيه حديث من صحيح مسلم

4- الحديث الرابع: "سدوا الأبواب كلها إلا باب علي".

يقول ابن تيمية في منهاجه ما نصه [272]: "وكذلك قوله: "وسدّ الأبواب كلها إلا باب علي" فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة" اهـ.

قلت: والحديث صحيح، ولا عبرة بإيراد ابن الجوزي لهذا الحديث في الموضوعات [273] من حديث سعد وابن عمر وزيد بن أرقم وابن عباس، وأعلّه بمخالفة الحديث المتفق على صحته: "إلا باب أبي بكر"، وقال: "إنه من وضع الرافضة، وفي سند الأول: عبد الله بن شريك كذاب، عن عبد الله بن الرقيم مجهول، وتابعه الحارث مجهول أيضًا، وفي سند الثاني: هشام بن سعد قال ابن معين: ليس بشئ، وفي الثالث: ميمون لا شئ، وفي الرابع: يحيى بن عبد الحميد الحماني كذاب، وأبو بلج منكر الحديث".

والجواب ما ذكر الحافظ ابن حجر في القول المسدد ردًّا على ابن الجوزي ونصه [274]: "في هذا إقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم" اهـ، ولا معارضة بينه وبين حديث الصحيحين لأن هذه قصة أخرى، فقصة علي في سد الأبواب الشارعة، وقد كان أذن له أن يمر في المسجد وهو جنب، وقصة أبي بكر في مرض الوفاة في سد طاقات كانوا يستقربون الدخول منها، كذا جمع القاضي إسماعيل المالكي في أحكامه، والكلاباذي في معانيه، والطحاوي في مشكله. وعبد الله بن شريك وثقه أحمد وابن معين، وهشام بن سعد من رجال مسلم صدوق تكلموا في حفظه، وحديثه يقوى بالشواهد، وميمون وثقه غير واحد وتكلم بعضهم في حفظه، وقد صحح له الترمذي حديثًا غير هذا انفرد به [275]، ويحيى بن عبد الحميد لم ينفرد بالحديث بل تابعه شعبة وغيره.

ثم قال بعد أن استوعب طرق الحديث ما نصه [276]: "فهذه الطرق المتظاهرة من روايات الثقات تدل أن الحديث صحيح دلالة قوية، وهذا غاية نظر المحدث، وأما كون المتن معارضًا للمتن الثابت في الصحيحين من حديث أبي سعيد فليس كذلك، ولا معارضة بينهما، بل حديث سد الابواب غير حديث سد الخِوخ، لأن بيت علي بن أبي طالب كان داخل المسجد مجاورًا لبيوت النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ، ثم قال: "وأما سد الخِوخ فالمراد به طاقات كانت في المسجد يستقربون الدخول بها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته بسدها إلا خوخة أبي بكر، وذلك إشارة إلى استخلافه" اهـ.

وقال الحافظ السيوطي في النكت ما نصه [277]: "قلت: وأبو بلج وثقه النسائي وابن معين وغيرهما، ويحيى وثقه ابن معين".

وحديث سعد: أخرجه أحمد والنسائي [278]، وحديث ابن عمر: أخرجه أحمد [279]، وحديث زيد بن أرقم: أخرجه أحمد والنسائي والحاكم [280]، وصححه أيضًا الضياء في المختارة، وحديث ابن عباس: أخرجه أحمد والترمذي والنسائي [281] والكلاباذي.

ولحديث سعد طريق ثالث أخرجه الطبراني في الأوسط، ولحديث ابن عمر طريق ثان صحيح [282] أخرجه النسائي، وقد ورد أيضًا من حديث جابر بن سمرة أخرجه الطبراني في الكبير [283]" اهـ.

وحديث ابن عمر قال عنه الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح ما نصه [284]: "ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه، وأخرج له مسلم، فحديثه في رتبة الحسن لا سيما مع ما له من الشواهد، وقد تبين أنه من رواية أحمد لا من رواية ابنه. وله شاهد من حديث ابن عمر أيضًا أورده النسائي في الخصائص بسند صحيح" اهـ.

ثم قال [285]: "وأما حديث سعد بن مالك في ذلك فهو من رواية أحمد أيضًا لا من رواية ابنه، وإسناده حسن" اهـ.

وأما حديث زيد بن أرقم فقال عنه الحافظ ابن حجر في النكت [286]: "وأخرج فيه –يعني في الخصائص- أيضًا حديث زيد بن أرقم بإسناد صحيح" اهـ.

وقال الحافظ السيوطي في اللآلئ المصنوعة ما نصه [287]: "قول ابن الجوزي في هذا الحديث إنه باطل وإنه موضوع دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين، ولا ينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع، ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك لأن فوق كل ذي علم عليم، وطريق الورع في مثل هذا لا يحكم على الحديث بالبطلان بل يتوقف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له، وهذا الحديث من هذا الباب هو حديث صحيح مشهور له طريق متعددة كل طريق منها على انفراد لا تقصر عن رتبة الحسن، ومجموعها مما يقطع بصحته على طريقة كثير من أهل الحديث، وأما كونه معارضًا لما في الصحيحين فغير مسلم ليس بينهما معارضة" اهـ.

قلت: وروى ابن أبي شيبة في مصنفه [288] عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب أو قال أبي: "لقد أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حُمر النعم: زوّجه ابنته فولدت له، وسد الابواب إلا بابه، وأعطاه الحربة يوم خيبر".

5- الحديث الخامس: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".

يقول ابن تيمية في منهاجه ما نصه [289]: "وحديث: "أنا مدينة العلم وعلي بابها" أضعف وأوهى، ولهذا إنما يعد في الموضوعات وإن رواه الترمذي، وذكره ابن الجوزي وبيّن أن سائر طرقه موضوعة، والكذب يعرف من نفس المتن" اهـ، وذكر ذلك أيضًا في فتاويه [290].

قلت: وهذا الحديث حسن، ولا ينظر لإيراد ابن الجوزي له في الموضوعات من حديث علي وابن عباس وجابر رضي الله عنهم.

وقد رد عليه الحفاظ المعتبرون العلائي، وتلميذه الحافظ العراقي، وتلميذه الحافظ ابن حجر العسقلاني.

وقال الحافظ السيوطي في النكت البديعات ما نصه [291]: "قلت: حديث علي أخرجه الترمذي والحاكم [292]، وحديث ابن عباس أخرجه الحاكم الطبراني [293]، وحديث جابر أخرجه الحاكم [294]، وتعقب الحافظ أبو سعيد العلائي على ابن الجوزي في هذا الحديث بفصل طويل سقته في الاصل وملخصه أن قال: هذا الحديث حكم ابن الجوزي وغيره بوضعه، وعندي في ذلك نظر، إلى أن قال: والحاصل أنه ينتهي بطرقه إلى درجة الحسن المحتج به، ولا يكون ضعيفًا فضلاً عن أن يكون موضوعًا. ورأيت فيه فتوى قُدّمت للحافظ ابن حجر فكتب عليها: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: إنه صحيح، وخالفه ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وقال: إنه كذب، والصواب خلاف قولهما معًا، وإن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً، ولكن هذا هو المعتمد، هذا لفظه بحروفه" اهـ.

وقال الحافظ العلائي [295]: "ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلة قادحة في حديث شريك سوى دعوى الوضع دفعًا بالصدر" اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في اللسان عقب إيراد الذهبي رواية جعفر بن محمد، عن أبي معاوية وقوله: هذا موضوع ما نصه [296]: "وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع" اهـ.

6- الحديث السادس: حديث مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين عامة وبينه وبين عليّ خاصة.

يقول ابن تيمية في منهاجه ما نصه [297]: "أما حديث المؤاخاة فباطل موضوع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخ أحدًا، ولم يؤاخ بين المهاجرين بعضهم من بعض ولا بين الأنصار بعضهم من بعض، ولكن ءاخى بين المهاجرين والأنصار" اهـ.

ويقول فيه أيضًا ما نصه [298]: "ومنها أن النبي لم يؤاخ عليًّا ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعلي، ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب" اهـ، ويقول أيضًا ما نصه [299]: "الثالث: أن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة" اهـ، ثم قال [300]: "الثالث أن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض أو الأنصار بعضهم مع بعض كلها كذب، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخ عليًّا ولا ءاخى بين أبي بكر وعمر، ولا بين مهاجري ومهاجري" اهـ.

قلت: أحاديث مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، وبينه وبين علي خصوصًا ثابتة، وأما إنكار ابن تيمية لها ولأمثالها من الأحاديث في مناقب علي إلا دليلاً على نصبه.

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [301]: "قال ابن عبد البر: كانت المؤاخاة مرتين، مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار" اهـ.

ثم قال ما نصه [302]: "وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهّر الرافضي في المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصًا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، قال: لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم بعضًا ولتأليف قلوب بعضهم على بعض فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري، وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة، لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى، فآخى بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى، وبهذا نظر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة بن حارثة لأن زيدًا مولاهم، فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين، وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة: ان بنت حمزة بنت أخي، وأخرج الحاكم [303] وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس: ءاخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود، وهما من المهاجرين. قلت: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني، وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك، وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير، عن ابن عمر: ءاخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمرو بن طلحة والزبير بن عبد الرحمن بن عوف وعثمان، وذكر جماعة قال: فقال علي: يا رسول الله إنك ءاخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال: "أنا أخوك"، وإذا انضم هذا إلى ما تقدم تقوّى به" اهـ.

7- الحديث السابع: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه".

يقول ابن تيمية في منهاجه ما نصه [304]: "لكن حديث المولاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، وأما الزيادة وهي قوله: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" الخ فلا ريب أنه كذب" اهـ، ثم قال ما نصه [305]: "وأما قوله: "من كنت مولاه فعليّ مولاه" فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته" اه.

وقال أيضًا ما نصه [306]: "الوجه الخامس: أن هذا اللفظ وهو قوله: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله" كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث" اهـ.

قلت: وهذا تلبيس من ابن تيمية حيث زعم أن الشطر الأول للحديث ليس في الصحاح بل هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته، فالجواب: بل هذا القسم من الحديث متواتر نص على ذلك جمع منهم الحافظ السيوطي [307] عن ثمانية عشر نفسًا، والحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي [308] وقال: "رواه من الصحابة واحد وعشرون نفسًا" اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر ما نصه [309]: "وأما حديث: "من كنت مولاه فعليّ مولاه" فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدًا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان" اهـ.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" فهذه الزيادة حسنة أخرجها أحمد في مسنده [310] عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم [311]، والبزار في مسنده عن عمارة وأبي هريرة [312]، وأبو يعلى عن أبي هريرة [313] وعلي بن أبي طالب [314]، والطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد الغفاري [315]، وأبي أيوب الانصاري [316]، وزيد بن أرقم [317]، والخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس بن مالك [318]، وأبو بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة [319]، وأحمد في مسنده [320] وابن حبان في صحيحه [321] كلاهما عن علي بن أبي طالب، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [322]: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة" اهـ، قلت: بل هو من رجال البخاري.

وأخرجه أيضًا أحمد في مسنده عن سعيد بن وهب وزيد بن يُثيع عن علي رضي الله عنه والبزار بنحوه، قال الحافظ الهيثمي [323]: "وإسنادهما حسن" اهـ، وأخرجه الحاكم [324] عن زيد بن أرقم وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخراجاه بطوله".

فيتبين بمجموع هذه الطرق أن هذه الزيادة لا تنزل عن رتبة الحسن، بل صححها ابن حبان والحاكم كما تقدم.

8- الحديث الثامن: "أقضاكم عليّ".

يقول ابن تيمية في منهاجه ما نصه [325]: "وأما قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقضاكم علي" والقضاء يستلزم العلم والدين، فهذا الحديث لم يثبت وليس له إسناد تقوم به الحجة" اهـ.

قلت: ليُنظر إلى قوله: "والقضاء يستلزم العلم والدين" وكأنه يلمز إلى أن عليًّا رضي الله عنه يفقدهما.

والجواب عن الحديث المذكور أن الصحابة وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب معترفون لعلي بالعلم والقضاء، فقد أخرج البخاري في صحيحه [326] عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: "أقرؤنا أبيٌّ وأقضانا عليٌّ"، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [327]: "كذا أخرجه موقوفًا، وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة، عن أنس مرفوعًا في ذكر أبيّ" اهـ، ثم قال ما نصه: "وأما قوله: "وأقضانا عليّ، فورد في حديث مرفوع أيضًا عن أنس رفعه: "أقضى أمتي علي بن أبي طالب" أخرجه البغوي، وعن عبد الرزاق [328]، عن معمر، عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأقضاهم علي" الحديث، ورويناه موصولاً في فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح من حديث أبي سعيد الخدري مثله، وروى البزار من حديث ابن مسعود قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه" اهـ.

قلت: وعند سعيد بن منصور [329] زيادة على رواية عبد الرزاق: "وكان يقال: أعلمهم بالقضاء علي"، وروى ابن سعد في الطبقات [330] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "علي أقضانا"، وعن ابن عباس [331] رضي الله عنهما قال: "إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لا نَعْدوها"، وعن سعيد بن المسيب [332] قال: "كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن".

ويؤيد ما ذكرناه ما رواه أحمد والطبراني [333] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلمًا وأكثرهم علمًا وأعظمهم حلمًا"، قال الحافظ العراق بعد عزوه لأحمد والطبراني ما نصه [334]: "وإسناده صحيح".

9- الحديث التاسع: حديث سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة ثلاثون عامًا ثم يكون بعد ذلك الملك".

قال ابن تيمية في منهاجه ما نصه [335]: "وقد طعن بعض أهل الحديث في حديث سفينة" اهـ.

قلت: روى حديث سفينة أبو داود في سننه والطبراني في المعجم الكبير [336] بلفظ: "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك" أو "ملكه من يشاء".

قال سعيد: قال لي سفينة: أمسك عليك أبا بكر سنتين، وعمر عشرًا، وعثمان اثنتي عشرة، وعليًّا كذا، قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليًّا عليه السلام لم يكن بخليفة، قال: كذبن أستاه بني الزرقاء يعني مروان" اهـ.

وروى هذا الحديث الحاكم [337] والبيهقي بنحوه [338] وذكر أن خلافة علي كانت ست سنوات.

ويؤيده ما رواه أحمد [339] في المسند والبيهقي [340] والطيالسي [341] واللفظ لأحمد عن حيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكًا عاضًّا..." الحديث، وفي رواية: "عضوضًا" [342]، أي شديد الظلم.

وحديث أبي داود المتقدم أخرجه أيضًا الترمذي وحسّنه [343]، وأبو نعيم والطبراني في الكبير بنحوه [344] عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة"، وعند أحمد بلفظ [345]: "الخلافة ثلاثون عامًا ثم تكون بعد ذلك الملك".

وأخرج البيهقي [346] عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلافة النبوة ثلاثون عامًا ثم يؤتي الله الملك من يشاء"، فقال معاوية: وقد رضينا بالملك.

وهذا الحديث حسنه الحافظ أبو زرعة في فتاويه، والحافظ ابن حجر في شرح البخاري فقد أورده في أكثر من موضع [347] رامزًا إلى تصحيح ابن حبان وغيره للحديث، وقد التزم الحافظ في مقدمة شرح البخاري [348] أن ما يورده من شرح وصحح هذا الحديث ابن حبان والحافظ السيوطي [349].

10- الحديث العاشر: قول علي رضي الله عنه: "أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين".

يقول ابن تيمية في منهاجه عن الحاكم ما نصه [350]: "وهو يروي في الأربعين أحاديث ضعيفة بل موضوعة عن أئمة الحديث كقوله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين" ا.هـ.

ويقول فيه أيضًا ما نصه [351]: "ولهذا لم يرو علي رضي الله عنه في قتال الجمل وصفين شيئًا كما رواه في قتال الخوارج، بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة في قتال الخوارج المارقين، وأما قتال الجمل وصفين فلم يرو أحد منهم فيه نصًا إلا القاعدون فإنهم رووا الأحاديث في ترك القتال في الفتنة" اهـ.

قلت: والحديث لا ينزل عن رتبة الحسن، فقد أورده الحافظ ابن حجر في شرح البخاري وقد التزم في مقدمة شرحه أن ما يورده من شرح حديث أو تتمة أو زيادة لحديث فهو صحيح أو حسن، وقد أورده في المطالب العالية [352] وسكت عليه وعزاه لأبي يعلى [353]، وأورده في التلخيص الحبير [354] بعد إيراده قول الرافعي ونصه: "قوله: ثبت أن أهل الجمل وصفين والنهروان بغاة، هو كما قال، ويدل عليه حديث علي: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، رواه النسائي في الخصائص والبزار والطبراني [355]" اهـ.

11- الحديث الحادي عشر: "من أحب عليًّا فقد أحبني ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني".

يقول ابن تيمية في منهاجه بعد أن ساق عدة أحاديث منها هذا الحديث ما نصه [356]: "فالعشرة الأولى كلها كذب" اهـ.

قلت: بل الحديث حسن، أخرجه الطبراني في الكبير [357] عن أم سلمة قالت: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغضني فقد أبغض الله"، قال الحافظ الهيثمي بعد إيراده للحديث [358]: "إسناده حسن".

ورواه الحاكم في المستدرك وصححه [359] عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض عليًا فقد أبغضني".

وابن تيمية ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني"، وكفاه بهذا خزيًا.

فهذا جملة من بعض الأحاديث التي وردت في فضل علي رضي الله عنه طعن فيها ابن تيمية، فظهر بذلك أن تجرأه على هذا الأمر أدّاه إليه بغضه لعلي، وإذا انضم هذا إلى ما قدمنا من قوله: "إن القتال مع علي ليس واجبًا ولا مستحبًا" وهذا من أكبر الجرح والطعن في علي رضي الله عنه، فقوي ظن بغضه له، فينطبق عليه الحديث الذي رواه أحمد في مسنده [360]: "من سبّ عليًّا فقد سبني"، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي [361].

وينطبق عليه حديث مسلم [362] أن عليًّا رضي الله عنه قال: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي: أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق"، وهذه عقوبة من الله لابن تيمية.

وأما قوله عند ذكر علي في مواضع من منهاجه: "رضي الله عنه" تستر مكشوف، فقد ظهر بغضه لعلي ظهور الشمس في رابعة النهار، والبغض نوعان: بغض خالص ظاهر لا تستر فيه، وبغض يخالطه تستر، والأول كبغض الخوارج، والصنف الثاني هو بغض ابن تيمية لعلي رضي الله عنه.




ابن تيمية لا يُعتمد على تصحيحه وتضعيفه

مما يزيد ما ذكرناه تأكيدًا أن ابن تيمية لا يُعتمد على تصحيحه وتضعيفه للأحاديث، وأنه يصحح ما وافق هواه ولو كان ضعيفًا فضلاً عن كونه موضوعًا، ما ذكره في منهاجه [363] فقال عن الحديث: "ما أقلّت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر" ما نصه: "والحديث المذكور بهذا اللفظ الذي ذكره الرافضي ضعيف بل موضوع وليس له إسناد يقوم به" اهـ.

قلت: روى ابن ماجه في السنن وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك [364] بسند جيد عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر"، وعند الترمذي في السنن [365]: "ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذر"، قال الترمذي: "وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي ذر، وهذا حديث حسن".

وللحديث شواهد أخرجه العسكري والحاكم والطحاوي [366] عن أبي الدرداء بلفظ: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر"، وقال الحافظ السيوطي [367]: "حديث حسن".

وروى الدولابي [368] عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة منك يا أبا ذر".

ورواه الحاكم في المستدرك والطحاوي في مشكل الآثار [369] عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر".

وقد صحح الحافظ ابن جرير الطبري في تهذيبه [370] الطرق الثلاث رواية علي وعبد الله بن عمرو وأبي الدرداء، فتحقق بهذا أن زعم ابن تيمية أنه موضوع وليس له إسناد يقوم به باطل، وأن ابن تيمية مجازف في حكمه عليه بالوضع متحامل على أبي ذر رضي الله عنه.

أيضًا فقد ذكر ابن تيمية في منهاجه [371] الحديث الذي فيه ذكر الأبدال والأقطاب الأغواث وعدد الأولياء فقال ما نصه: "وأمثال ذلك مما يعلم أهل العلم بالحديث أنه كذب" اهـ.

قلت: حديث الأبدال ورد مرفوعًا وموقوفًا، قال الحافظ ابن حجر في فتاويه [372]: "الأبدال وردت في عدة أخبار منها ما يصح وما لا، وأما القطب فورد في بعض الآثار، وأما الغوث بالوصف المستهر بين الصوفية فلم يثبت" اهـ.

قال الحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء بعد نقل كلام الحافظ ابن حجر ما نصه [373]: "وبهذا يظهر بطلان زعم ابن تيمية أنه لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف إلا في خبر منقطع، وليته نفى الرؤية بل نفى الوجود وكذّب من ادعى الورود، فهذه الأخبار وإن فُرض ضعفها جميعها لكن لا ينكر تقوي الحديث الضعيف بكثرة طرقه وتعدد مخرجيه" اهـ.

وقال الحافظ السيوطي في النكت البديعات [374] ما نصه: "قلت: خبر الأبدال صحيح فضلاً عما دون ذلك: وإن شئت قلت متواتر، وقد أفردته بتأليف استوعبت فيه طرق الاحاديث الواردة في ذلك" اهـ.

ثم قال بعد أن ذكر طرق الحديث ما نصه [375]: "ومثل ذلك بالغ حد التواتر المعنوي لا محالة بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة" اهـ.

ومن أحسن ما ورد في الابدال ما رواه أحمد [376] في مسنده محديث شريح –يعني ابن عبيد- قال: ذُكر أهل الشام عند علي وهو بالعراق فقال: ألعنهم يا أمير المؤمنين، قال: لا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب"، رجاله رجال الصحيح إلا شريحًا وهو ثقة، قال الضياء المقدسي: إن رواية صفوان بن عبد الله عن علي من غير رفع: "لا تسبوا أهل الشام جمًّا غفيرًا فإن بها الأبدال" قاله ثلاثًا أولى، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [377]، بل أخرجها الحاكم في مستدركه [378] من قول علي رضي الله عنه: "لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الابدال، وسبوا ظلمتهم"، وصححه، ووافقه الذهبي.

ويروى مرفوعًا من حديث أنس رضي الله عنه عند الطبراني في الاوسط [379] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل إبراهيم خليل الرحمن فبهم يسقون، وبهم ينصرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه ءاخر"، قال سعيد: وسمعت قتادة يقول: لسنا نشك أن الحسن منهم، قال الحافظ الهيثمي [380]: "إسناده حسن".

وقد روى الإمام أحمد في مسنده حديثًا فقال: عن عفان، حدثنا موسى بن خلف وكان يُعدُّ من الأبدال، فهذا إقرار منه على صحة وجود الأبدال.

والحمد لله أوَّلاً وءاخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.




الهوامش:


[1] تقع هرر في المنطقة الداخلية الأفريقية، يحدها من الشرق جمهورية الصومال، ومن الغرب الحبشة، ومن الجنوب كينيا، ومن الشمال الشرقي جمهورية جيبوتي، وقد احتلت الصومال وقسمت إلى خمسة أجزاء، فكان إقليم الصومال الغربي [هرر] من نصيب الحبشة، وذلك سنة 1304هـ-1887ر.
[2] بنو شيبة بطن من عبد الدار من قريش وهم حجة الكعبة المعروفون ببني شيبة إلى الآن، إنتهت إليهم من قبل جدهم عبد الدار حيث ابتاع أبوه قصي مفاتيح الكعبة من أبي غبشان الخزاعي، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم عقبهم. سبائك الذهب [ص/68].
[3] بنو عبد الدار بطن من قصي بن كلاب جد النبي صلى الله عليه وسلم الرابع. سبائك الذهب [ص/68].
[4] استلم إمامة ومشيخة المسجد الحرام أيام السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله.
[5] و[6] و[7] صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة.
[8] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [7/51].
[9] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [7/52]، والمستدرك [1/77].
[10] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الفتن: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون بعدي أمورًا تنكرونها".
[11] مسند أحمد [4/281].
[12] كشف الأستار عن زوائد البزار [4/92].
[13] أورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [7/238] وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد، ووثقه ابن حبان. ا.هـ. أنظر الثقات لابن حبان [7/297].
[14] كانت معركة الجمل بين سيدنا علي رضي الله عنه ومن معه وجماعة تحمسوا للمطالبة بدم عثمان فيهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خرجت من المدينة بعدما بويع سيدنا علي رضي الله عنه بالخلافة إلى مكة للحج، ثم التقت بأناس متحمسين للمطالبة بدم عثمان رضي الله عنه فحمسوها فخرجت معهم، ثم وصلت إلى أرضٍ سمعت فيها نباح كلاب فقالت: ما اسم هذه الأرض، فقيل لها: الحوأب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، فقيل لها: تذهبين معنا، الله يصلح بك بين المسلمين، فقالت: ما أظنني إلا راجعة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيتكنَّ صاحبة الجمل الأدبب تنبح عليها كلاب الحوأب انظري يا عائشة أن لا تكوني أنت" فأصروا عليها فذهبت معهم للإصلاح ولم تذهب للقتال فوصلت إلى البصرة حيث معسكر سيدنا علي ثم حصل ما حصل من القتال فكسرهم سيدنا علي وقُتل جمل عائشة وكان أعطاها إياه شخص من المطالبين بدم عثمان اشتراه بأربعمائة دينار، ثم أعادها سيدنا علي معززة مكرمة إلى المدينة. وكان معصيتها وقوفها في معسكر الذين تمردوا على علي الخليفة الراشد. وكانت وقعة الجمل سنة ست وثلاثين في جمادى الآخرة.
ثم دعا علي رضي الله عنه معاوية ومن معه من أهل الشام إلى البيعة فرفضوا، فخرج يريدهم فبلغ ذلك معاوية فخرج فيمن معه من أهل الشام، والتقوا في صفين في صفر سنة سبع وثلاثين فاقتتلوا فقتل عمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت وأبو عمرة المازني وكانوا مع علي، فلما أحس أهل الشام باقتراب هزيمتهم رفعوا المصاحف يدعون بزعمهم إلى ما فيه مكيدة من عمرو بن العاص أشار بذلك على معاوية وهو معه، فحُكم الحكمان وكان حكم علي أبا موسى الأشعري وحكم معاوية عمرو بن العاص فاتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه ثم قدم عند التحكيم عمرو أبا موسى فتكلم فخلع عليًا وتكلم عمرو فأقرّ معاوية وبايع له، فتفرق الناس على هذا. وأما الخوارج فخرجت على سيدنا علي وكانوا أولاً يقاتلون معه معاوية، وكفّروا سيدنا عليّا وقالوا: لا حكم إلا الله، وعسكروا بحروراء فبذلك سموا الحرورية، فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس وغيره فخاصمهم وحاجّهم فرجع منهم قومٌ كثير وثبت قوم على رأيهم، وساروا إلى النهروان فعرضوا للسبيل وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت فسار إليهم علي فقتلهم بالنهروان وقُتل منهم ذو الثدية سنة ثمان وثلاثين.
[15] التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، كتاب الإمامة وقتال البغاة [4/44].
[16] كشف الأستار [4/92].
[17] أخرجه الطبراني في الأوسط كما عزاه الحافظ الهيثمي له في المجمع [7/238].
[18] الاعتقاد والهداية [ص/248].
[19] فتح الباري [13/67].
[20] أخرجه الحاكم في المستدرك [3/366].
[21] مناقب الشافعي [1/451].
[22] فتح الجواد بشرح الإرشاد: باب في البغاة وأحكامهم [2/295].
[23] مناقب الشافعي [1/447].
[24] مناقب الشافعي [1/449].
[25] تحفة الأنام [ص/67].
[26] فتح الباري [7/72].
[27] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/637]، وأسد الغابة في معرفة الصحابة [4/33].
[28] العقد الثمين [6/195].
[29] أسد الغابة في معرفة الصحابة [4/33].
[30] الاستيعاب في معرفة الصحابة [3/53].
[31] مستدرك الحاكم: كتاب التفسير [2/463].
[32] السنن الكبرى، كتاب قتال أهل البغي [8/172].
[33] أنظر المطالب العالية: باب قتال أهل البغي [4/296].
[34] كذا في الأصل.
[35] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة [3/371].
[36] العقد الثمين [5/69].
[37] الطبقات الكبرى [3/222].
[38] أنظر المطالب العالية [4/65]، وفي مجمع الزوائد [9/107] وزاد الراوون بعد "وال من والاه": "وعاد من عاداه": رواه أحمد ورجاله ثقات.
[39] تمهيد الأوائل [ص/552].
[40] مستدرك الحاكم [3/373].
[41] تهذيب التهذيب [5/20]، تهذيب الكمال [13/422].
[42] طبقات ابن سعد [3/223].
[43] الاستيعاب في أسماء الأصحاب [2/213].
[44] طبقات ابن سعد [3/222].
[45] تمهيد الأوائل [ص/552].
[46] دلائل النبوة [6/411-412].
[47] سير الذهبي [2/177].
[48] الجامع لأحكام القرءان [14/180].
[49] تفسير البحر المحيط [7/230].
[50] دلائل النبوة [6/411].
[51] دلائل النبوة [6/412]، وراجع تاريخ بغداد [9/185]، والمستدرك [3/119].
[52] صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة: باب فضل عائشة.
[53] مسند أحمد [4/265].
[54] دلائل النبوة [6/412].
[55] طبقات ابن سعد [8/59].
[56] إتحاف السادة المتقين [10/333].
[57] مصنف ابن أبي شيبة [7/544].
[58] طبقات ابن سعد [8/74].
[59] مستدرك الحاكم [3/366].
[60] مستدرك الحاكم [3/366].
[61] أخرجه أبو يعلى في مسنده [2/30].
[62] العقد الثمين [4/437].
[63] مستدرك الحاكم [3/367].
[64] طبقات ابن سعد [3/110-111].
[65] الإصابة في تمييز الصحابة [1/545].
[66] الفرق بين الفرق [ص/350 و351] باب بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة.
[67] أصول الدين [ص/289-290].
[68] نقل ذلك القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/626].
[69] الاستذكار [2/340-341]، ونحوه في العقد الثمين [5/227].
[70] مسند أحمد [2/206]، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [7/247]: "رواه أحمد ورجاله ثقات".
[71] أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد [7/239-240].
[72] مسند أحمد [1/94 و129 و131 و409] و[4/426 و427 و432] و[5/66 و67 و70].
[73] صحيح البخاري: كتاب الصلاة: باب التعاون في بناء المساجد، وكتاب الجهاد والسير: باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله.
[74] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [9/105-106].
[75] الخصائص الكبرى [2/140].
[76] فيض القدير [6/366]، وانظر اللآلئ للزبيدي [ص/222-223].
[77] الإحسان بترتيب ابن حبان [8/260] و[9/105].
[78] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [9/105].
[79] إتحاف السادة المتقين [7/178]، ومجمع الزوائد [9/197] وقال الحافظ الهيثمي: "وفيه مسلم بن كيسان الأعور وهو ضعيف".
[80] السنن الكبرى، كتاب قتال أهل البغي: باب الدليل على أن الفئة الباغية لا تخرج بالبغي عن تسمية الإسلام [8/174].
[81] مصنف ابن أبي شيبة [7/547].
[82] مصنف ابن أبي شيبة [7/547].
[83] طبقات ابن سعد [3/256].
[84] مستدرك الحاكم [3/384 و392].
[85] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب مناقب عمار بن ياسر، وابن ماجه في سننه: المقدمة: باب في فضائل أصحاب رسول، فضل عمار بن ياسر.
[86] الإصابة في تمييز الصحابة [2/512].
[87] سنن النسائي: كتاب الإيمان وشرائعه: باب تفاضل أهل الإيمان، والحاكم في المستدرك [3/392].
[88] سنن ابن ماجه: المقدمة: فضل عمار بن ياسر.
[89] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [9/106]، ومسند أحمد [4/89]، والمستدرك للحاكم [3/390].
[90] الإصابة في تمييز الصحابة [2/512].
[91] فتح الباري [1/543].
[92] لسان العرب [14/78].
[93] مصنف ابن أبي شيبة [7/549].
[94] الضحاك بن مزاحم الهلالي وثقه أحمد بن خنبل، وأبو زرعة، ويحيى بن معين، وقال سفيان الثوري: "خذوا التفسير عن أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك". راجع تهذيب الكمال للمزي [13/290 و291].
[95] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/627].
[96] فتح الباري [13/85-86].
[97] تفسير القرطبي [1/318].
[98] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح [5/447].
[99] المرجع السابق [5/447-448].
[100] التيسير بشرح الجامع الصغير [2/483].
[101] فيض القدير [6/365].
[102] مجرد مقالات الأشعري لابن فورك [ص/187-188].
[103] تشنيف المسامع [ص/393]، مخطوط.
[104] السنن الكبرى [6/84].
[105] مجرد مقالات الأشعري [ص/157].
[106] عزاه له الحافظ ابن حجر في المطالب العالية [4/293].
[107] شذرات الذهب [1/45].
[108] عن عبد الله بن الحارث أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: "يا أمير المؤمنين" أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين كان يبني المسجد لعمّار: "إنك لحريص على الجهاد، وإنك لمن أهل الجنة، ولتقتلنك الفئة الباغية" قال: بلى، قال: فلم قتلتموه، قال: والله ما تزال تدحض في بولك، أنحن قتلناه! إنما قتله الذي جاء به" ا.هأ. أنظر جمع الفوائد وأعذب الموارد [2/539].
[109] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/626].
[110] أنظر كشف الأستار عن زوائد البزار [4/97]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [7/236]: "رواه البزار، ورجاله ثقات".
[111] أبكار الأفكار [2/620] مخطوط.
[112] طبقات الشافعية [8/306].
[113] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/622].
[114] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب السنة: باب في الخلفاء.
[115] مستدرك الحاكم [3/145].
[116] دلائل النبوة [6/341].
[117] مسند أحمد [4/273].
[118] دلائل النبوة [6/340].
[119] مسند أبي داود الطيالسي [ص/31 و116 و117].
[120] هي رواية البيهقي والطيالسي.
[121] جامع الترمذي: كتاب الفتن: باب ما جاء في الخلافة.
[122] ذكر أخبار أصبهان [1/245].
[123] مسند أحمد [5/220].
[124] دلائل النبوة [6/342].
[125] فتح الباري [13/86].
[126] المطالب الوفية بزوائد المسانيد الثمانية [4/293].
[127] سنن سعيد بن منصور [2/335-336].
[128] البداية والنهاية [7/276].
[129] الكامل في التاريخ [3/308-309].
[130] فتح الباري [8/576-577].
[131] تاريخ الأمم والملوك [3/260].
[132] المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية [4/327].
[133] أخرجه أبو يعلى في مسنده [13/121-123]، وقال الحافظ الهيثمي في المجمع [7/248-249]: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح".
[134] فتح الباري [13/70-71].
[135] أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [7/578].
[136] التذكرة في احوال الموتى وأمور الآخرة [ص/622-623].
[137] تهذيب الآثار، مسند علي [ص/241].
[138] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة [ص/612].
[139] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب اللباس: باب في جلود النمور والسباع.
[140] مستدرك الحاكم [3/469-470].
[141] الكامل في التاريخ [3/472 و482]، وانظر أيضًا البداية والنهاية [8/53 و54].
[142] الاستيعاب فب معرفة الصحابة [1/356 و358].
[143] سير أعلام النبلاء [2/7].
[144] في الأصل: فحشاه.
[145] أخرجه النسائي في سننه: كتاب المناسك: باب التلبية بعرفة.
[146] فتح الباري [7/104].
[147] الموضوعات [2/24]، اللآلئ المصنوعة [2/424].
[148] هو الإمام الكبير سيد الحفاظ، قال الحاكم: إسحاق بن راهويه إمام عصره في الحفظ والفتوى، وقال الذهبي في السير: "قد كان مع حفظه إمامًا في التفسير، رأسًا في الفقه، من أئمة الاجتهاد".
[149] الموضوعات [2/24].
[150] شذرات الذهب [2/240-241].
[151] وفيات الأعيان [1/77].
[152] صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبّه أو دعا عليه.
[153] تذكرة الحفاظ [2/699].
[154] فتح الباري [1/543].
[155] صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة.
[156] السنن الكبرى [8/174].
[157] مصنف ابن أبي شيبة: كتاب الجمل [7/547].
[158] مستدرك الحاكم [3/366].
[159] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة: باب إذا بويع لخليفتين.
[160] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب تحريم سبّ الصحابة رضي الله عنهم، وأبو داود في سننه: كتاب السنة: باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب [59]، والحاكم في المستدرك [2/478]، وابن حبان في صحيحه، أنظر الإحسان [9/188].
[161] صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[162] خصائص الإمام علي [ص/23 و58].
[163] خصائص الإمام علي [ص/56].
[164] المستدرك [3/121].
[165] صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب الدليل على أن حبّ الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق.
[166] جامع الترمذي: كتاب المناقب: مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[167] سنن النسائي: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق.
[168] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء [4/185].
[169] مسند أحمد [6/292].
[170] تاريخ بغداد [14/426].
[171] أنظر جمع الفوائد وأعذب الموارد [2/517].
[172] تاريخ الخلفاء [ص/243].
[173] تهذيب التهذيب [1/435-436].
[174] المعجم الكبير [2/96] و[10/244]، وقال المناوي في فيض القدير [1/348]: قال العراقي في سنده: ضعيف، أنظر تخريج الإحياء [4/117]، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [7/202-203]: "وفيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف"، وقال عن رواية أخرى للطبراني: "وفيه مسهر بن عبد الملك، وثقه ابن حبان وغيره وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح"، وقال ابن رجب: "روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال"، وأورده ابن عدي في الكامل [6/2172] وأعلَّه بمحمد بن الفضل بن عطية وقال: "وعامة حديثه لا يتابعه الثقات عليه".
[175] إتحاف السادة المتقين [10/333].
[176] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب [59]، وابن حبان في صحيحه أنظر الإحسان [9/189].
[177] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجمعة: باب تخفيف الصلاة والخطبة، وأبو داود في سننه: كتاب الجمعة: باب الرجل يخطب على قوس.
[178] أخرجه البخاري في أكثر من موضع في صحيحه: كتاب العلم: باب الإنصات للعلماء، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب بيان معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارًا، وغيرهما.
[179] فتح الباري [12/310].
[180] فتح الباري [8/480].
[181] أخرجه الحاكم في المستدرك [4/553].
[182] مسند أحمد [1/457].
[183] صحيح ابن حبان: كتاب الزكاة: باب الوعيد لمانع الزكاة، أنظر الإحسان [5/109].
[184] صحيح البخاري: كتاب الجهاد: باب القليل من الغلول.
[185] صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة خيبر.
[186] صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب ما يكره في لعن شارب الخمرة.
[187] صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب عذاب القبر في الغيبة والبول.
[188] صحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه.
[189] سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب الاستبراء من البول.
[190] جامع الترمذي: كتاب أبواب الطهارة: باب ما جاء في التشديد في البول.
[191] سنن النسائي: كتاب الطهارة: باب التنزه عن البول.
[192] فتح الباري [1/321].
[193] أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الطهارة وسننها: باب التشديد في البول.
[194] أخرجه أحمد في مسنده [5/266].
[195] أخرجه أحمد في مسنده [5/39].
[196] صحيح البخاري: كتاب الفتن: باب ما جاء في قوله تعالى: {واتَّقوا فتنةً لا تُصيبنَّ الذينَ ظلموا منكم خاصةً} وما كان النبي يحذر من الفتن.
[197] أي متقدمكم إليه، النهاية في غريب الحديث [3/434].
[198] نهاية الآمال في صحة وشرح حديث عرض الاعمال [ص/7].
[199] صحيح ابن حبان، كتاب الرقائق، باب قراءة القرءان، أنظر الإحسان [2/62].
[200] عيون الأثر [2/395 و396].
[201] صحيح مسلم: أول كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
[202] صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
[203] مسند أحمد [6/323].
[204] المستدرك [3/121]، وخصائص الإمام علي [ص/56].
[205] صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب ما يجوز من الظن.
[206] جؤنة العطار [ص/50].
[207] أورده بنحوه في سير الأعلام [3/155].
[208] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب تحريم الكبر وبيانه بلفظ: "مثقال ذرة من كبر".
[209] بتشديد الواو لغة قال الشاعر:
فإن لساني شُهدة يُشتفى بها *** وهوَّ على مَنْ صبَّهُ الله علقمُ
[210] انظر الكتاب [1/114].
[211] أنظر المنهاج [2/203].
[212] أنظر المنهاج [2/214].
[213] أنظر المنهاج [3/156].
[214] أنظر المنهاج [2/204].
[215] أنظر المنهاج [3/175]، وبنحوه [1/145].
[216] أنظر المنهاج [4/38].
[217] أنظر المنهاج [4/281].
[218] أنظر المنهاج [4/205].
[219] أنظر المنهاج [2/208].
[220] أنظر المنهاج [4/180].
[221] أخرجه الحاكم في المستدرك [3/123]، وأحمد في مسنده [3/82]، وابن حبان في صحيحه أنظر الإحسان [9/46]، والنسائي في خصائص علي [ص/118-119].
[222] أنظر الكتاب [ص/125].
[223] أنظر المنهاج [2/219].
[224] أنظر المنهاج [3/236-237].
[225] كتاب المنهاج [2/204-205].
[226] سيأتي تبيان هذه المسألة في هذا الكتاب.
[227] الناصبة كما في تاج العروس [1/487]: هم المتدينون ببغضة سيدنا أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه لأنهم نصبوا له أي عادوه وأظهروا له الخلاف، وهم طائفة من الخوارج.
[228] أنظر المنهاج [3/240-241].
[229] أنظر المنهاج [3/186].
[230] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه... الخ.
[231] لسان الميزان [6/319].
[232] أنظر المنهاج [4/42].
[233] أنظر المنهاج [4/218-219].
[234] أنظر منهاج السنة النبوية [4/38].
[235] أنظر منهاج السنة النبوية [4/40].
[236] أنظر منهاج السنة النبوية [2/168].
[237] أنظر منهاج السنة النبوية [2/171].
[238] أنظر الكتاب [2/203].
[239] أنظر منهاج السنة النبوية [4/65].
[240] المستدرك [2/307].
[241] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق.
[242] لسان الميزان [6/319].
[243] وهذه الرسالة ثابتة عند أهل العلم مشهورة.
[244] أنظر الكتاب [2/204].
[245] أنظر المنهاج [2/208].
[246] الخصائص الكبرى [2/140].
[247] لقط اللآلئ [ص/222-223].
[248] فيض القدير [6/366].
[249] الاستيعاب بهامش الإصابة [2/481].
[250] فتح الباري [1/543].
[251] أنظر منهاج السنة النبوية [3/9].
[252] أنظر الكتاب [4/104].
[253] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[254] خصائص الإمام علي [ص/78].
[255] مسند أحمد [4/437]، فضائل الصحابة [2/605].
[256] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [9/42].
[257] المستدرك [3/110].
[258] مسند الطيالسي [ص/111].
[259] المعجم الكبير [18/128-129].
[260] حلية الأولياء [6/294].
[261] الإصابة في تمييز الصحابة [2/509].
[262] مصنف ابن أبي شيبة: فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه [6/372-373].
[263] أنظر الكتاب [4/186].
[264] فتح الباري [6/221-222].
[265] مشكل الآثار [2/8-9]، المعجم الكبير [24/147-152].
[266] الموضوعات [1/355-357].
[267] النكت البديعات [ص/294].
[268] تهذيب التهذيب [8/298 و299 و300].
[269] الأدب المفرد [ص/269].
[270] قال الدارقطني: كذب من اتهمه بالوضع، أنظر سؤالات أبي عبد الله الحاكم لأبي الحسن الدارقطني [ص/98].
[271] الشفا [1/549].
[272] أنظر المنهاج [3/9]، والفتاوى [4/415].
[273] الموضوعات [1/363].
[274] القول المسدد [ص/26].
[275] سنن الترمذي: كتاب الطب: باب ما جاء في دواء ذات الجنب.
[276] القول المسدد [ص/31].
[277] النكت البديعات [ص/285-286].
[278] أخرجه أحمد في مسنده [1/363]، والنسائي في الخصائص [ص/48].
[279] مسند أحمد [2/26].
[280] أخرجه أحمد في مسنده [4/369] وفي فضائل الصحابة [12/581-582]، والنسائي في الخصائص [ص/45-46]، والحاكم في المستدرك [3/125] من طريق أحمد وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
[281] أخرجه أحمد في مسنده [1/330]، والترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والنسائي في الخصائص [ص/50].
[282] صححه الحافظ ابن حجر في القول المسدد [ص/30].
[283] المعجم الكبير [2/246].
[284] النكت على ابن الصلاح [1/464].
[285] النكت على ابن الصلاح [1/465].
[286] النكت على ابن الصلاح [1/466].
[287] اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة [1/347].
[288] مصنف ابن أبي شيبة [6/369-370].
[289] أنظر الكتاب [4/138].
[290] مجموع فتاوى [4/410].
[291] النكت البديعات [ص/288-289].
[292] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب، ولم نجده في المستدرك عنه.
[293] المستدرك [3/126-127]، المعجم الكبير [11/65-66].
[294] المستدرك [3/127].
[295] اللآلئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة [1/334].
[296] لسان الميزان [2/123].
[297] أنظر الكتاب [2/119].
[298] أنظر الكتاب [3/17].
[299] أنظر الكتاب [4/96]، و[4/97] بنحوه.
[300] أنظر الكتاب [4/75].
[301] فتح الباري [7/270].
[302] فتح الباري [7/271].
[303] المستدرك [3/314].
[304] أنظر الكتاب [4/85].
[305] أنظر الكتاب [4/86].
[306] أنظر الكتاب [4/16 و84].
[307] قطف الأزهار المتناثرة [ص/277].
[308] لقط اللآلئ المتناثرة [ص/205].
[309] فتح الباري [7/74].
[310] مسند أحمد [4/281].
[311] مسند أحمد [4/368 و370 و372].
[312] كشف الأستار عن زوائد البزار [3/187].
[313] مسند أبي يعلى [11/307].
[314] مسند أبي يعلى [1/429].
[315] المعجم الكبير [3/180].
[316] المعجم الكبير [4/207-208].
[317] المعجم الكبير [5/186-187 و191].
[318] تاريخ بغداد [7/377].
[319] المطالب العالية [4/60].
[320] مسند أحمد [1/119 و4/370]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [9/105]: "رواه عبد الله وأبو يعلى ورجاله وثقوا".
[321] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [9/42].
[322] مجمع الزوائد [9/104].
[323] مجمع الزوائد [9/107].
[324] المستدرك [3/109].
[325] أنظر الكتاب [4/138].
[326] أخرجه البخاري في صحيحه: تفسير سورة البقرة: باب قوله: {ما ننسخ من ءايةٍ أو نُنِسها نأتِ بخيرٍ منها أومثلها} [سورة البقرة].
[327] فتح الباري [8/167].
[328] مصنف عبد الرزاق [11/225].
[329] سنن سعيد بن منصور [1/28].
[330] الطبقات الكبرى [2/339].
[331] الطبقات الكبرى [2/338].
[332] الإصابة في تمييز الصحابة [2/509]، الطبقات الكبرى [2/339].
[333] مسند أحمد [5/26]، المعجم الكبير [20/229-230]، قال الهيثمي: "وفيه خالد بن طهمان وثقه أبو حاتم وغيره وبقية رجاله ثقات".
[334] المغني عن حمل الاسفار [2/919-920].
[335] أنظر الكتاب [2/204].
[336] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب السنة: باب في الخلفاء، المعجم الكبير [7/98].
[337] المستدرك [3/145].
[338] دلائل النبوة [6/341].
[339] مسند أحمد [4/273].
[340] دلائل النبوة [6/340].
[341] مسند الطيالسي [ص/31].
[342] هي رواية البيهقي والطيالسي.
[343] جامع الترمذي: كتاب الفتن: باب ما جاء في الخلافة.
[344] ذكر أخبار أصبهان [1/245]، المعجم الكبير [1/55 و89] و[7/98].
[345] مسند أحمد [5/220].
[346] دلائل النبوة [6/342].
[347] فتح الباري [7/58، 8/77، 12/287، 13/212].
[348] مقدمة فتح الباري [ص/4].
[349] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [8/227، 9/48]، الجامع الصغير [1/638].
[350] أنظر الكتاب [4/99].
[351] أنظر الكتاب [3/156].
[352] المطالب العالية [4/297].
[353] أخرجه أبو يعلى في مسنده [1/397، و3/194-195].
[354] تلخيص الحبير [4/44].
[355] انظر كشف الأستار [4/92]، مجمع البحرين [7/209].
[356] أنظر الكتاب [3/9-10].
[357] المعجم الكبير [23/380].
[358] مجمع الزوائد [9/132].
[359] المستدرك [3/130].
[360] مسند أحمد [6/323]، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [9/130]: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الحدلي وهو ثقة".
[361] المستدرك [3/121].
[362] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق.
[363] أنظر الكتاب [3/199].
[364] أخرجه ابن ماجه في المقدمة: باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأحمد في المسند [2/163]، المستدرك [3/342].
[365] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب مناقب أبي ذر رضي الله عنه.
[366] مشكل الآثار [1/224]، المستدرك [3/342].
[367] الجامع الصغير [2/485].
[368] الكنى [1/146].
[369] المستدرك [4/480]، مشكل الآثار [1/224]، حلية الأولياء [4/172].
[370] تهذيب الآثار: مسند علي [ص/158-159].
[371] أنظر الكتاب [4/115].
[372] إتحاف السادة المتقين [8/387].
[373] إتحاف السادة المتقين [8/387].
[374] النكت البديعات [ص/240].
[375] النكت البديعات [ص/241-242].
[376] مسند أحمد [1/112].
[377] دلائل النبوة [6/449].
[378] مستدرك الحاكم [4/553].
[379] مجمع البحرين [7/37-38].
[380] مجمع الزوائد [10/63].
TohaKepriben

Previous Post Next Post