كتاب الدر النضيد في أحكام التجويد


الدر النضيد في أحكام التجويد

لخادم علم الحديث النبوي
عبد الله بن محمد الشيبي
العبدري نسبًا الهرري موطنًا المعروف بالحبشي
غفر الله لهُ ولوالديه وللمؤمنين

ملتزم الطبع
دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة الأولى
1412هـ/1992ر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والشكر له، وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى المختار، وعلى ءالهِ وصحبهِ الطيبين الأطهار.

يسر قسم الأبحاث والدراسات الإسلامية في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية أن يقدم هذه الرسالة في علم التجويد للعلامة المحدث الفقيه المتكلم الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي، المسماة "الدر النضيد في أحكام التجويد" لطلاب العلم الشرعي، رجاء الانتفاع بها.

ونذكر في هذا الموضع أن الشيخ عبد الله الهرري أخذ القراءات الأربع عشرة قراءة وسماعًا عن الشيخ المحدث القارئ أحمد عبد المطلب الحبشي [1] شيخ القراء في الحرم المكي الشريف وأجازه. والشيخ أحمد عبد المطلب تلقى الحديث والفقه والأصول واللغة العربية وغير ذلكَ باليمن عن عدد من الشيوخ، أجلّهم جده المفتي الشيخ داود بن أبي بكر الجبرتي الذي أخذ عن مشايخ أجلهم الوجيه المسند المفتي السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل صاحب ثبت "النفس اليماني" الذي هو ثبت السادة الأهدليين.

ثم رحل الشيخ أحمد عبد المطلب إلى مكة فجاور بها سنين واستزاد في علم الحديث من الشيخ شعيب بن عبد الرحمن المغربي المدرس بالحرم الشريف المكي، وأجازه الشيخ المحدث قاسم المكي رحمهم الله تعالى.

وأخذ الشيخ عبد الله الهرري أيضًا القراءات على الشيخ القارئ داود الجبرتي الآخذ من الشيخ عثمان مراد المصري شيخ القراء في الأزهر.

وأخذ أيضًا من الشيخ القارئ محمود فايز الديرعطاني نزيل دمشق جامع السبعة، الآخذ عن شيخ قراء دمشق الشيخ محمد سليم الحلواني، وغيره.

باب في أسماء الأئمة القراء العشرة وأشهر رواتهم


1- نافع المدني:

وهو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي، أحد القراء السبعة المشهورين، تلقى على أبي هريرة، وعبد الله بن عباس، وأخذ على سبعين من التابعين، توفي بالمدينة المنورة سنة 169هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- قالون:

وهو عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى المدني الملقب بقالون، أحد القراء المشهورين من أهل المدينة، ولد سنة 120هـ، وكان أصم يُقرأ عليه القرءان وهو ينظر إلى شفتي القارئ فيرد عليه اللحن والخطأ، توفي بالمدينة المنورة سنة 220هـ.

ب- ورش:

وهو عثمان بن سعيد بن عبد الله المصري، أحد كبار القراء المشهورين، ولد بمصر سنة 110هـ، انتهت إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه، توفي بمصر سنة 197هـ.

2- ابن كثير المكي:

هو عبد الله بن كثير بن عمر بن عبد الله الداري المكي، أحد القراء السبعة، ولد بمكة سنة 45هـ، وتوفي بها سنة 120هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- البزي:

هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة، وهو أكبر من روى قراءة ابن كثير، ولد بمكة سنة 170هـ، وانتهت إليهِ مشيخة الإقراء بمكة، وكان مؤذن المسجد الحرام. توفي بها سنة 250هـ.

ب- قُنبل:

هو محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن سعيد المخزومي أحد القراء السبعة، ولد سنة 195هـ، انتهت إليهِ مشيخة الإقراء بالحجاز، ورحل إليهِ الناس من جميع الأقطار توفي بمكة سنة 291هـ.

3- أبو عمرو البصري:

هو زبان بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري، من أئمة اللغة والادب، وأحد القراء السبعة، ولد بمكة سنة 70هـ، ونشأ بالبصرة، وتوفي بالكوفة سنة 154هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- الدوري:

هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان بن عدي الدوري، البغدادي، النحوي، البغدادي، إمام القراءة في عصره، له عدة تآليف، توفي سنة 246هـ.

ب- السوسي:

هو صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل بن الجارود السوسي، ولد سنة 173هـ، وكان مقرئًا، ضابطًا، ثقة، توفي سنة 261هـ بالرقة.

4- عبد الله بن عامر:

هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي، الشامي، المكنى بأبي عمرو، من التابعين، وأحد القراء السبعة المشهورين، ولد سنة 4 للهجرة وقيل 8 للهجرة، وكان إمام أهل الشام، أم المسلمين بالجامع الأموي سنين كثيرة في أيام الخليفة في أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وكان الخليفة يأتم بِهِ. جمع بين الإمامة والقضاء، ومشيخة الإقراء بدمشق. توفي بمكة سنة 59هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- هشام:

وهو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة السلمي الدمشقي، ولد سنة 153هـ، وتوفي سنة 245هـ، له كتاب "فضائل القرءان".

ب- ابن ذكوان:

هو عبد الله بن أحمد بن بشر –ويقال: بشير- ابن ذكوان القرشي، الدمشقي. ولد سنة 173هـ، وكان شيخ الإقراء بالشام، وإمام الجامع الأموي، وانتهت إليهِ مشيخة الإقراء بدمشق. توفي بها سنة 242هـ.

5- عاصم الكوفي:

هو عاصم بن أبي النجود الكوفي، الاسدي، أبو بكر أحد التابعين والقراء السبعة المشهورين، انتهت إليهِ رئاسة الإقراء بالكوفة، ورحل إليهِ الناس للقراءة. توفي سنة 127هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- شعبة:

وهو شعبة بن عياش بن سالم الأزدي الكوفي، أبو بكر، من مشاهير القراء، ولد سنة 95هـ، عرض القراءة على عاصم أكثر من مرة، وعلى عطاء بن السائب، توفي سنة 193هـ بالكوفة.

ب- حفص:

هو حفص بن سليمان بن المغيرة بن أبي داود الأسدي الكوفي، قارئ أهل الكوفة، ولد سنة 90هـ، وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم، توفي سنة 180هـ.

6- حمزة الكوفي:

هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي، أحد القراء السبعة. ولد سنة 80هـ، وأدرك بعض الصحابة، توفي سنة 156هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- خلف:

وهو خلف بن هشام بن ثعلب الأسدي البغدادي، أبو محمد. ولد سنة 150هـ، أخذ القراءة عرضًا عن سليم بن عيسى وعبد الرحمن بن حماد عن حمزة، وقد اختار لنفسه قراءة انفرد بها، فيعد من العشرة كما سيأتي وتوفي سنة 229هـ.

ب- خلاد:

هو خلاد بن خالد الشيباني الصيرفي، ولد سنة 119هـ، وقيل غير ذلكَ، كان إمامًا في القراءة ثقة عارفًا، توفي سنة 220هـ في الكوفة.

7- الكسائي الكوفي:

هو علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي، أحد أئمة اللغة والنحو وأحد القراء السبعة المشهورين، لهُ تصانيف عديدة، توفي سنة 189هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- الليث:

هو الليث بن خالد المروزي البغدادي، أبو الحارث، وهو من اجل أصحاب الكسائي، كان ثقة ضابطًا، توفي سنة 240هـ.

ب- الدوري:

وقد تقدمت ترجمته في ترجمة أبي عمرو البصري، لأنه روى عنه وعن الكسائي.

8- أبو جعفر المدني:

هو يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، أبو جعفر، أحد القراء العشرة ومن التابعين، كان إمام أهل المدينة في القراءة، توفي في المدينة سنة 130هـ، وقيل 132هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- عيسى بن وردان:

هو عيسى بن وردان المدني، أبو الحارث. من قدماء أصحاب نافع. قرأ عليهِ، ثم عرض القراءة على أبي جعفر. توفي سنة 160هـ.

ب- ابن جماز:

هو سليمان بن محمد بن مسلم بن جمّاز المدني، أبو الربيع. قرأ القراءة على أبي جعفر، ثم عرض على نافع، توفي بعد سنة 170هـ.

9- يعقوب البصري:

هو يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري، أبو محمد، أحد القراء العشرة. ولد بالبصرة سنة 117هـ. كان مقرئ البصرة، وله تصانيف عديدة، توفي سنة 205هـ.

وأشهر الرواة عنه:

أ- رويس:

هو محمد بن المتوكل اللؤلؤي البصري، أبو عبد الله، من أكبر أصحاب يعقوب. كان حاذقًا وإمامًا في القراءة، ضابطًا توفي بالبصرة سنة 238هـ.

ب- روح:

هو روح بن عبد المؤمن الهذلي البصري النحوي، أبو الحسن. كان من أجل أصحاب يعقوب وأوثقهم. توفي سنة 234هـ وقيل 235هـ.

10- خلف:

تقدمت ترجمته باعتباره راويًا عن حمزة.

وأشهر الرواة عنه:

أ- إسحاق:

هو إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله المروزي، أبو يعقوب، قرأ على خلف وقام بِهِ بعده. توفي سنة 286هـ.

ب- إدريس:

هو إدريس بن عبد الكريم الحداد البغدادي، أبو الحسن. قرأ على خلف روايته، وهو إمام متقن ثقة. توفي سنة 292هـ.

أجمع الأصوليون والفقهاء على أنهُ لم يتواتر شىء مما زاد على العشرة. والحاصل: أن السبع متواترة اتفاقًا، والثلاثة "أبو جعفر" و"يعقوب" و"خلف" صحيحه على القول الصحيح المختار، وأن الأربعة بعدها "ابن محيصن" و"اليزيدي" و"الحسن" و"الأعمش" شاذة اتفاقًا.

ونسأل الله أن يجعل النفع العميم في هذه الرسالة إنه مجيب الدعاء.


قسم الأبحاث والدراسات الإسلامية
في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية


مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي أنعم على نبيه بالنصرة والتأييد، وبفصاحة اللسان والرأي السديد، وخصه بالقرءان ذي النهج الرشيد، وجعل بيانه في الترتيل والتجويد. وأصلي وأسلم على من أنزلَ عليه القرءانُ بينات مِن الهدى والفرقان، صاحب البيان والتبيان، والدررِ الفاخراتِ الحسان، وعلى ءالهِ الميامين وأصحابهِ الغرِّ المحجلين، وبعد:

فإنهُ لما انتشرَ الجهلُ بعلومِ الدينِ عامة، وبعلوم القرءان خاصة، وفشا اللحنُ واستبدَ الوهن، وكثر الصحفيون والمصحفيون، وقلَّ الاهتمام بالعلوم من سائرِ الضروبِ والفنون، قمنا بنشر كتب العلمِ التي تُعنى بالعلوم الإسلاميةِ عامة وبالعلمِ الضروريِّ خاصة.

وكان من جملةِ ذلكَ إخراجُ هذا الكتاب النفيس في علم الترتيلِ والتجويد أسميناه: "الدرُّ النضيد فِي أحكامِ التجويد".

وعلم التجويدِ فرضُ كفاية، فينبغي تلقي هذا العلمِ مِن ذويه، إذ إن العلمَ لا يؤخذُ إلا بالتلقيِّ مِن الثقات، وقد قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنما العلمُ بالتعلم" رواهُ الطبرانيُّ.

روى البخاريُّ بالإسناد المتصل إلى عثمان بن عفانَ رَضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلّم القرءان وعلمه" وقال عليه الصلاة والسلام: "يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم ءاية من كتاب الله خير لكَ من أن تصلي مائة ركعة" الحديث، رواهُ ابن ماجه.

والله نسأل أن يجعل في هذه الرسالة عميم النفع لكل من يشتغل بها، وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الفصل الأول


في التجويد والترتيل




التجويدُ لغةٌ مصدرٌ من جَوَّد تجويدًا، أي أتى بالقراءة مجوّدة الألفاظ، ومعناهُ الإتيانُ بالجيد. واصطلاحًا إعطاءُ حرف حقه ومُستحقه، وترتيبُ مراتبه، وردُّ الحرف إلى مخرجه وأصله، وتلطيفُ النطق بِهِ من غير إسرافٍ ولا تعسفٍ، ولا إفراطٍ ولا تكلف.

قَالَ الدانيُّ: "ليس بين التجويد وتركه إلا رياضة لمن تدبره بفكه" اهـ، أي بفمه.

وطريقهُ: الأخذُ مِن أفواه المشايخ العارفينَ بطريق أداء القراءةِ بعد معرفةِ ما يحتاجُ إليهِ القارئ مِن مخارجِ الحروفِ وصفتها والوقف والابتداء والرسم، كما قال الشيخ زكريا الانصاريُّ.

أما الترتيل لغة فهو مصدر من رتّل فلانٌ كلامه إذا أتْبعَ بعضه بعضًا على مكث. واصطلاحًا: ترتيبُ الحروفِ على حقها في تلاوتها بتلبثٍ فيها.

وأما حكمهُ: فتعلمه فرض كفاية على المسلمين.

وأما فضلهُ: فهو أنه يُعلِّمُ التلاوةَ على الوجه الذي أنزل.

وأما استمدادهُ فمن القراءة المتبعة المتلقاة بالتواترِ خلفًا عن سلف.

واعلم أن بعضَ قراءِ زماننا ابتدعوا في القراءةِ شيئًا يُسمى: "بالتطريب" وهو أن يترنم بالقراءة فيمد في غير محل المد، ويزيدَ في المد ما لم تُجِزهُ العربية.



الفصل الثاني

في اللحن


اعلم أن اللحنَ يستعملُ في الكلامِ على معانٍ منها: اللغة، والفطنة، والضربِ من الأصواتِ الموضوعة، والخطأِ ومخالفةِ الصوابِ، وبِهِ سُمّيَ الذي يأتي بالقراءةِ على ضدِ الإعرابِ لحّانًا، وسميَ فعلهُ اللحنَ، وهذا المعنى هوَ مقصودنا في الإبانةِ عنهُ.

واللحنُ على ضربين:

* الأول: لحن مخِلّ بالمعنى، وهو تغيير بعض الحركاتِ عما ينبغي، نحو أن تضمَ التاءَ فِي قولهِ تعالى: {أنعمتَ عليهم} أو تكسرها، ونحو أن تفتحَ الباء في قولهِ تعالى: {إيَّاكَ نعبُدُ}، ومن اللحن قراءة: {الذينَ} بالزاي. وهذا اللحنُ في القرءانِ حرام لأنهُ يخلَ بالمبنى، أي اللفظ أو الإعراب.

* والثاني: لحن لا يخل بالمعنى نحو أن تكسر نون: {نَعبدُ} في قوله تعالى: {إياك نعبد} وهذا اللحن يحرم تعمده.

أما الإخلال بالترقيق والتفخيم وسائر المدود سوى المد الطبيعي وترك الإقلاب والقلقلة والإخفاء والغنة وتطنين النونات، وإظهار المخفي ونحو ذلكَ، فلا يأثم من أخلّ بِهِ فِي حال القراءة، لأن في إيجاب ذلكَ لكل قارئ حرجًا [2]. وهذا الضرب من اللحن لا يعرفه إلا القارئ المتقِن والضابط المجود الذي أخذ عن الأئمة، وتلقن من ألفاظ أفواه العلماء الذين تُرتضى تلاوتهم ويوثق بهم.

وقول بعض بوجوب مراعاة ما أجمع عليه القراء من مد وقصر وترقيق وتفخيم وإظهار ونحو ذلك هو غير صحيح، لأنه يؤدي إلى الحرج ولم يجعل الله في الدين من حرج، فلذلكَ لم يأخذ الشيخ زكريا الأنصاري بظاهر قول ابن الجزري:

والأخذُ بالتجويدِ حتمٌ لازمُ *** مَنْ لم يُجَوّد القرانَ ءاثمُ

بل ذكر الشيخ زكريا الأنصاري في شرحه على الجزرية أنهُ في نسخة أخرى:
مَنْ لم يُصحح القرانَ ءاثِمُ


الفصل الثالث





الغنة: تعريفها، والمواضع التي تطلب فيها



الغنة هي نون خفيةٌ مخرجها الخيشوم لا غير، والخيشوم منتهى الأنف.

والمواضع التي تطلب فيها الغنة:

1- النون المشددة والميم المشددة يغنّان دائمًا مثل: {إنَّا} و: {لـمَّا}.
2- والميم الساكنة قبل الباء تغن مثل: {أمْ بِهِ}.
3- والنون الساكنة والتنوين يغنان إلا إذا جاء بعدهما حرف من حروف الحلق وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، فإنهما حينئذ يظهران، وكذلك إذا جاء بعدهما لام وراء فإنهما يدغمانِ إدغامًا كاملاً بلا غنة.

ومقدارُ الغنة حركتان، قال ابن الجزريِّ في التمهيدِ: واحذر إذا أتيت بالغنة أن تمد عليها فذلكَ قبيح. اهـ.




الفصل الرابع


في ذكر أحكام النون الساكنة والتنوين



التنوين: هو نون ساكنة تلحق ءاخر الاسم تظهر في اللفظ والوصل وتسقط في الخط والوقف. والنون الساكنة تكون في ءاخر الكلمة وفي وسطها، وتثبت لفظًا وخطًا ووصلاً ووقفًا.






وهذا اللفظ ينقسم إلى أربعة أقسام:

* القسم الأول: الإظهار:

ومعناهُ: إخراج كل حرف من حروفه من مخرجه من غير غنة.

وحقيقته أن النون الساكنة والتنوين يظهران عند ستة حروف هي حروف الحلق وهن: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، نحو: {مِنْ إلهٍ} و: {رسولٌ أمين} و: {مَنْ هاجر} و: {جُرُفٍ هارٍ} و: {مِنْ عندِ} و: {أجرٌ عظيم} و: {مِنْ حكيم} و: {خيراتٌ حسان} و: {مِنْ غِلٍّ} و: {ماءٍ غَيْر} و: {مِنْ خَوْفٍ} و: {نِداءً خفيًّا}.

والعلة في إظهار ذلك أن النون والغنة بَعُدَ مخرجهما عن مخارج حروف الحلق.

* القسم الثاني: الإدغام:

والإدغام لغة: إدخال الشىء في الشىء، واصطلاحًا: التقاء حرف ساكن بمتحرك فيصيران حرفًا واحدًا مشددًا يرتفع اللسان عنده ارتفاعة واحدة.

واعلم أن النون الساكنة والتنوين يدغمان عند ستةِ أحرف هي: الياء المثناة من تحت، والراء والميم واللام والنون والواو مجموعة في قولِ القراءِ: "يرملون". وهي على قسمين:

الأول: الإدغامُ بلا غنة:

وهو أن يدغما في اللامِ والراء إدغامًا كاملاً بلا غنة نحو: {مَنْ لم} و: {لعبرةً لِمَنْ} و: {مِن رَبّكم} و: {محمدٌ رسول الله}.

وعلة ذلك قُرب مخرج النون والتنوين من مخرج اللام والراء لأنهن من حروف طرف اللسان، فتمكّن الإدغام وذهبت الغنة في الإدغام.

الثاني: الإدغام بغنة:

وهو أن يدغما في الأربعةِ الباقيةِ من: "يرملون"، مجموعة في حروف "ينمو" فتدغم إدغامًا غير مستكمل التشديد لبقاء الغنة نحو: {مَنْ يقوم} و: {برقٌ يجعلون} و: {مِنْ ورائهم} و: {هدًى ورحمةً} و: {مِنْ ماءٍ} و: {صراطٍ مُستقيم} و: {مِنْ نعمةٍ} و: {حِطَّةٌ نَغفر}.

وعلة الإدغام في النون التماثل، وفي الميم التجانس في الغنة، وفي الواو والياء أن الغنة التي في النون أشبهت المد واللين اللذين في الياء والواو فتقاربا بهذا فحسُنَ الإدغام، وتدغم الغنة مقدار حركتين.

ويُستثنى من ذلك ما لو كان المدغم والمدغم فيه كلمة واحدة فلا تدغم بل ينبغي إظهارها لئلا تلتبس الكلمة بالمضاعف وهو ما تكرر أحد أصوله، لذلكَ قالوا لا تدغم النون الساكنة في الواو والياء إذا اجتمعا في كلمة نحو: {صِنوان} و: {الدنيا}.

* القسم الثالث: الإقلابُ:

ومعناهُ لغة: تحويل الشىء عن وجهه وتحويل الشىء ظهرًا لبطن، واصطلاحًا: جعل حرف مكان ءاخر مع الإخفاء لمراعاة الغنة.

وحقيقته أن النونَ الساكنة والتنوين إذا وقعتا قبل الباءِ يقلبان ميمًا مخفاة في اللفظِ مِن غيرِ إدغام وتشديد، على أن فيه غنة، ومقدارهُ حركتان. وذلكَ نحو: {مِنْ بعد} و: {أنْبِئهم} و: {عليمٌ بذاتِ الصدور}.

والعلة في ذلك أن الميم مؤاخية للنون في الغنة والجهر، ومؤاخية للباء لأنها من مخرجها، ومشاركة لها في الجهر والشدة، فلما وقعت النون قبل الباء تعذّر إدغامها فيها لبعد المخرجين، ولا أن تكون ظاهرة لشبهها بأخت الباء وهي الميم أبدلت منها لمؤاخاتها النون والباء.

أما إدغام الباء في الميم فهو حسن، وقد قرئ في قوله تعالى: {ارْكَب مَعنا}، ولا بد من إظهار الغنة لأنك أبدلت من الباء ميمًا ساكنة، وفيها غنة.


* القسم الرابع: الإخفاء:

ومعناهُ لغة: الستر، واصطلاحًا: عبارة عن النطق بحرف بصفة بين الإظهار والإدغام عار عن التشديد مع بقاء الغنة في الحرف الأول وهو النون الساكنة والتنوين، ويفارق الإخفاء الإدغام لأنه بين الإظهار والإدغام.

وحقيقته إخفاء النون الساكنة والتنوين عند باقي الحروف التي لم يتقدم لها ذكر، وهي خمسة عشر حرفًا، يتضمنها أوائلُ كلماتِ هذا البيت:

صِفْ ذا ثنا كم جادَ شخصٌ قدْ سما *** دُم طيّبًا زِدْ في تُقًى ضَع ظالـمًا

نحو: {لمنْ صَبر} و: {انْصرنا}، و: {ريحًا صرصرًا} و: {مِنْ ذلك} و: {فأنذرتكم} و: {سِراعًا ذلك} و: {أنْ ثَبَّتناكَ} و: {منثورًا} و: {ماءً ثَجَّاجًا} و: {مَنْ كان} و: {أن ينكحوهن} و: {قريةً كانت} و: {مِن جوعٍ} و: {أنجانا} و: {حُبًّا جَمًّا} و: {مَنْ شاءَ} و: {يُنشئ} و: {لنفسٍ شيئًا} و: {مِنْ قبل} و: {مُنْقلبون} و: {شىءٍ قدير} و: {مِنْ سوء} و: {مِنْسأتَهُ} و: {بابٍ سلام} و: {مِنْ دابة} و: {أندادًا} و: {مُستقيمٍ دينًا} و: {وإنْ طائفتان} و: {ينطلقون} و: {قومًا طاغين} و: {مِنْ زوال} و: {أنزلنا} و: {مِنْ فواق} و: {الإنفاق} و: {عميٌ فهُمْ} و: {من تحتها} و: {كنتم} و: {جناتٍ تجري} و: {إن ضللتَ} و: {منضود} و: {قومًا ضالين} و: {مَنْ ظلم} و: {ينظرون} و: {قومًا ظلموا}.

والعلة في إخفاء النون الساكنة والتنوين عند ما ذكرنا أن النون قد صار لها مخرجان مخرج لها ومخرج لغنتها، فاتسعت في المخرج فأحاطت عند اتساعها بحروف الفم، فشاركتها بالإحاطة فخفيت عندها.






الفصل الخامس


في حكم الميم الساكنة،
وحكم النون والميم المشددتين



أحكام الميم الساكنة ثلاثة: الإخفاء الشفوي، والإدغام الشفوي، والإظهار الشفوي.

1- الإخفاء الشفوي:

هو إخفاءُ الميم الساكنةِ مع الغنةِ إذا وقعت قبل الباءِ نحو: {ترميهم بحجارة} ونحو: {ومن يعتصم بالله}، هذا هو القول المختار، ويسمى عند القراء الإخفاءَ الشفويَّ لأنه لم يخرج إلا من الشفتين.

2- الإدغامُ الشفويُّ:

هو إدغام الميم الساكنة بميم بعدها بغنة كاملة نحو: {ولكم ما كسبتم} و: {لهم مغفرة}، ويسمى أيضًا إدغامَ المتماثلينِ الشفويَّ.

3- الإظهار الشفوي:

هو إظهارها عند الباقي من الحروف نحو: {أنعمت}، ونحو: {لكم تذكرة}، ولكنها عند الواو والفاء أشد إظهارًا، نحو: {عليهم ولا} ونحو: {وهم فيها}، وذلكَ لقربها من الفاء مخرجًا، واتحادها مع الواو مخرجًا.



حكم النون والميم المشددتين:



اعلم أن حكم النون والميم المشددتين إظهار الغنة حال تشديدهما مقدار حركتين، نحو: {مِن الجِنَّةِ والناس}، و: {ثمَّ} و: {لمَّا}.

وغايةُ الأمرِ أنهما إذا شددا يظهرانِ كما مرَّ، ويسمى كل منهما حرف غنة مشددًا.





الفصل السادس


إدغام المتماثلين والمتقاربين والمتجانسين

* الأولُ: إدغامُ المتماثلينِ:

هو إدغام حرفين اتفقا صفة ومخرجًا كالباءين الموحدتينِ، واللامينِ، والدالينِ المهملتينِ أو المعجمتينِ نحو: {اضربْ بعصاكَ} و: {قل لا أجد} و: {وقد دخلوا} و: {إذ ذهب}.

ثُمَّ إن سكنَ أولهما سميا مثلين صغيرين كما مر، وحكمه الإدغام وجوبًا، وإن تحركا سميا مثلين كبيرين نحو: {الرحيم مالك}.


* الثاني: إدغامُ المتقاربينِ:

هو أن يقارب الحرفان في المخرج والصفةِ كالدالِ والسينِ المهملينِ، والضاد والشين، واللام والراء عند سيبويه، والذالِ والتاءِ، نحو: {قد سَمع} و: {لبعضِ شأنهم} [3] و: {إذْ تَأتيهم}.

ثم إن سكن أولهما يسمى متقاربين صغيرًا كما مر وحكمه جواز الإدغام، وإن تحركا سمي متقاربين كبيرًا نحو: {والصالحاتِ طَوبى لهم}.

* الثالث: إدغام المتجانسين:

هو أن يتفقا في المخرج لا الصفة كالطاء والتاء، والباء والفاء، والباء والميم، واللام والراء عند الفراء، نحو: {وقالت طائفة} و: {اركب معنا} و: {قل رب} على رأي الفراء.

ثُمَّ إن سكنَ أولهما سميا متجانسين صغيرًا كما مر، وحكمه جواز الإدغام، وإن تحركا سميا متجانسينِ كبيرًا نحو: {مريم بُهتانا}.







الفصل السابع


المد وأقسامه



المد لغة الزيادة، واطصلاحًا: إطالةُ الصوتِ بحرف مدّي مِن حروفِ العلةِ.

وحروفُ المد هي: الألف الساكنة المفتوحُ ما قبلها، والواو الساكنةُ المضمومُ ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، نحو قال، يقولُ، قيلَ، وإنما سُمّينَ بحروفِ المد لأَنَّ مدَّ الصوتِ لا يكونُ في شىء من الكلام إلا فيهنَ. والألف هي الأصل في ذلكَ، والياء والواو مشبّهتانِ بالألف.

وينقسمُ المد إلى قسمينِ:

1- أصلي: وهو المدُّ الطبيعي الذي لا تقوم ذاتُ الحرف إلا به، ولا يتوقف على سبب مِن همزٍ أو سكون نحو: {الذينَ ءامنوا وعملوا}، ومقدارُ مدهِ حركتانِ.

2- وفرعي: وهوَ بخلافِ ذلكَ، مد زائد على المد الأصلي بسبب من همز أو سكون.

واعلم أن المد مع الهمزةِ منقسمٌ على ثلاثةِ أقسام:




* الأولُ: المد المتصلُ:

وهو أن يجتمعُ المد والهمزُ في كلمة واحدة نحو: {والسماء بنيناها} و: {مِنْ سوء} و: {جيءَ}. وسميَ متصلاً لاتصالِ الهمزةِ بكلمةِ حرفِ المد. والمد فيهِ محل اختلاف فعندَ أبي عمرو وقالونَ وابن كثير مقدارُ ثلاثُ حركات [4]، وعند ابن عامر مقدارُ أربع حركات، وعند عاصم مقدار خمسِ حركات أو أربع وهوَ الأكثر، وعند ورش وحمزةَ مقدارُ ست حركات، وهذا يضبطُ بالمشافهةِ والتلقي.





* الثاني: المد المنفصل:

وهو أن يكونَ حرفُ المد ءاخرَ كلمة والهمزُ أول كلمة أخرى نحو: {يا أيها الناس} و: {في أنفسهم} و: {قالوا ءامنا}.

وسميَ منفصلاً لانفصالِ كلٍّ مِن المد والهمزِ في كلمة. وللقراءِ في مدهِ مراتب، ويجوزُ مدهُ والتوسطُ فِيهِ والقصرُ.

* الثالث: مد البدل:

هو أن يجتمعَ المد مع الهمزِ في كلمة لكن يتقدمُ الهمزُ على المد نحو: {ءامنوا} و: {ءاتوني} و: {ءامن}. وحكمهُ القصرُ عندَ كلِّ القراءِ غيرِ ورش، ولورش فِيهِ المد والتوسطُ والقصرُ.

أما المد الذي يتوقفُ على سكون فينقسمُ إلى ثلاثة أقسام:

* الأولُ: المد اللينِ:

وهو مد حرفي اللينِ وهما: الواو والياءُ، ويشترطُ سكونهما وانفتاحُ ما قبلهما نحو: {بَيْت} و: {خَوْف}.

وسميا بذلكَ لأنهما يخرجانِ في لين وعدمِ كلفة، فإن تحركتا فليسا بحرفي لين ولا مدّ.

ويجوزُ مدهُ والتوسطُ فِيهِ والقصرُ.

* الثاني: المد العارضُ للسكونِ:

وهو أن يكونَ ءاخر الكلمةِ متحركًا وقبلهُ حرفُ مدّ ولين. وذلكَ نحو: {تعلَمُون} و: {نستعين} و: {يقول}. ويجوزُ فِيهِ ثلاثةُ أوجه: المد والتوسطُ والقصرُ.

* الثالث: المد اللازم:

وسيفردُ فِي فصلٌ مستقل إن شاء الله تعالى.


الفصل الثامن

المد اللازم وأقسامه

المد اللازم: هو أن يأتي بعد حرف المد حرف ساكن في حال الوصل والوقف.

وينقسم عند القراء إلى قسمين: لازم كلامي منسوب للكلمة، ولازم حرفي منسوب للحرف، وكل منهما إما مخفف أو مثقل.






* المد اللازم الكلمي:

هو أن يجتمع السكون الأصلي مع حرف مد في كلمة، وينقسم إلى قسمين:

- المد اللازم الكلمي المثقل:

وهو أن يكون بعد حرف المد حرف مشدد في كلمة واحدة نحو: {ولا الضالين}، و: {الصاخّة} و: {الحاقّة} و: {دابّة}، وفي مقدار مده خلاف، والارجح أنه يمد ست حركات.







- المد اللازم الكلمي المخفف:

وهو أن يكون بعد حرف المد حرف ساكن نحو: {ءالآن} المستفهم بها في موضعين من سورة يونس، ونحو: {محيايَ} بسكون الياء عند من سكن. ومقدار مده ست حركات.

* المد اللازم الحرفي:

وهو أن يجتمع السكون الأصلي والمد في حرفٍ هجاؤه على ثلاثة أحرف أوسطها حرف مد ولين نحو: {ص}، و: {م} و: {ن}، وينقسم إلى قسمين: مثقل، ومخفف وهو بقسميه يكون في فواتح السور ومنحصر في ثمان حروف ويعبّر عنها القراء بقولهم: "نقص عسلكم"، للألف منها أربعة أحرف وهي: {ص والقرءان}، وكاف وصاد من فاتحة مريم، و: {ق والقرءان}، و {ق} من فاتحة الشورى، ولام من: {الم}. والياء حرفان: الميم من: {الم}، والسين من: {يس} و: {طس}، وللواو حرف واحد من: {ن والقلم} فقط. فهذه السبعة تمد مدًا مشبعًا بلا خلاف.

أما العين من فاتحة مريم والشورى ففيها وجهان عند كل القراء: المد وهو أشهر عند أهل الأداء، والتوسط.

[أ] المد اللازم الحرفي المثقّل:

وهو أن يدغمُ الحرف الذي بعد حرف المد كمد اللامِ إذا وصلت بميم مِن: {الم}، والسين إذا وصلت بميم مِن: {طسم} ومقدارُ مدهِ ست حركات.

[ب] المد اللازمُ الحرفيُّ المخفف:

وهو أن يمد الحرف الذي لم يدغم ءاخرهُ بما بعدهُ نحو: {ن} و: {ق} و: {ص}، والميمُ مِن: {حم}، والكافُ والعينُ والصادُ مِن: {كهيعص} وقد تقدمَ ذِكـرُ ذلكَ.

أما غير حروف المد الثلاثيةِ مِن كلِّ حرف هجاؤه على حرفينِ أو على ثلاثة وليس وسطه حرف مدّ فإنهُ يمد مدًّا طبيعيًا بلا خلاف، واستثنيَ مِن ذلكَ الألفُ فليس فيه مد مطلقًا لأَنَّ وسطهُ متحرك.

هذا النوعُ أيضًا مذكور في فواتح السور يجمعها لفظ "حي طاهر"، فالحاءُ مِن: {حم}، والياءُ مِن: {يس} والطاءُ والهاءُ مِن: {طه} والراءُ مِن: {ألر} ولا شىءَ مِن الألفِ لما مرَّ.

وخلاصة ما تقدم أن فواتح السور على قسمينِ:

1- ما يمد مدًا لازمًا وهو المذكورُ في: "نقصَ عسلكم" ما عدا العين ففيها وجهانِ.

2- ما يمد مدًا طبيعيًا وهو المذكورُ في: "حي طاهر" ما عدا الألف فلا تمد أصلاً.




الفصل التاسع

في صفات الحروف

اعلم أن للحروفِ صفات تتـميز بها الحروف المشتركةُ بضعها عن بعض، وهي سبعةَ عشر صفة على المشهورِ، قسم منها لَهُ ضد، وقسم منها لا ضد لهُ.

وذوات الضد هي: الجهر وضده الهمس، والشِدّة وضدها الرخاوة وما بينهما، والاستعلاء وضده الاستفال، والإطباق وضده الانفتاح، والإذلاق وضده الإصمات، وجملتها عشرة.

أما التي لا ضد لها فهي: الصفير، والقلقلة، واللين، والانحراف، والتكرير، والتفشي، والاستطالة، وجملتها سبعة.

1- حروف الهمس:

الهمس لغة: الخفاء، وسميت حروفه مهموسة لضعفها وجريان النفس عند النطق بها لضعف الاعتماد عليها في مخارجها.

وهي عشرة يجمعها قولك: "فحثّه شخص سكت". وبعض الحروف المهموسة أضعف من بعض، فالصاد والخاء أقوى من غيرهما.

2- حروف الجهر:

وهو لغة: الإعلان، وسميت حروفه مجهورة لقوتها ومنع النفس أن يجري معها عند النطق لقوة الاعتماد عليها في مخارجها، وهي أقوى من المهموسة، وبعضها أقوى من بعض. وهي تسعة عشر حرفًا ما عدا حروف الهمس.

3- الحروف الشديدة:

الشدة لغة: القوة، وسميت شديدة لمنعها الصوت أن يجري معها عند النطق بها لقوتها في مخارجها. وهي ثمانية أحرف يجمعها قولك: "أجد قطٍ بكت".

4- الحروف الرخوة:

الرخاوة لغة: اللين، وسميت رخوة لجريان الصوت معها وضعف الاعتماد عليها عند النطق بها فلانت. وهي واحد وعشرون حرفًا ما عدا الحروف الشديدة، وحروف الرخو منها ستة عشر حرفًا، والمتوسط بينه وبين الشديد خمسة يجمعها قولك: "لِنْ عُمَرْ".

5- حروف الاستعلاء:

الاستعلاء لغة: الارتفاع، وسميت حروفه مستعلية لأن اللسان يعلو عند النطق بها إلى الحنك وهي سبعة أحرف يجمعها قولك: "خُصَّ ضغط قظ". وهي أقوى الحروف، وأقواها: الصاد والضاد والطاء والظاء، ومن ثم منعت الإمالة لاستحقاقها التفخيم المنافي الإمالة.

6- حروف الاستفال:

الاستفال لغة: الانخفاض، وسميت حروفه مستفلة لأن اللسان ينخفض بها عن الحنك عند النطق بها. وهي: اثنان وعشرون حرفًا ما عدا حروف الاستعلاء.

7- حروف الإطباق:

الإطباق لغة: الالتصاق، وسميت حروفه مطبقة لانطباق طائفة من اللسان على الحنك عند النطق بها، وهي أربعة أحرف: الطاء والظاء والصاد والضاد، وبعضها أقوى من بعض، فالطاء أقواها في الإطباق، والظاء أضعفها، والصاد والضاد متوسطتان.

8- حروف الانفتاح:

الانفتاح لغة: الافتراق، وسميت حروفه منفتحة لأن اللسان لا ينطبق إلى الحنك عند النطق بها، وهي ما عدا حروف الإطباق.

9- الحروف المذلقة:

الذلق لغة: الطَّرَفُ، وسميت حروفه مذلقة لخروج بعضها من طرف اللسان وبعضها من طرف الشفة. وهي ستة يجمعها قولك: "فرَّ مِنْ لُبّ"، فالفاء والباء والميم تخرج من طرف الشفة، والراء والنون واللام تخرج من طرف اللسان.

10- الحروف المصمتة:

الإصمات من الصمت وهو لغة: المنع. وسميت حروفه مصمتة لأنها منعت من أن تختص ببناءِ كلمة أكثرَ مِن ثلاثةِ أحرف، أي أن كل كلمة على أربعةِ أحرف أو خمسة لا بُدَّ أن يكون فيها مع الحروف المصمتة حرف من الحروف المذلقة.

وهي اثنان وعشرون حرفًا ما عدا الحروفِ المذلقةِ.

11- حروف الصفير:

وهي ثلاثة: الزاي والسين والصاد. سميت بذلكَ لأن الصوت يخرج معها عند النطق بها بصفير يشبه صفير الطائر. وأقواها الصاد للإطباق والاستعلاء، ثم الزاي للجهر، ثم السين لهمس فيها.

12- حروف القلقلة:

ويقال اللقلقة، وهي خمسة أحرف يجمعها قولك: "قطب جد". سميت بذلكَ لظهور صوت يشبه النبرة عند سكوتها. وهي أميل للكسر في الباء والجيم والدال وهو المعتمد، والضم في القاف والطاء.

وذلكَ الصوت في الوقف عليهن أبين منه في الوصل بهن، ولذلكَ عند الوقف سميت قلقلة كبرى، وفي وسط الكلمة صغرى، نحو: {الفلق} و: {ادْخلوا}.

13- حرفا اللين:

وهما الياء الساكنة التي قبلها فتحة، والواو الساكنة التي قبلها فتحة، وقد تقدم الكلام عليهما.

14- حرفا الانحراف:

الانحراف لغة: الميل، وسمي حرفاه منحرفين لأنهما انحرفا عن مخرجهما إلى طرف اللسان، وهما اللام والراء.

15- حرف التكرير:

وهو الراء، وسمي بذلكَ لأنه يتكرر على اللسان عند النطق بِهِ. وأظهر ما يكون إذا اشتدّ، ولا بد من إخفاء تكريره.

فائدة: ينبغي على القارئ إخفاء تكرير الراء، فمتى أظهره فقد حصل من الحرف المشدد حروف ومن المخفف حرفان، نص على ذلك علماء القراءة كمكي بن أبي طالب القيسي وغيره.





16- حرف التفشي:

وهو الشين، والتفشي لغة: الاتساع، وسمي بذلكَ لان الصوت يتفشى وينتشر في مخرجه عند النطق بها حتى اتصلت بمخرج الظاء. وعد بعضهم حروف التفشي ثمانية: الميم، والشين، والفاء، والراء، والثاء، والصاد، والسين، والضادَ.

17- حروف الاستطالة:

وهو الضادُ المعجمةُ، والاستطالة لغة: الامتداد، وسميت بذلكَ لأنها استطالت عند النطقِ بها حتى اتصلت بمخرج اللام وذلكَ لما فيها من القوةِ بالجهرِ والاستعلاءِ والإطباق.





الفصل العاشر

في أحكام الراء

اعلم أن للراءِ حالات ثلاثًا: التفخيمَ، والترقيقَ، وجوازَ الوجهينِ.

1- التفخيمُ:

تُفخّم الراء التي تكون مفتوحة نحو: {ربَّنا ءاتنا}، أو مضمومة نحو: {يُنصرُون}، أو إذا سكنت وكان قبلها ضمّ أو فتحٌ نحو: {مُرْضعة}، و: {العرْش}، أو سكنت وكان قبلها كسر عارضٌ أي غير لازم نحو: {لمنِ ارتضى} و: {أمِ ارتابوا}، و: {اركعوا}، و: {ارجعوا}، أو سكنت وكانَ قبلها كسر أصلي أي لازم وبعدها حرفُ استعلاء غيرُ مكسور نحو: {قِرْطاس} و: {لبالمرصاد}، أو سكنت وقفًا وكانَ قبلها ساكن وقبله ضم أو فتح نحو: {العصْر} و: {الشكر}.

2- الترقيق:

تُرقق الراء إن كُسرت نحو: {وفي الرِّقاب} و: {الغارمين} و: {والفجرِ}، أو سكنت وكان قبلها كسرٌ أصلي نحو: {فرعون} و: {مِرْية}، أو سكنت وكان قبلها ياء ساكنة نحو: {خبير} و: {خَيْر}، أو سكنت وقفًا وكانَ قبلها وقبلهُ كسر نحو: {السِحْر}.

3- جوازُ الوجهينِ:

يجوز في الراء التفخيم والترقيق إذا سكنت وكان قبلها كسر أصلي وبعدها حرفُ استعلاء مكسور نحو: {فِرْقٍ} فتفخمُ لحرفِ الاستعلاءِ وترقق لكسر يوجد في القافِ، وإنما لم يختلفوا في غيرهِ نحو: {فرقة}، و: {قِرطاس} لانتفاء كسر حرف الاستعلاء فيه.





الفصل الحادي عشر

في حكم اسم الله

اعلم أن اللام من اسم الله تفخّم إن وقعت أول الكلام نحو: {اللهُ لا إله إلا هو}، أو بعدَ فتح أو ضم نحو: {وما اللهُ بغافلٍ عمّا تعملون}، و: {يدُ اللهِ فوقَ أيديهم}، وذلكَ لمناسبةِ الفتحِ والضمَ التفخيمَ المناسبَ للفظِ الجلالةِ: "اللهُ".

وترققُ إذا وقعت بعد كسرة ولو منفصلة أو عارضة نحو: {للهِ} و: {أفي الله شك}. وقد ترققُ إذا كانَ قبلها إمالة كبرى وذلكَ في قراءةِ السوسيِّ في أحدِ الوجهينِ نحو: {نرى الله}.


الفصل الثاني عشر


في الوقف



الوقفُ لغة: الكف، واصطلاحًا: قطعُ الكلمةِ عما بعدها بسكتة. وفائدةُ معرفة الوقفِ والابتداءِ تبيينُ معاني القرءانِ العظيمِ وتعريفُ مقاصدهِ وإظهارُ فوائده.

وينقسمُ الوقفِ على القولِ المختارِ إلى أربعة أقسام: تام مختار، وكاف جائز، وحسن مفهوم، وقبيح متروك.




1- الوقفُ التامُ:

وهو الذي قد انفصلَ عما بعدهُ لفظًا ومعنًى، أي تمّ الكلام بِهِ وانقطعَ ما بعدهُ عنهُ، ولا يوجدُ إلا عندَ تمامِ القصصِ وانقضائهنَ، ويكثرُ أيضًا وجوده في الفواصلِ كقولهِ تعالى: {أولئك هم المفلحون} ثم الابتداء بقوله: {إنَّ الذين كفروا}، وكقولهِ: {وأنّهم إليه راجعون} ثم الابتداءُ بقوله: {يا بني إسرائيل}.

وقد يوجدُ التامُ قبل انقضاء الفاصلة كقوله: {لقد أضلني عن الذكرِ بعدَ إذ جاءني}، وتمامُ الفاصلةِ: {وكان الشيطان للإنسان خذولاً}. وقد يوجدُ التامُ بعد انقضاء الفاصلة بكلمة كقوله: {لم نجعل لهم من دونها سترًا * كذلكَ}.

وقد يكون الوقفُ تامًا على قراءة وحسنًا على غيرها نحو: {إلى صراطِ العزيز الحميد} هذا تام على قراءةِ من رفع اسم الجلالةِ بعده وهوَ: {الله}، وعلى النعتِ حسن.

2- الوقفُ الكافي:

وهو الذي انفصلَ عمّا بعده في اللفظِ ولهُ بِهِ تعلق في المعنى بوجه، أي لا ينقطعُ عما بعدهُ مِن حيثُ المعنى كالوقفِ على قولهِ: {أم لم تنذرهم لا يؤمنون} ثم الابتداء بقوله: {ختمَ الله على قلوبهم}، فإنهُ متعلق بِهِ مِن حيثُ المعنى لكن يحسنُ الوقف عليه والابتداء بما بعدهُ، وكقولهِ: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} ثُمَّ الابتداءُ بقولهِ: {يومئذ يودُّ الذين كفروا}.

3- الوقفُ الحسن:

وهو الذي يحسن الوقفُ عليهِ لأنهُ كلام حسن مفيد ولا يحسنُ الابتداءُ بما بعدهُ لتعلقهِ به لفظًا ومعنى، إلا في رءوسِ الآي فإن ذلكَ سنّة. ومثالهُ إذا لم يكن رأس ءاية الوقف على قولهِ: {الحمد لله} فهذا كلام حسن مفيد وقولهُ بعد ذلكَ: {رب العالمين} غير مستغن عن الأول، فلا بد من إعادة ما قبله.




4- الوقفُ القبيحُ:

وهو ما يقبحُ تعمد الوقف عليه لشدة تعلقه بما بعده، كالوقف على المضاف دون المضاف إليهِ نحو الوقف على: {مالك} فإن الوقف عليه قبيح لشدة تعلقه بما بعده وهو: {يوم الدين}. وكذا يقبح تعمد الوقف على ما يغيّر المعنى كالوقف على قوله: {وما خلقت الجن والإنس} وكذا الوقفِ على قولهِ: {فويل للمصلين} و: {إنّ الله لا يهدي}. وإذا وقف القارئ على ذلكَ لضرورة كضيق نفس أو غيره يبدأ بما قبله ليصل الكلام بعضه ببعض، مثل الوقف عند انقطاع النفس على: {عزيزٌ ابن}، فلا يبتدئ بـ: {عُزَيزٌ} ولا بـ: {ابن} بل بـ: {وقالت اليهود}، وقس على ذلكَ.


الفصل الثالث عشر


في السكتات والسجدات



* السكتة:

السكتة قطع الصوت من غير تنفس بنية القراءة، وهي في قراءة حفص أربع سكتات:

1- في سورة الكهف قوله تعالى: {ولمْ يجعلْ له عِوَجًا} فيسكت سكتة لطيفة ويقول: {قيِّمًا}.

2- في سورة يس قوله تعالى: {مَنْ بعثنا مِنْ مرقدنا} فيسكت كما تقدم ويقول: {هذا}.

3- في سورة القيامة قوله تعالى: {وقيل من} فيسكت كذلك ويقول: {راق}.

4- في سورة المطففين قوله تعالى: {كلا بل} فيسكت كما مرَّ ويقولُ: {ران}.

* السجدات:

سجداتُ التلاوةِ أشيرَ إليها على هامشِ المصحفِ، وهي أربعَ عشرةَ سجدة:

1- سورة الاعراف: {إن الذينَ عندَ ربكَ لا يستكبرون عن عبادتهِ ويُسَبحونه وله يسجدون}.

2- سورة الحج: {ألم ترَ أنَّ الله يَسْجُدُ لهُ} إلى ءاخرِ الآية.

3- سورة الحج: {يا أيُّها الذينَ ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخيرَ لعلكم تُفلِحون}.

4- سورة الرعد: {وللهِ يسجُدُ مَنْ في السموات} إلى قولهِ: {والآصال}.

5- سورة النحل: {ولله يسجد} إلى قولهِ: {يستكبرون}.

6- سورة الإسراء: {قل ءامنوا به} إلى قولهِ: {خُشوعًا}.

7- سورة مريم: {أولئكَ الذينَ أنعم الله عليهم} إلى قولهِ: {وبُكيًا}.

8- سورة الفرقان: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن} إلى قولهِ: {نُفورًا}.

9- سورة النمل: {ألّا يسجدوا لله} إلى قولهِ: {تُعْلِنون}.

10- سورة السجدة: {إنما يُؤمن بآياتنا} إلى قولهِ: {لا يستكبرون}.

11- سورة فصلت: {ومن ءاياته الليل والنهار} إلى قولهِ: {تعبدون}.

12- سورة النجم: {فاسجدوا لله واعبدوا}.

13- سورة الانشقاق: {وإذا قُرئ عليهم القُرءان لا يسجدون}.

14- سورة العلق: {كلا لا تُطعه واسجد واقترب}.

أما في سورةِ ص فقولهُ تعالى: {وخرَّ راكعًا وأناب}، فهِيَ سجدة عندَ أبي حنيفةَ ومالك.

وحكم سجدة التلاوة الندب لقارئ ومستمع متوضئ بنية وتكبير وسجود واحد وتسليم، ولغيرِ متوضئ قولُ: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" أربعَ مرات.

والحمد لله على التمام، وصلى الله على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وعلى ءالهِ وصحبهِ الأبرارِ الميامين.


الهوامش:



[1] تسلّم إمامة ومشيخة المسجد المكي الشريف أيام السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وذلكَ بصدور فرمان من الصدر الأعظم في الأستانة.
[2] أما تكرير الراءات فلا يطلق القول بأنهُ ليس فيهِ إثم.
[3] عند السوسي.
[4] الحركة في المد مقدار طيّ الإصبع أو نشره.
TohaKepriben

Previous Post Next Post